رفض القطاع الخاص تشغيل النساء المتزوجات ..... تمييز وأنانية



محمد كريزم
2005 / 3 / 24

تقاس دائماً طاقة العمل بحجم الإنتاج في المنشأة بغض النظر عن الجنس أو النوع الإجتماعي مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك معايير مهنية تشمل قوة العمل بمجملها تحدد مستوى الإنتاجية والأداء دون تمييز أو تصنيف تعسفي، هذه ليست نظرية إقتصادية بقدر ماهي حقوق إنسانية يجب أن يتمتع بها النساء والرجال على حد سواء، فعندما تسوغ مؤسسات القطاع الخاص لاسيما البنوك أن إنتاجية النساء المتزوجات تتناقص في العمل ويتباطىء أدائهن وتكثر طلبات الإجازة لديهن، وبالتالي ترفض تشغيلهن تحت هذه الذريعة فإن ذلك يتجافى مع الواقع، وليس أدل على ذلك تلك النساء المتزوجات اللواتي تعاظم إنتاجهن بعد زواجهن وإنجابهن للأطفال، على عكس الإعتقاد السائد في كثير من الحالات.
هذا التحقيق يستعرض خفايا وأسباب إقدام القطاع الخاص على رفض توظيف وتشغيل النساء المتزوجات، وتفنيد مسوغاته التي هي في جوهرها غير مبررة.
حالات واقعية:
تبين خلال التدقيق في مسألة رفض القطاع الخاص تشغيل النساء المتزوجات أن هناك حالات كثيرة حدثت بهذا الخصوص، ما يؤشر على أن تلك الظاهرة مستشرية في هذا القطاع دون أن يكشفها أحد قبل ذلك أو يعالجها، بل أن.
تقول سهى أنها عندما تقدمت لإحدى المؤسسات بطلب توظيف، أحضر لها الموظف المختص قائمة شروط على رأسها وأهمها أن تكون أنسة وليست متزوجة أو مخطوبة وزواجها أضحى قريباً، مشيرة إلى أنها أخضعت لأسئلة لا علاقة لها بالعمل، وهي أشبه ما تكون بالإستجواب جعلها تشعر بنوع من الرهبة، وأن الأسئلة خرجت عن نطاقها كمقابلة للتوظيف وأصبحت تمس الشأن الشخصي وتنتهك خصوصيته.
نورة طرحت ما سبق ذكره وباتت ثقتها بمؤسسات القطاع الخاص شبه معدومة لكنها أنحت باللائمة على مراكز حقوق الإنسان لعدم تدخلها في هذه القضية التي تفوح منها رائحة التمييز ضد النساء.
نوال تقول أنها عندما ذهبت لحضور المقابلة التي حددت لها مسبقاً من قبل مؤسسة تجارية خاصة كانت تراجع معلوماتها عن طبيعة العمل الذي من المفترض أن تسؤل حوله وتقوم به في حال نجحت في المقابلة لكنها تفاجأت بأسئلة وإستفسارات ليس لها أي معنى سوى التمييز الفاضح ضد المرأة منها على سبيل المثال هل أنت متزوجة؟ هل لديك أطفال؟ هل تخططين لإنجاب المزيد من الأطفال؟ هل تقومين بأعمال منزلية كثيرة تسبب الإرهاق لك؟.
وبطبيعة الحال لم تحظى أي من هؤلاء النسوة بفرصة عمل في المؤسسات التي تقدمن بطلبات توظيف لها والسبب كما هو معلوم ( زواجهن وإنجابهن أطفال).
تعسف وإنتهاك:
محمد دهمان مدير مركز الديموقراطية وحقوق العاملين أوضح أنه لا توجد أي مادة قانونية تلزم أصحاب العمل أو الشركات أو البنوك أو القطاع الخاص عموماً بتشغيل فئات محددة بإستثناء 5% منحت للمعاقين، وبالتالي فإن عملية التوظيف أو التشغيل تخضع لإعتبارات ظروف العمل الخاصة للمشغلين التي تخفي وراءها تعسف واضح بحق النساء المتزوجات، معزياً أسباب ذلك إلى جشع وأنانية بعض مؤسسات القطاع الخاص التي تسعى للربح دون النظر لحقوق النساء البسيطة المتمثلة في إجازات الأمومة أو المرضية.
