هند الحناوى : الفتاة التى أسقطت هيبة الذكور



كريم عامر
2005 / 3 / 22

بعد عام كامل من المداولات والمشاحنات والإتهامات والمجادلات والأخذ والرد ، وبعد إنكاره الشديد لما حدث وتحديه لها أن تثبت صحة ماتدعيه ، إضطر - أخيرا - الداعية الشاب والفنان الصاعد " أحمد فاروق الفيشاوى " إلى الإعتراف بالعلاقة الجنسية بينه وبين مهندسة الديكور " هند الحناوى " قبل أن يخضع لفحوصات الحمض النووى DNA لإثبات ما إذا كانت المولودة - التى تمخضت عنها هذه العلاقة - ابنته أم لا ، مما لايدع مجالا للشك فى نسبها اليه الأمر الذى تداولته المحاكم بينهما ودار الصراع الحاد والعنيف بين عائلتيهما على مدى عام كامل خرج منه " أحمد الفيشاوى " خالى الوفاض وقد خسر الكثير من شعبيته التى حاول صنعها بمحاولة إبراز إلتزامه الدينى والأخلاقى جنبا الى جنب مع عمله فى الوسط الفنى فى إذدواجية غير معقولة توازيها إذدواجية أخرى فى شخصية " الفيشاوى " ذاته إتضح وجهيها جليا بعد إعترافه الأخير الذى جاء بعد إنكار شديد وهروب مستميت من الحقيقة . أبرز لنا كل هذا شخصيتان متغايرتان يتمتع بهما "أحمد الفيشاوى " فى آن واحد :
فهو - أمام الناس جميعا - الفنان الملتزم دينيا وأخلاقيا ، المتمسك بتعاليم دينه ، الصديق الحميم للدعاة الإسلاميين من عينة " عمرو خالد " ، والداعى فنانات جيله الى إرتداء الحجاب كدعوته لـ " حلا شيحا " وأختها " مايا شيحا " اللتين تمكن فى وقت ما من غسل ادمغتهما واقناعهن بارتداء هذه الأكفان التى تخلين عنها فيما بعد .
وهو - فى الخفاء - الشاب المريض نفسيا ، المنحرف جنسيا ، الذى يستغل حب الفتاة له ليوقعها فى شركه ويضمها الى قائمة ضحاياه ويأخذ منها مايريد فى أنانية سافرة ثم يتركها ويتهرب منها ويضحى بسمعتها - فى مجتمع يرفض ان تمارس الفتاة فيه الجنس خارج إطار الزواج - لمصلحته الخاصة ولسمعته الذاتية .
وأتذكر أننى كنت حاضرا يوم 8 مارس الماضى ندوة للمخرجة المصرية إيناس الدغيدى عقدت فى مكتبة الإسكندرية ، كانت تتحدث فيها عن اعمالها السينمائية ، وذكرت فى إطار حديثها عن فيلم " مذكرات مراهقة " أن والدة " هند الحناوى كانت موجودة معهم أثناء الإعداد لتصوير الفيلم وأبدت إعجابها الشديد بفكرته الجريئة بعدما قامت بالإطلاع على السيناريو الخاص به ، وأعجبها موقف الفتاة التى تمسكت بجنينها رغم كل المحاولات التى بذلها أهلها لإقناعها بالتخلص منه .
وتشاء الظروف أن تتعرض إبنة تلك السيدة - بعد ذالك - لمثل ماتعرضت له بطلة الفيلم وإذا بالأحداث تأخذ مجرى آخر ، فنجد الأم تقف مع ابنتها وتساندها فى موقفها المتمسك بالجنين والرافض لإجهاضه .
مما جعل مخرجة الفيلم تندم على هذه النهاية التى وضعتها لبطلتها عندما أجهضت حملها ، وصرحت بأنها كانت تفضل - بعد ان رأت موقف والدة " هند الحناوى " - أن تكون النهاية كنهاية قصة هند .
وبالطبع ، فموقف " هند الحناوى " لا مثيل له بين الفتيات العربيات - إلا قليل - فقد تحدت " هند " المجتمع الذكورى الذى يعامل الأنثى التى يحدث لها مثل ذالك بمنتهى القسوة والوحشية ويجبرها على كتمان أمرها أو الإنتحار أو إجهاض حملها .
