اضطهاد المرأة- المساءلة تمهيداً للثورة



مريم ياغي
2013 / 1 / 29

ان اضطهاد المرأة وتهميش دورها وتعنيفها هو من اهم القضايا الواجب النظر بها ومعالجتها من اجل الانطلاق نحو التطوّر والتقدّم في المجتمعات العربية، ومن دون ايلاء هذه القضية القدر اللازم من المتابعة فإن حلم الوصول إلى مجتمع مزدهر وقوي يقف على دعامتيه الرئيستين هما المرأة والرجل على حد سواء، لا يتعدى ان يكون اضغاث أحلام.
فطالما لم تأخذ المراة مكانتها الحقيقية وما لم تتوحّد الجهود بين الرجل والمرأة لبناء وتطوير المجتمع ، ابتداءً بالمؤسسة الصغيرة (العائلة) ووصولاً إلى مؤسسة المجتمع، فمن غير الممكن بل ومن المستحيل قيام مجتمع مدرك لحقوقه وواعٍ لالتزاماته وواجباته، بل ستبقى مجتمعاتنا الذكورية قائمة على أساس ما ترتضيه العشيرة لنفسها وما ترفضه ولا يستهويها، من دون اي وجود لقاعدة اساسية إلا قاعدة "الفوقية". ما تشكّل عنه اشكال عديدة من الجريمة عند العشائر بين بعضها البعض، وداخل العشيرة الواحدة، وصولاً إلى العائلة والأسرة الصغيرة.
فإن ارتكاب المجارز ضد النساء لأي سبب كان، ومن بينها ما يطلق عليه تسمية جريمة الشرف، فهي ممارسات مشينة ناتجة عن النظرة الدونية تجاه المرأة في المجتمعات العشائرية التي لا ترتكز على أساسات الحق والواجب ولا الحلال والحرام، بل ان ما يسيّرها هو مجموعة من الأعراف والتقاليد البائدة والمجحفة بحق المرأة، والتي تصبغ الرجال بطلاءٍ تسلطي عفن لا يراد به حماية المرأة بقدر ما يراد اثبات تفوّقه عليها، ضارباً بعرض الحائط حرمة ذلك في النصوص الدينية والأخلاقية والمواد القانونية جملةً وتفصيلاً.
ومن هنا، فإن حماية المرأة من الظلم والتعسف ومن عدوانية الرجل والسعي لتحصيل حقوقها واثبات مكانتها الاجتماعية الحقيقية، لن يتحقق بمبادرة فردية من الرجل الذي تأسس على أساس عنصري متين، لذا تطفو الى السطح صورة المبادرة الجماعية التي تتجسد في ضرورة بذل الغالي والنفيس من اجل دفع المرأة العربية الى ان تصرخ بأعلى صوتها مطالبةً بحقوقها ومستنكرة العنف ضدها. ففك العقدة التي شُدت بإحكام على مدى عصور دون إجهاد من الطرف الآخر لحلها، لا يتطلب مطالبةً وحسب، بل يحتاج إلى تكثيف الجهود ورص الصفوف الهادفة إلى تحريك المرأة على الأرض لتثور بنفسها على يتضطهدها ويظلمها.
وحينما نشير هنا الى اضطهاد المرأة، فالمقصود ليس الزوج فقط ،ولا حتى الاخ والأقرباء الذكور فحسب، بل نظرة المجتمع الذكوري بأسره إليها بأنها كائن ضعيف مسيّر وغير مستقل وغير قادر على اتخاذ القرارت بحرية، اضافة إلى الدولة التي لا تراقب ولا تحاسب من يضطهد المرأة وهي بذلك تكون شريكاً اساسياً في عملية اضطهادها.. اضافة الى اقصاء المرأة عن مراكز السلطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية إلى حد كبير ولكن بشكل متفاوت بين دولة عربية واخرى.
ومن هنا، يتوجب علينا ان نطالب الدولة والقضاء متابعة هذه قضية المرأة وحقوقها عن كثب وبشكل حقيقي وفعال، هادفةً إلى وضع حد حقيقي للعنف ضدها الذي يشكل تطاولاً حقيقياً على القوانين الدستورية والروابط الاخلاقية والديانات السماوية. ويكون ذلك بالمحاسبة وانزال العقوبات المستحقة بحق المرتكبين لشتى انواع العنف ضد المرأة مهما صغر بنظرهم هذا التعنيف، وعدم التعامل مع الأمر كما لو ان ما في الأسر والعشائر هو خارج نطاق الدولة. فالمرأة هي مواطن مثلها مثل الرجل وهما مع بعضهما البعض يشكلان المجتمع القائم والذي لا يقوم بغياب اي منهما، ما يتطلب وجوب عناية الدولة بقضايا المرأة لإنصافها وعدم تهميش دورها والوقوف عند مسألة العنف ضدها وقفة حقّ. ودون ذلك لن يكون الحل الا بثورة حقيقية لا يُستحب وقوعها لأننا نعلم جيداً تبعاتها في مجتمع عشائري متعصب ورجعي لا يريد لنسائه معرفة حقوقها او المطالبة بها.