امرأة -ناقصة- تؤم -كاملين-



فايز شاهين
2005 / 3 / 30

ما أن انتشرت أخبار الأستاذة أمينة ودود وإمامتها للمصلين رجالاً ونساءً في أمريكا، إلاّ وانبرى "حماة الدين على طريقة أهل السلف" يشتمون ويهددون بقتل الأستاذة أو "الإمامة" لتطاولها على الدين، أو تفجير أي مسجد يستقبلها للصلاة فيه. هذا في أمريكا، أمّا في بلاد "النقاء"، في بلاد "السلف الصالح"، فالأمر إلى المدارس، فمعلمة الدين، بدل أن تشرح المنهج، قامت تُلهِب الطالبات بالحديث الصباحي عن هذه "الساقطة".
قالوا قديماً بما معناه، المرأة ألد أعداء المرأة، وهذا يحمل الكثير من الصواب، ولا أعمم هنا. هذه المعلمة قامت تشتم الأستاذة أمينة ودود لأنها تطاولت على الدين، وألّفت "قرآنا" آخر غير الذي نؤمن به، وهو خليط من الإنجيل والتوراة. بل أن المعلمة أوفت بوعدها، وأحضرت شريط فيديو تم تسجيله من قناة الجزيرة لعرضه على الطالبات ليروا "الكفر البواح" خاصةً وأن الصلاة تمت في كنيسة وليس مسجداً، لرفض المساجد إقامة الصلاة "الناقصة" فيها.
لطالما سمعنا الحديث عن أن الإسلام كرّم المرأة، وهذا لا غُبار عليه، لكن الإشكال هو ما يحدث بين التنظير والواقع. وبدلاً من رفض الأحاديث التي تطعن في المرأة وأن هذه الأحاديث مُختَلَقَة، ترى التبريرات لها، وبدلاً من الدفاع عن خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أن هذه الأحاديث ملفقة، ترى الدفاع أقوى وأشد عن البخاري ومسلم.
أحاديث لا يقبلها العقل، مثل أن المرأة مصنوع من ضلع أعوج، إن حاولت إصلاحه كسرته، وحديث آخر إن المرأة ناقصة عقل ودين، وحديث ثالث من أن مرور الكلب والمرأة أمام المصلي يُبطل الصلاة، وهي مساواة بين الكلب والمرأة "التي كرّمها الإسلام".
تحدّث أحد المشايخ مع قناة الإذاعة الحكومية الأمريكية عن موضوع الإمامة للمرأة وقال بما معناه، بأن تكريم المرأة يبعد عنها النظرات "الشاذة" خاصةً إذا كانت في الأمام تؤم المصلين، وهم خلفها من الرجال والنساء، فلربما ينظروا إليها وهي تركع أو تسجد "باب سد الذرائع". نسوا أو تناسوا بأن المرأة تصلي في الحرم المكي كل يوم أمام الجميع ولم يعترض أحد على ذلك، بل كان في عصر الإسلام ما هو أكثر من ذلك بكثير، حيث لم تكن هناك فواصل في المساجد كما هي الآن.
باب سد الذرائع العجيب هو الذي أوصلنا إلى "الممنوعات" التي لم ولن تنتهي، فلربما يصل اليوم إلى أن يتم تحريم العنب، لأن البعض يصنع منه خمراً. ولهذا حاولوا بأشكال عدة تغيير الدين ليتناسب مع أفكارهم المريضة، فالله أمر بكشف وجه المرأة في الحج، وهم يحاولوا تغيير ذلك عن طريق إضافات على الرأس، وكأنهم أعلم من الله وأكثر منه حِرصاً على المرأة. أراد الله أن يجعل وجه المرأة مكشوفاً أمام كل البشر في الحج، لكن ذلك لم يُعجِب هؤلاء "المرتزقة" على الدين، فوضعوا مِظلّة على الرأس لتغطية الوجه دون ملامسته "حِيلة شرعية".
الأعجب من موضوع "الثورة" على أمينة ودود هو النفاق الملازم لهؤلاء، فتراهم ينبرون "دفاعاً" عن وضع يختلف عنهم، وعن مكان ليس مكانهم، وعن بيئة أقل ما يُقال عنها لها ظروفها الخاصة، لكنهم لا يتحدّثوا عن وضع المرأة في بلادهم، ولا عن الإسلام المفترى عليه هنا، فحمّلوا المرأة كل تنغيص وخطيئة وأزمة، فهي كل الشرور مجتمعة.
تزامن قبل أيام يوم الدرن العالمي "السُل"، فأرادت إحدى العيادات الصحية تنظيم محاضرة عن الموضوع، وأتوا بداعية "سلفية"، لتتحدث لهم قبل الحديث الرئيسي عن الدرن. اعتقدن المراجعات بأن المحاضرة ستكون عن بعض الجوانب الدينية التي لها علاقة بالمرض والسيطرة عليه، مثل النظافة من الإيمان، وخلافه. للأسف، كانت المحاضرة عن زيارة المرأة للأسواق وخروجها "متبرجة" ولبسها العباءة "الكتّافي" والنقاب، واستمرت المحاضرة أكثر من ساعة تنكيلاً في المرأة وفي تصرفاتها. هذه المرأة "الداعية" بهذا الفكر هي أبعد ما تكون في الدفاع عن الحقوق المسلوبة لبنات جنسها، وهي بدون شك مصابة بمرض "الدرن السلفي".
يبدو أن الدرن الذي نخشاه ليس مرضاً بكتيرياً، بل "سلفياً" ينتقل من الشخص "المريض" إلى الصحيح عن طريق هذه المحاضرات، وإذا ما أردنا القضاء على هذا المرض، يجب أن نتبع الطريقة العلمية للقضاء عليه، وهو التحصين ضدّه منذ الولادة. أعتقد أن هذا الجيل رِجالاً ونساءً قد أصابته العدوى، فلا أمل في شفاءه، اللهم حوالينا ولا علينا.