وإعتبر دهمان إمتناع مؤسسات القطاع الخاص لاسيما البنوك والشركات التجارية عن توظيف النساء المتزوجات أنه إنتهاك وتعسف واضح لحقوق النساء العاملات، و مس بالحرية الشخصية، ويتنافى مع الأعراف المتبعة بهذا الشأن.
وأشار دهمان أن القانون الفلسطيني يحمي النساء أثناء فترة العمل ولا ينظر إلى ما قبل ذلك، وبالتالي عندما يرفض أصحاب العمل تشغيل النساء المتزوجات لا يتم فرض جزاءات عليهم بسبب عدم وجود مواد قانونية في هذا السياق تمنع التميز، منوهاً إلى أن القانون يتدخل في حال كانت إمرأة تعمل ومن ثم تزوجت وعليه فصلت من عملها فهذه تعتبر مخالفة قانونية.
وأضاف دهمان أن رفض البنوك تشغيل النساء المتزوجات هو موقف تتخذه من باب خلفي وليس موقف معلن من قبلها، موضحاً أن قوانين العمل الفلسطيني لا تلزم المشغلين بمعايير خاصة رغم وجود نصوص قانونية تؤكد على أن العمل هو حق لكل من النساء والرجال.
ودحض دهمان ما يشاع من أن طاقة العمل الإنتاجية لدى النساء المتزوجات تتناقص، مؤكداً أن التجربة على أرض الواقع بخلاف ذلك فهناك نساء متزوجات ولديهن أطفال تعاظمت طاقتهن الإنتاجية ولم تتأثر رغم أن الرجال والنساء على حد سواء بحاجة للراحة من العمل.
فصل من العمل:
حنان صيام من جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية أوضحت أن بعض مؤسسات القطاع الخاص أصبحت تشترط في التوظيف، عدم زواج المرشحة للعمل، أو حتى خطبتها إمعاناً في الأنانية كشرط اساسي، وتطبقه بمنتهى التعسف والظلم بحق النساء المتزوجات، وأن المسألة لا تقتصر على البنوك والشركات بل أن هناك الكثير من القائمين على رياض الأطفال ذات الإنتماءات السياسية أو الذين يتخذون من هذه الرياض مجرد مشاريع ربحية لا يقبلوا بتاتاً تشغيل النساء المتزوجات، وفي حال وجدت إمرأة عزباء كانت تعمل و من ثم تزوجت فإنها تفصل فوراً من عملها دون الحصول على أدنى الحقوق، وهناك حالات كثيرة حدثت وتعالجها الجمعية.
وطالبت صيام بتغيير صيغ عروض العمل التمييزية المتداولة حالياً وجعلها أكثر مساواة بين الرجال والنساء، فمثلاً عندما تنشر شركة إعلاناً في الصحف تطلب مهندسين للعمل، فالأحرى أن تكون صيغة الإعلان مطلوب مهندسون ومهندسات، وهكذا بالنسبة لعروض العمل الأخرى.
وأنحت صيام باللائمة على قوانين العمل التي لم تعالج هذا الإجحاف بحق النساء العاملات المتزوجات، وتركت الباب مشرعاً أمام المشغلين للتعسف أكثر فأكثر، في ظل غياب قوانين رادعة تمنع التمييز بهذا الشكل.
