المرأة و التکنلوجيا..صراع الحديد و الاحاسيس



نزار جاف
2005 / 3 / 26

منذ طفولتی و أنا أتذکر تلک اللوحة(التراجيکوميدية) المعبرة عن العصر الحجري و فيها رجل يسحب زوجته من جدائلها خلفه. تلک اللوحة "برغم عفويتها الظاهرية" کانت تلمح الى حقيقة عدم وجود فرق يذکر بين حيوان يصطاده الرجل الحجري ويسحبه خلفه أو إمرأة تحل محل ذلک الحيوان يجرها وراءه لأي غرض کان! لقد کان إقتران إستعباد المرأة بالهمجية و التخلف من البديهيات التي لاجدال عليها. حين نتتبع المسار التأريخي لتحضر المجتمع الانساني، نجد أن النساء " مع إستمرار القهر الاجتماعي ضدهن" فأنهن کن مع مخاض الالام و المعاناة و الاستخفاف بإنسانيتهن، يحرزن شيئا من التقدم للأمام على طريق نيل هويتهن الانسانية کاملة دون إنتقاص. وقد کان إنتقال الانسان من مرحلة تأريخية متخلفة الى مرحلة لاحقة أکثر تطورا، يحمل في ثناياه مايشبه بشارات الخير و التفاؤل لهذا الکائن الانساني المسلوب الارادة لضعفه البدني. ولعل مجئ الثورة الصناعية و إحداثها لذلک التغيير الحضاري" سلبا و إيجابا" في المجتمعات الانسانية من حيث إحلال الالة محل الانسان أو قيامها بدور ماکان بمقدور القوة البدنية للرجل أن يقوم بذلک أبدا. هذا التطور الصناعي الهائل الذي رافقه تقدم تقني غير عادي في مجالات مختلفة للبشرية، بدأت بوادره تظهر رويدا رويدا في المجال الاجتماعي بقوة، ذلک أن العمل الذي کان الرجل يؤديه بداع من قوته البدنية و العضلية، إنتفت الحاجة إليه مع دخول التکنلوجيا و لغة الارقام الى المضامير المتباينة. ومع خفوت الحاجة الى" القوة الرجولية" في مجال العمل، الى أدنى مستوى لها على مر التأريخ، برز الى ميدان العمل العنصر النسوي و صار ندا کاملا للرجل. وبرغم ماقد يثار من إنتقادات أو حتى تحفظات على مجمل الاثار السلبية المتخلفة عن بروز دور المرأة"على حساب الاسرة"، وخصوصا تلک الاراء التي يطلقها الباحث الاجتماعي الامريکي المحافظ(ديفيد بوبنو) و التي تدعو في سياقها العام الى عودة مجتمع" القيم الاسرية" وتحديد سقف محدد لما سماه بالقيم الاجتماعية الواجب بقاءها لحماية المجتمع الانساني من الانهيار و التآکل! برغم کل ذلک، فلامناص من الاقرار بأن الوضع الاسري" من الناحيتين المادية و المعنوية" هو الافضل في ظل التقدم التقني، ذلک أن المرأة بدأت تلعب دورا أکثر إيجابية في المجال الاجتماعي و تحديدا في المجال الاسري ذاته. وقد دلت الدراسات و البحوث التي أجرتها نخبة من علماء الاجتماع الاوربيين و الامريکان على المجتمعين السويدي و الامريکي بخصوص ماقد تم إنجازه للمرأة و الطفل في ظل التکنلوجيا قبل أکثر من عامين، أن الاطفال الذين يحظون برعاية أمومية"دون أب"، هم الافضل تربويا و تعليميا. وقد أظهرت تلک الدراسة المهمة، أن الاطفال الذين يعيشون في کنف آبائهم"دون أمهات" يعانون من مشاکل جمة و على عدة أصعدة، بل وقد ذهبت تلک الدراسة الى أبعد من ذلک حين لمحت الى أن أکثر حالات جنح الاطفال التي جرت في السويد و أمريکا خلال أواخر تسعينات القرن المنصرم، کانت تعود لأطفال يعيشون مع آبائهم!! ولم يملک بعض من علماء الاجتماع المشارکين في تلک الدراسة الميدانية الفريدة من نوعها، من التشديد على إيجابية الاسرة الاحادية"أي من أحد الزوجين" إذا کانت المرأة هي التي تدير الامور. وبرغم ماأثاره المتزمتون ضد تلک الدراسة من إنتقادات لاذعة، لکنها و لرصانتها العلمية، جعلت تلک الاحتجاجات المثارة ضدها هواءا في شبک. والحق أن تداعي البنيان الاجتماعي الکلاسيکي للغرب، وظهور بوادر جديدة لمجتمع يتمتع بالمزيد من الانفتاح و الحيوية بالنسبة للمرأة، مايزال يشکل هاجسا مقلقا بالنسبة للتيارات السياسية و الاجتماعية و الفکرية المحافظة. هؤلاء يحذرون من تعاظم دور المرأة بخلاف مايسمونه کل ماهو مألوف في " القيم و الاعراف الفکرية ـ الاجتماعية على مر العصور". إنهم يتخوفون من ذلک الکائن الذي کان على مر العصور مصدرا للحب و الحنان و الدعة و الطمأنينة. ولکن لابد من الاستدراک و الاقرار بأن المارد التکنلوجي وإن کان قد حقق مکسبا لايستهان به للمرأة في الغرب، لکنه مع ذلک جعل الانسان بحد ذاته في زاوية هي أضيق ماتکون عبر التأريخ. إنسان عصر الانترنيت و التکنلوجيا الرقمية محاصر بجدران وهمية من واقع أميبي الابعاد، يأن من ظلم و جبروت التکنلوجيا من دون أن يصدر صوتا، إنه عذاب و معاناة لم يألفها الانسان من قبل. وقد تکون فکرة فلم الخيال العلمي المعروض أخيرا (I Robot) تحمل أکثر من رسالة ذات مغزى للإنسان، ولاسيما حين يصور الفلم صراعا بين البشر و الروبوتات يحسم في النهاية لصالح الروبوت !