عزيزتى العزيزة



فاتن واصل
2013 / 2 / 28

أبعث إليك برسالة واتمنى ان تقرأيها جيدا وتخيلى أنها حديث ودي بين صديقتين واعتبريها همسة فى أذنيك ولا تدعى الرجال يسمعون، حتى لا يشمتون لأنى بصراحة وفى كلمتى لك سوف أنصفهم وأمحو الاتهام الذى طالما إتهمناهم به وهو أنهم يقهرونا ويحرمونا حريتنا ويستأثرون بكل الحقوق ويعيقون مطالبتنا بالمساواة، ويظلموننا ويقفون فى طريقنا، إلى آخره من إتهامات.
الرجل ليس برئ تماما من هذه الاتهامات ولكن أيضا ليس المتهم الأوحد فى الجرم وفى الحقيقة المرأة كانت هى المحرض الغير مباشر للرجل لكى يفعل ما يفعل اليوم من مظاهر التسلط والتجبر والاستئثار بكل شئ.
عزيزتى العزيزة .. إن ما يحدث للنساء مؤخرا من إهانة وتحرش وأحيانا تصل لهتك العرض والاغتصاب بالاضافة لهجوم رجال الدين وتحريضهم للمجتمع ونعتهم للمرأة بأنها بمظهرها وسلوكها وحتى خروجها للتظاهر إنما هو تشجيع ودعوة للرجال لإنتهاكها وإغتصابها، ربما يقع على كاهلك العبء الأكبر من أسباب حدوثه، طبعا أنا لا أنفى أن هناك أسباب تقع على عاتق المجتمع والحكومة والحاكم والدين ورجال الدين وأساليب التعليم وأجهزة الاعلام والثقافة والسينما والفقر، لكن أعود واقول لك أنت لم تقاومى القهر الذى وقع عليك ولم تحركى ساكن.
عزيزتى العزيزة، لقد تم ختانك حين كنت صغيرة وعانيت ما عانيته من مشاكل مع زوجك من برود جنسى وفقدان للاحساس ومالا نهاية له من مشاكل ترتبت على فتور علاقتك الجنسية به، ومع ذلك لم تتعظى ووقفت ضد إبنتك مع المجتمع الظالم وأصريتى على إلحاق نفس الضرر والأذى بها، ولم تفكرى ولو للحظة لماذا حدث لك هذا ولماذا تكرريه مع إبنتك، وكرس لهذه الأفكار العقيمة مجتمع جاهل مستسلم لثلة ضالة من تجار الدين، يتلاعبون بالمرأة ويرون ان تحطيمها هو وسيلتهم للسيطرة على المجتمع ككل.
عانيتى عزيزتى العزيزة من الحرمان من التعليم فى الصغر وفضل أهلك تعليم أخوتك الذكور دونك وقالوا ان البنت مسيرها للزواج، ولم تقاومى واستسلمت، واليوم تعدين إبنتك الجامعية المفتوح أمامها كل آفاق المستقبل، تعدِّيها للزواج كما لو كان هو أسمى الأهداف ونهاية العالم، وتؤهليها منذ الصغر بكلامك عن الزواج وإلحاحك على هذه الفكرة وتخويفها من التأخر فى سن الزواج ومن عار العنوسة تلك الكلمة السخيفة التى طالما تداولتها الأمهات على من تأخر بهن العمر إنتظارا لمجئ رجل ليطلبهن.
وحولتِ عزيزتى العزيزة إبنتك إلى بضاعة توصين بها صديقاتك ومعارفك لكى يأتوا لها بفرصة من هنا او هناك وتغضين الطرف عن كونها ذات عقل يجب أن يختار وقلب يجب أن يقع فى الحب، وتقررين أنت أنه حان الوقت وآن الأوان، ولا مانع من أن تقنعيها بأن ترتدى الحجاب حتى تكون أكثر جذبا للشباب الذى لا يرى فى المرأة سوى أنها مجرد قطعة حلوى مكشوفة فيقف عليها الذباب أو مغلفة فتبقى محفوظة من التلوث.
وتتحول المسكينة تدريجيا الى شئ، الى بضاعة رائجة أو راكدة حسب العرض والطلب، فتحتقر نفسها وتدريجيا يغمرها الاحساس بالدونية وبأنه يجب عليها إضافة مزيد من الجذب، وطبعا ليس بتنمية عقلها وتطوير نفسها، بل بالتركيز على كل ما هو تافه وسطحى، فتبالغ فى المظهر المتدين، وحين لا تجد فائدة تنطوى على نفسها وتكتئب.
أو تركتِ عزيزتى العزيزة الأب يزوجها وهى بعد صغيرة فى سن المراهقة لأول ثرى عربى متزوج من ثلاث غيرها فيعاملونها كخادمة، لكى تتخلصون من نفقاتها حتى ولو كان الثمن عودتها بأطفال مطرودة وذليلة.