ولكننا رأينا شيئا آخر ، رأينا فتاة تتمسك بجنينها حتى اللانهاية وترفض أية دعوة لإجهاضه ، وترفض كافة المغريات التى عرضتها عليها أسرة الفيشاوى للتخلص من حملها والتنازل عن الدعوى .
لقد كان درسا مهما ينبغى أن تتفهمه كل فتاة فى مجتمعنا العربى بأن لاتستسلم للظلم الذى يفرضه مجتمعها عليها وأن تتمرد على كافة مظاهر التهميش والتمييز والظلم ، وان تتحدى مجتمعها الظالم بكل ما أوتيت من قوة حتى تأخذ منه حقها فى النهاية حيث لايصح إلا الصحيح ولا ينتصر إلا من يستأهل النصر .
إن موقف " هند الحناوى " يضعنا أمام نوع آخر من النساء لم يعتد المجتمع الذكورى التعمل معهن من قبل ومواجهتهن ، نوع لا يعرف شيئا إسمه الإستسلام ولكنه يؤمن بشىء آخر إسمه التمرد على الظلم ، نوع لايعرف المهادنة ولكنه يعرف التحدى والمواجهة ، نوع لا يعرف شيئا إسمه الرضا بماهو مقدر ومكتوب ، بل يؤكد أنه سوف يصنع القدر بنفسه وبالطريقة التى يريدها .
لقد أكدت " هند الحناوى " بوقفتها تلك على حق الجنين فى الحياة الكريمة بغض النظر عن نوع العلاقة الجنسية التى أدت إلى تكوين خلاياه الأولية داخل تجويف الرحم ، كما يؤكد أيضا على حرية الفتاة فى ممارسة الجنس مع من تريد فى نفس الوقت الذى يحق لها فيه أن تطالب والد جنينها مشاطرتها المسؤلية المترتبة على خروجه الى هذه الحياة والتأكيد على حقها فى ذالك إن حاول الأب التنصل منها أو التهرب مما إشترك معها فيه وتمخض عنه مولود جديد قد يخرج إلى الدنيا ليجد نفسه ملقى فوق مقلب قمامة أو على باب مسجد أو فى صحراء جرداء ، أو على أفضل تقدير داخل ملجأ للقطاء يعانى من إضطهاد المجتمع له بدعوى أنه " إبن زنا " ، وكأنه كان مسؤلا عما حدث بين والديه من ممارسة للجنس خارج الإطار المشروع مجتمعيا .
أما عن " فاروق الفيشاوى " فحدث ولا حرج ، فهو منذ البداية أبدى إنحيازه الأعمى لإبنه بشكل غير معقول ، فمنذ إثارة هذ الموضوع فى وسائل الإعلام إعتدنا أن نستمع منه الى عبارت من قبيل " أحمد بالذات مايعملش كده " ، و : ده إبنى وأنا عارفه كويس " .... الى آخر هذه العبارات التى كان " الفيشاوى " الأب يحاول بها تبرئة " الفيشاوى " الإبن بصرف النظر عن مدى مسؤليته عما حدث .
وحتى عندما قضى الأمر ، وإعترف " احمد الفيشاوى " بعلاقته مع " هند " وجدنا " فاروق الفيشاوى " يستصدر فتوى من أحد المرتزقة من معممى الأزهر تقضى بعد جواز نسب الإبنة إلى أبيها بحجة أنها لم تأت عن طريق نكاح شرعى .
ذكرتنى هذه الفتوى الجائرة بأحد الأحكام التى درسناها فى مادة الفقه الشافعى بأنه يجوز للرجل أن يتزوج إبنته من الزنا !!!!! الأمر المنصوص عليه فى كتب الفقه الشافعى التى لاتزال - حتى الآن تدرس فى المعاهد الدينية والكليات المختصة بتدريس علوم الفقه والشريعة الإسلامية .