حق العمل مكفول للجميع:
منى الشوا مديرة وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أوضحت أن لكل إمرأة الحق في المساواة بالعمل، و عدم تمييزها عن الرجل بسبب جنسها، أو بسبب حالتها العائلية كعزباء، أو كامرأة متزوجة أو كأم لأولاد ويحق للمرأة أن تعمل في أية مهنة حسب رغبتها، وان تترشح لكل وظيفة يتم عرضها في مجال العمل، مشيرة إلى أن القوانين والمواثيق الدولية تحظر تمييز المرشحة للعمل لأي سبب من الأسباب، ورفضها بسبب كونها إمرأة أو بسبب حالتها العائلية كعزباء أو كامرأة متزوجة، أو كأم لأولاد، منوهةً إلى أن ما تقوم به شركات ومؤسسات القطاع الخاص لا سيما البنوك التي ترفض قبول مرشحات للعمل ذات مؤهلات مناسبة بسبب كونهن أمهات لأطفال إنما هي في حقيقة الأمر تخالف تلك القوانين والمواثيق، مشيرة في نفس الوقت إلى قضية أخرى تحدث في البنوك وتتمثل في حال كان هناك زوجين يعملان في بنك فإن إدارة البنك تفرض على أحدهما تقديم إستقالته، وهذا يعني أن الإختيار سيقع على المرأة كونها الحلقة الأضعف في المعادلة.
ورفضت الشوا مسألة إخضاع المرشحات للعمل لأسئلة غير متعلقة بجوهر العمل وتمس خصوصيتهن ومن شأنها أن تؤدي إلى التمييز ضدهن أو إلحاق الأذى المعنوي والنفسي بهن.
وأكدت الشوا على أن حق كل فرد في العمل يحظى بإعتراف مميز في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تتضمن العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان إعترافاً واضحاً بهذا الحق، ويعني الحق في العمل حق كل شخص في التمتع بفرصة عمل يختارها بحرية مقابل نظير مادي، كما يعني أيضاً الحق في المساواة في الحصول على فرصة عمل دون تمييز.
وأشارت الشوا إلى المادة العاشرة من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة الذي صدر بموجب قرار الجمعية العامة عام 1967وتنص على أن تتخذ جميع التدابير المناسبة لكفالة تمتع المرأة متزوجة أو غير متزوجة، بحقوق مساوية لحقوق الرجل في ميدان الحياة الإقتصادية والإجتماعية ولاسيما الحق دون تمييز بسبب الحالة الإجتماعية أو أي سبب أخر في تلقي التدريب المهني وفي العمل وفي حرية إختيار المهنة ونوع العمل، كذلك الحق في التمتع بالإجازات المدفوعة الأجر، كما نصت المادة الحادية عشرة من إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي دخلت حيز النفاذ في عام 1981 أنه توخياً لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، وضماناً لحقها الفعلي في العمل، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة في حظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة والتمييز في الفصل من العمل على أساس الحالة الزوجية مع فرض جزاءات على المخالفين، أيضاً إدخال نظام إجازة الأمومة المدفوعة الجر أو المشفوعة بمزايا إجتماعية مماثلة دون فقدان للعمل السابق أو للأقدمية أو للعلاوات الإجتماعية، إضافة لتشجيع توفير الخدمات الإجتماعية المساندة اللازمة لتمكين الوالدين من الجمع بين الالتزامات العائلية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة، لاسيما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال.
وطالبت الشوا تضمين القوانين الفلسطينية بما جاء في المواثيق والقوانين الدولية نصاً وروحاً، كونها تنسجم تماماً مع مبادىء حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الإجتماعية، وتصون حقوق المرأة وكرامتها.
واستغربت الشوا ما تطرحه مؤسسات القطاع الخاص من أن حصول النساء على إجازة أمومة يعيق العمل ويقلل من المردود الإنتاجي، وضربت مثال على ذلك ما يجري في السويد والنرويج ودول أوروبية متقدمة جداً حيث يتم منح الرجال والنساء على حد سواء عائلية، الرجال يمنحون إجازة أبوة والنساء يمنحن إجازة أمومة، فهل هذا يعني تعطل للعمل أو يمس الإنتاج؟ الإجابة بطبيعة الحال بالنفي, ومايتم تسويغه على صعيد القطاع الخاص لا علاقة له بالإنتاج أو العمل اليومي طالما هناك أليات يتم بموجبها الحفاظ على مستوى الأداء، وبالتالي المرأة تعتبر عنصر منتج سواء متزوجة أو غير متزوجة كما هو حال الرجل تماماً.