المرأة السورية في يوم المرأة العالمي



بدر الدين شنن
2013 / 3 / 6

لاتشكل المرأة السورية ، بصورة عامة ، حالة استثنائية في عالم المرأة ، فهي جزء من هذا العالم الجميل ، الذي يحمل مشاعر وقيم إنسانية ، لم يبلغ الرجل مستوياتها كاملة ، ربما لأسباب بيولوجية ، عبر تاريخ وتطور العالم الإنساني بمجمله . إن أنبل وأروع تلك المشاعر ، هي الأمومة .. بمتعتها .. وسموها .. ومصاعبها .. وآلامها . وهي الحنو اللامحدود ، الذي يتجاوز كل معاني التضحية طهارة وعطاء ، من أجل حفظ الحياة .. وتوفير مقومات الحياة .. للجنين .. وللطفولة .. وللأجيال المتوالية . وهي الأحاسيس المرهفة المتجاوبة بسخاء مع الحب ، التي تتكامل مع أحاسيس الرجل التواقة إلى الإلفة .. والشراكة .. في بناء الحياة الاجتماعية .. والعمل معاً ، لتكريس الحياة والبقاء .. وارتقاء العقل والجهد لاكتساب شروط معيشية سعيدة أفضل .

وقد أعطت المرأة السورية الكثير في تاريخها الإنساني والحضاري والاجتماعي ، وحققت بنضالاتها مستويات من النجاح لابأس بها . فهي منذ عقود تعمل في مختاف المجالات ، الزراعية ، والصناعية ، والإدارية ، والتعليمية ، والصحية ، والقضائية والسياسية . وبلغت مستويات الأستاذة والمديرة والوزيرة . لكنها مازال أمامها الكثير من السقوف الاجتماعية والأيديولوجية المتخلفة ، تتطلب منها اختراقها ، لتحقيق تحررها الكامل من قيود التقاليد الرجعية الموروثة ، والمساهمة الفعالة في بناء مجتمع ديمقراطي علماني في البلاد ، الذي هو وحده يوفر لها الحقوق الإنسانية الكاملة .

بيد أن يوم المرأة السورية العالمي هذا العام ، له خصوصية تتميز بعناوين مغايرة لعناوين أعوام سابقة . تتميز بعناوين تعبر عن الواقع المأساوي المرير ، الذي تعيشه مع أطفالها وأسرتها وشعبها .. بحزن .. وشجاعة .. ورجاء . عناوين تتمثل : بالرقم ( 720 ) هومجموع الأيام ، التي مرت على اندلاع النزاع الدامي ، العبثي ، بين الأشقاء ، في طول البلاد وعرضها ، المستغل بوقاحة من قبل أسوأ دول الأرض ، وتحول خلال فترة وجيزة إلى حرب مدمرة . وتتمثل : بالرقم ( 70 ألف ) قتيل ، الموزعين ، بين بريء ، ومغامر ، وشهيد .. ذبحتهم سكاكين هذه الحرب . بعضهم ذبح ( باسم الله ) لشرعنة ذبحهم .. وبعضهم الآخر ذبح برسم القضاء على المؤامرة الكونية الإرهابية .. وآخرون ذبحوا ، لأنهم آثروا البقاء في بيوتهم حاضنين أسرهم .. لاعلاقة لهم بناقة الحكام ولابجمل خصومهم المتمردين . وتتمثل : بالرقم ( مليون ) مهاجر ومهجر .. من حي إلى حي .. ومن قلب المدينة إلى الريف .. ومن مدينة إلى أخرى في الوطن .. لعلهم يجون فيها الأمان .. لكن ما وجدوه هو أقل من سراب .. أو إلى بلد من البلدان المجاورة ، التي تسهم في صنع كل هذا الخراب ووظفت مأساة لجوئهم إليها ، لتعمد هذا الخراب بدموعهم وأناتهم واستلاب كراماتهم . وتتمثل : بالتحرش الجنسي .. والاغتصاب .. في البيوت التي وضعتها الحرب برسم الاستباحة .. وفي مخيمات اللجوء التي تستثمر بلؤم وحقارة حاجة المرأة وأطفالها ، للأمان واللقمة والغطاء من قسوة الحرب والطبيعة . وهذا التحرش والاغتصاب هو أسوأ أشكال التحرش الجنسي المتعارف عليه ، وهوتحرش سياسي منحط كجزء من عملية التدمير الوجودي التي تستهدف الأرض السورية والإنسان السوري .