طالبتيها عزيزتى العزيزة بمعاونتك فى أعباء المنزل منذ الصغر ولم تمنحيها الفرص لإظهار مهاراتها وإمكانياتها وإبداعاتها والايمان بانها إنسان له دور فى الحياة، فقمت باستغلال وقتها لصالح راحتك واستهلكت طاقتها فى شئون عطلت كفاءتها وطاقتها وموهبتها، أجبرتيها على مساعدتك فى رعاية أخيها الأصغر وتلبية رغبات الأكبر وكنت تضعيهما فى مكانة أعلى تصل فى بعض الأحيان لمكانة الأب، بل ومنحتيهما الكثير من سلطاته، وكان تدليلك لأخوتها الذكور على حسابها، كما تلقين عليها اللوم لو طالبت بالمساواة معهما فى اللعب وحرية الحركة والسفر واختيار الأصدقاء والسهر والرحلات.
بدلا من أن تفرحين عزيزتى العزيزة ببلوغها تتصرفين كالذين يستعدون للحرب تحذيرات ، توبيخات ، تعليمات ، تخويفات ثم مراقبة التنفيذ بكل دقة ، تحاسبينها على كل حركة ولفتة، تقمعى حريتها بكل الطرق وتتدخلين فى كل ما تفعله ولا تدربيها على الاستقلال عنك أو تعطيها حرية إختيار مظهرها أو أسلوب تفكيرها أو جموح خيالها، ورغم أنك مربيتها ولكنك رغم ذلك لا تثقين فى الكائن الذى قمتِ بنفسك بتربيته، فنشأت على الخوف من جسدها والشعور بأنه عبء ومسئولية وعهدة يملكها الأب والأخ فيجب الحفاظ عليه وتعطيله وتغطيته لصالح أصحابه لحين تسليمه لمالك آخر فى المستقبل.
تقيمين الدنيا ولا تقعديها حين تعلمين أن إبنتك تحدثت الى زميلها هاتفيا، أو دعته لمشاركتها فى حضور حفل أو ندوة أو التسوق واعتبرتيها عيبا وعارا.
على الجانب الآخر عزيزتى العزيزة تفخرين بالولد وبفحولته حين تعلمين انه على علاقة ببنت من بنات الحى او الجامعة، تعطيه الحق فى تأديب أخته أو محاسبتها، وتكرسين داخله فكرة أنها تمثل شرف العائلة وانه مسئول عن هذا الشرف.
عزيزتى العزيزة، انت ساهمت بكل ما اوتيت من إحباط ويأس وقهر ومعاناة فى تكريس مشاعر الدونية وإحتقار الذات لدى ابنتك، وتكريس كل مشاعر العنجهية والتسلط والانانية لدى إبنك، وبدلا من ان تقفى بكل شراسة ضد مجتمع قاسي يفتك بك وبها وتواجهين مشكلاتك ومشكلاتها بالتعليم وتنمية عقلك والقراءة والتثقف والفهم، سايرتى المجتمع الجاهل وقمعتى ابنتك وانبطحت الى أدنى مستوى من الاستسلام وحرمتى نفسك من حق السؤال، او رفاهية الرفض حتى لو كان الثمن هو التضحية بنفسك فى سبيل تجنيب إبنتك ما عانيتيه.
عزيزتى العزيزة، لقد جمَّلوا فى عينيك عبوديتك، فظننت أن بخضوعك وضعفك وكسلك وانهزاميتك وأيضا انتهازيتك أنك ستدخلين الجنة، اى جنة ؟ وعدوك بأوهام فصدقتيها، ولم تقفى لحظة لتفكرى لماذا أفعل كذا أو لا افعل كذا.
يا عزيزتى العزيزة، عليك اليوم إعادة بناء أبناءك وإعادة تربية الرجل بالذات، لا تعلـِّمي ابنتك أن تطالب بالمساواة لكن ساوى أنت بين أبنك وابنتك فى الحقوق والواجبات، لا تعلميها أن تخفى جسدها وتعامله على انه قطعة حلوى يجب حمايتها من الذباب بل علميها ان الحشمة فى الاساس هى حشمة العقل وستؤدى بالضرورة لحشمة الجسد، وعلمي إبنك ان يحترم نفسه ويحترم حرية الغير سواء فى مظهرهم أو سلوكهم طالما لا يتسببون له فى الضرر.
علميه ان الشرف ليس فى جسد أخته أو أمه أو زوجته أو إبنته ، وإنما الشرف فى صدق كلمته وجديته واحترامه لنفسه ولغيره وحفاظه على حقوق الناس وأمانته.

ويا عزيزتى العزيزة أنت لست مجرد نصف المجتمع انت كل المجتمع لأنك صاحبة الفضل فى وجود النصف الآخر، فبثى فيه قيم الحق والخير والجمال.. وأعلمي أن هذا النصف هو من عمل يديك، فلو جاء نقيا نظيفا منتجا مفيدا لنفسه ولمجتمعه فقد نجحتِ، أما لو جاء خائفا عبدا فاعلمى عزيزتى العزيزة أنك وبكل المقاييس قد فشلتِ.
ولذا عزيزتى العزيزة انا لا اتهم الرجل بما وصل اليه حال المراة من دونية وضآلة وإنما أتهمك انتِ، لأن هذا هو صنع يديك.. فرجاءً أعيدى النظر.
وختاما لك منى أرق التحايا .