أما عن موقف والدى " هند الحناوى " اللذين سانداها فى هذا الموقف ولم يبادرا بدفن رؤسهما فى الرمال وقتلها وإخفاء ماحدث كما هو الحال مع مئات الفتيات اللاتى يقتلن بحجة الدفاع عن الشرف العائلى ، ولكننا وجدنا أسلوبا آخر لم نعهده من قبل فى مجتمعاتنا ، فهما تقبلا ماحدث بإعتباره أمرا واقعا وحاولا أن يتكيفا ويكيفا إبنتهما معه بصورة إنسانية وأن يحصلا لها ولجنينها على حقهما فى مسؤلية والده عنه ونسبته اليه وقاما برفع دعوى قضائية ضد " أحمد الفيشاوى " ووقفا معها حتى إضطر - صاغرا - إلى الإعتراف بفعلته واضعا نفسه فى موضع لايحسد عليه بسبب عودته عن إنكاره الشديد لكل ماحاول التنصل منه على مدى عام كامل الأمر الذى إتضح من خلاله كذبه الواضح ومحاولته الخبيثة للهروب من المسؤلية المترتبة على فعلته تلك - والتى يجب ان يترتب عليها نسبة الإبنة اليه - كما يفعل آلاف الرجال ممن يتزوجون عرفيا ويتهربون من زوجاتهم تراكينهن يواجهن خطر الموت معنويا وماديا وخطر إلقاء أبنائهن فى الشوارع يعانون من نظرة المجتمع الدونية اليهم على انهم " أبناء حرام " وبالتالى يحتقرونهم ويرفضون إدماجهم فى المجتمع .
ولكن ، وعلى الرغم من الدور المشرف الذى لعبه والدى الفتاة وساعداها من خلاله على التمسك بمطالبها وبجنينها حتى النهاية ، إلا أن الدور الذى لعبته " هند " لايمكن تجاهله بأى حال من الأحوال ، فهى التى تمسكت بجنينها وكان بإمكانها التخلص منه دون أن يعلم أحد - على الإطلاق - أنها قد حملت كما تفعل آلاف الفتيات اللاتى تذدحم بهن عيادات الأطباء عديمى الذمم والضمائر الذين يستغلون حاجتهم للإجهاض ورتق غشاء العذرية لإبتزازهم ماليا وجنسيا ، ولكنها رفضت هذا الحل ، وأبت إلا أن تعلن على الملأ أنها قد حملت من هذا الشخص وأنها تريد الحصول على حقها فى نسب حملها إليه .
لقد تحدت " هند " مجتمعا بأكمله ينظر إالى الفتاة على أنها كائن لاوزن له ولاقيمة ولكنها أثبتت لهذا المجتمع أنها قادرة على مواجهته ، وأن بمقدرتها أن ترغمه على الإعتراف بوجودها وبأنها إنسانة كاملة لها من الحقوق ما يمتمتع به امثالها من الذكور ، وعليها من الأعباء والواجبات مايقع على عاتقهم منها .
إننا نأمل أن نرى أنموذج " هند الحناوى " يتكرر يوميا فى مجتمعنا وأن نرى كل فتاة تقف فى وجه المجتمع مطالبة إياه بالإعتراف بحق جنينها فى الحياة بصورة كريمة كبقية البشر العاديين بصرف النظر عن نوع العلاقة التى أتت به إلى الدنيا .
ونحن لا ننكر أن مجتمعنا يحاول قمع مثل هذه النماذج المشرقة البراقة ووأدها فى مهدها ، ويحاول منع الفتاة من الإتصال بالشخص الذى يميل قلبها إليه بتخويفها من هذه العلاقة التى لن يكون لها ضحايا غيرها هى جنينها ، ولكن " هند الحناوى " تحدت المجتمع وأثبتت له عكس ذالك ، أثبتت أنه لن يضيع حق طالما وجدت ورائه مطالب ، ولن يطول هرب الفار من الحقيقة لأنها - أى الحقيقة - ستظل تطارده حتى تجبره فى نهاية الأمر على الإعتراف بها والإقرار بواقعيتها ، فتحية إلى " هند الحناوى " التى تحدت المجتمع من أجل إبنتها ، وتحية إلى كل أم تمسكت بحملها على الرغم من مطالبة المجتمع بقتلها أو إجهاضها .
وفى عيد الأم - الذى يوافق اليوم - ، ألا تستحق " هند الحناوى " بتحديها للمجتمع وبمخاطرتها بقيمتها المعنوية حتى تجد إبنتها مكانا ملائما لها فى المجتمع ، ألا تستحق من أجل هذا كله لقب الأم العربية المثالية ؟
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية فى 21 / 3 / 2005