العنف على أجساد متباينة



عائشة خليل
2013 / 2 / 10

شاهد الجميع بحزن وحسرة المشهد المؤلم الذي سجلته كاميرات التلفاز لسحل مواطن مصري متجرد من ملابسه. وقامت الدنيا ولم تقعد لهذا المشهد المؤلم، فلم تتناقله الوسائل الإعلامية المصرية والعالمية فقط وإنما تناولته أيضًا مؤسسات الدولة ورجالاتها، وأرباب القلم والسياسية من مختلف الاتجاهات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ؟ وما الفارق بين ما حدث معه وما حدث لست البنات (الفتاة التي سحلت وكُشفَ جسدها في أحداث مجلس الوزراء - ديسمبر ٢٠١١) العام الماضي؟ إنه نفس العنف، من نفس الدولة (وإن اختلفت القمم بها). بذات الطريقة (وإن اختلفت الأجهزة) لماذا ثار أهل المواطن وهددوه بالتبرؤ منه إن لم يثأر لحقه، ولم نعرف عن ست البنات شيئا؟ ولماذا كان إنكاره للعنف الذي شاهدناه على التلفاز مدعاة لثورة من أهله، بينما أشار سكوت ست البنات إلى ضغوط المجتمع الذكوري الذي يلصق العار بالضحية إن كانت أنثى (بينما ينتفض لكرامته إن كان رجلا)؟
ولما لم تكن تعرية ست البنات تعرية للدولة أو المجتمع؟ بينما كانت تعرية المواطن تعرية للدولة والمجتمع؟ ما الفرق إن لم يكن النوع الاجتماعي؟ لماذا لم يسأل أحد: ماذا أتى به إلى هناك؟ أو ما نوع أو لون ملابسه الداخلية؟ أو ألم يكن الجو باردًا ليرتدي هذا النوع من الملابس؟ أو ما كان نوع الأزرار بملابسه؟ أو هل كان يرتدي ملابس البحر أم ملابس داخلية؟ أو مغزى لون ملابسه الداخلية؟ أو الكثير والكثير من التفاصيل التي سمعنا بها عند حديث الإعلام عن ست البنات.
إنه المجتمع الذكوري الذي يشيئ المرأة ولا يعترف بها إنسانا كامل الأهلية. فلم يسأل المواطن لماذا كان هناك لأنه شخص كامل الأهلية من حقه أن يتواجد في أي مكان. ولم يتساءل أحد عن نوع ملابسه لأنه مكتمل الحرية - وليس مجرد آلة صماء تحرك بإرادة خارجية - فهو يفعل ما ينبغي له، ولا يُسأل عنه أحد. فلم يتساءل البعض مثلا أين أهله، مثلما حدث مع ست البنات فقيل : أين أبوها، أو زوجها أو أخوها. ولأن الدولة مسؤولة عن كرامة المواطن فليس من حقها أن تعامل بما يقلل منه كمواطن كامل الأهلية، فبالتالي ليس من حقها أن تفعل به ما تريد وتوقع عليه عنفا مفاجئا أو شديدًا أو تعامله على أنه قابل للاستبدال، ولذا فقد انتفضت أجهزة الدولة وأرباب القلم والسياسية للتعليق على العنف الموجه ضد المواطن، ولكن لأن ست البنات مجرد أنثى فلم يكن الانتفاض لها بذات المستوى. فهي في نهاية المطاف ليست كاملة المواطنة أو حتى الإنسانية.
لم أكتب الأسطر السابقة لأقلل أو أتسامح مع العنف الموجه من الدولة ومؤسساتها ضد أي مواطن أو مواطنة، وإنما كتبت لأتساءل عن ازدواجية المعايير في المجتمع البطريركي الذي نعيش فيه، وعن التشيؤ الذي يلصقه المجتمع الذكوري بالنساء فيصبحن على الهامش بعيدًا عن المركز المخصص للرجال فقط، وعن إمكانية بناء مجتمعات أفضل تتساوى فيها النساء مع الرجال لنتمكن من العيش معًا حياة كريمة لائقة. فما لم نبحث في العلل القائمة في بنية التفكير لدينا لن نستطيع أن نرتقي بأوطاننا إلى المستوى الذي نألو إليه. فالعلل ليست كامنة في ضعف الإمكانات المادية وإنما في بنى الفكر الذي درجنا عليه فصرنا لا نلتفت لمكامن العيب به.