ورغم ذلك .. من حق المرأة السورية البطلة ، أن تتمسك بيومها . ليس احتفالاً طقسياً وروتينياً كما كل عام ، وإنما بموقف حازم يعبر عن رفضها ، أن تتحمل العذابات ، والحرمانات ، التي لاتحصى .. التي تجلبها الرشاشات ، والعبوات الناسفة ، وقذائف المدافع ، ويعبر عن تحديها الرعب ، والسلب ، والحرب ، ودفع الموت ، والإحباط ، والانهيار عن بلدها .

و المرأة السورية ، تحتفل وفق مقضيات ظروفها ، في غمرة الحريق ، بيومها العالمي .. كأم وزوجة .. وشقيقة .. وحبيبة .. إذ تمنح كل أبنائها وأهلها الأمل ، وتجدد الرجاء بانبلاج فجر عهد جديد .. يجدد الحياة .. والحرية .. والعدالة .. والتآخي ، ولتعيد إلى القلوب التي جففها الحقد ، وحب الثأر ، والجري وراء ما لا يستحق كل هذا الثمن المدفوع .. دماً ودماراً ووجوداً .. وإذ تعيد إليها مشاعر .. حب الوطن .. والمودة .. والأخوة .. وحب الجار والصديق ، ليعيشوا معاً ، يتقاسمون الحرية والرغيف والمصير ، وإذ توحي بوصفها أم الحياة .. أجنة .. وطفولة .. وأسر متآلفة ، توحي لأولئك الذين يأتمرون ، ويتآمرون ، ويتقاتلون ، من أجل السلطة " الداعرة " من أجل السيطرة على الناس .. والإثراء على حساب الناس ، أن حق الحياة لكل من يولد فوق أرض ، هو أكبر من كل الحقوق .. من حق الوصول إلى السلطة .. وتداول السلطة .. وهو أكبر بكثير من حق الحاكم والحالمين بالوصول إلى الحكم .. وهو أكبر وأكبر من حق من يقتلون عباد الله باسم " الله أكبر " .

وإذا كان يوم المرأة بانسبة للمرأة السورية ، يمر هذا العام ، بلا احتفالات تكريم ، وبلا زهور وأغان تشيد بعطائها التاريخي المعهود ، فإنها في الظروف السورية الكارثية ، هي التي تقدم الزهور ، وتردد الأناشيد ، بتقديمها المزيد من الحنو والرحمة للطفولة السورية ، التي تكابد من مظالم وكوارث الحرب ، وتتلقى بصدورها الغضة ورؤوسها الصغيرة ، كما الكبار ، الرصاص وقذائف المدافع وسكاكين الهيستيريا " الجهادية " وتقدم لهم البسمة لتمحو السواد البشع المتأتي عن الحرب وويلاتها .

وفي يومكن العزيز على قلوبنا .. ياأمهاتنا .. وزوجاتنا .. وحبيباتنا .. وشقيقاتنا .. يا كل امرأة في بلادنا .. العاملة .. والفلاحة .. والموظفة .. وربة المنزل .. يانبع الحب ، والحنو ، والرحمة ، من حقكم علينا ، أن نذهب إليكن ، في ريف درعار، وريف دمشق ، وريف ادلب ، ورريف حلب ، وفي مراكز كل المحافظات ، وفي المخيمات اللعينة ، لنقول لك .. ولها .. وأنت .. وأنت .. كل عام وأنت تصنعين الخير .. وستظلين تصنعين الخير .. ولنقبل الجباه والأيادي .. ولنقول لكن ، أن أنفاسكن التي تصدر عن صدوركن العظيمة وسط الدمار وبرك الدم .. ولمسات أياديكن ، لجراح الصغير والكبير والمصاب ، تحت ركام البيوت والشوارع المنسوفة .. هي التي تلهمنا أن نسمو فوق الجراح ، وأن نكبر على الخلاف والجشع ، وأن نبحث عن خريطة طريق ، لوقف نزيف الدم .. واستباحة قيمنا وأرضنا .. ولنجدد بناء البيوت والعقول ، التي دمرتها حرب الربيع الكاذب في مدننا وقرانا .. التي غمرتموها أنتن على الدوام .. حناناً .. وعطاء .. وأزهارا.