المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!



جواد البشيتي
2013 / 3 / 7

في اليوم العالمي للمرأة
المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!

ذات مرَّة، وفي عهد مبارك، أفتى مفتي مصر علي جمعة في مسألة "تولِّي المرأة رئاسة الدولة"، فأكَّد في فتواه، التي وُصِفَت بأنَّها "فتوى رسمية"، أنَّ هذا الأمر غير جائز شرعا؛ "لأنَّ من سلطات رئيس الدولة إمامة المسلمين في الصلاة شرعا، وهي (أي تلك الإمامة) لا تكون إلا للرجال".
المفتي، حتى يُسْمَع، أبدى شيئا من "المرونة الحضارية"، فقال في فتواه "الرسمية": "إذا كانت الحقوق السياسية، بمفهومها الشائع، تشمل حق الانتخاب والترشيح وتولِّي الوظائف العامة، فإنَّ مبادئ الشريعة لا تمانع في أن تتمتع المرأة بحق الانتخاب والترشيح، وفي أن تتولَّى الوظائف العامة ما عدا وظيفة رئيس الدولة".
وعليه أجاز المفتي، إذ أجازت له مبادئ الشريعة، التي لا مصلحة له في تأويلها (حتى الآن) إلا كما أوَّلها في فتواه، للمرأة أن تصبح قاضية.
ولمَّا كان "الرجال" في مجلسي "البرلمان"، أي مجلس الشورى ومجلس الشعب، في عهد مبارك، لا يملكون من سلطة القرار (السياسي) إلا ما يقل عمَّا تملكه المرأة من "سلطة" في "بيت زوجها"، أو في "بيت أبيها"، أجاز المفتي للمرأة الترشيح في الانتخابات لعضوية هذا المجلس أو ذاك، "على أن" تُوَفِّق بين عملها العام هذا وبين حق زوجها وأولادها.. عليها؛ وعلى أن تبتعد عن السفور، والتبرُّج، و"الخلوة غير الشرعية (مع الرجال)".
إنَّها لحظة عربية تاريخية استثنائية، احتدم فيها الصراع بين "القديم" و"الجديد"، بين "الماضي" و"المستقبل"، بين "ما مات (وشَبِع موتاً)" و"ما يُوْلَد"، بين إبيمثيوس العربي وشقيقه بروميثيوس، بين سلوى المطيري ونوَّارة نجم.
وفي هذه اللحظة، تُرينا الأمَّة أجمل وأنبل وأفضل ما فيها، من خلال الثورة الشبابية الشعبية الديمقراطية السلمية؛ كما تُرينا، من خلال سلوك ومواقف وآراء أعداء "الربيع العربي"، أبشع وأحطَّ وأسوأ ما في أُمَّة العرب.
صحيفة "السياسة" الكويتية أجرت مقابلة مع "ناشِطة" كويتية، و"مرشَّحة سابقة" لمجلس الأُمَّة الكويتي، تُدْعى سلوى المطيري؛ فدَعَت هذه "المُصْلِحَة الاجتماعية"، التي تَسْتَلْهِم "فكرها الإصلاحي" من الدِّين، والتراث الإسلامي، إلى الاستعجال في سَنِّ قانون (عصري) للجواري، حمايةً للرجال من الفساد، وللأبناء من شَرِّ الزنا، وللمجتمع من الأمراض والمعاصي.
إنَّها دعوة صريحة إلى العودة إلى "عصر الجواري (والإماء)" في القرن الحادي والعشرين، وفي "الربيع العربي"، وإنْ خصَّت الكويت بهذه "النعمة الإصلاحية (الأخلاقية والاجتماعية)"؛ فإنَّ المشكلة التي أرادت هذه "المُصْلِحَة" حلَّها هي أنَّ الرِّجال الكويتيين يُكْثِرون من "مصاحبة النساء"، ويتَّخِذون البنات خليلات لهم من دون زواج، فيضيعون دينهم، ويأتون بالمعاصي، ويُنْجِبون "أطفال الزنا"، ويتسبَّبون بنقل الأمراض.
"المُصْلِحة" إنَّما تريد حلاًّ "لا يُخالِف الدين"، ويُحقِّق، في الوقت نفسه، للرِّجال رغباتهم.
وبعد إعمالها التفكير، قالت وكأنَّها قائل "وجدتها"، إنَّ الحل يكمن في "إحياء نظام الجواري"، مع وضع "ضوابط قانونية له".
لكن من أين تأتي بـ "الجواري" اللاتي، على ما أوضحت، وُجِدْن لمتعة الرجل الجنسية، واللاتي حلَّل الدين (الإسلامي) امتلاكهن "شرط أنْ يَكُنَّ سبايا غزو المسلمين لبلاد غير إسلامية"؟
في الإجابة، اقترحت "المُصْلِحة الاجتماعية" استقدام الجواري من روسيا (ومن دول أخرى غير إسلامية) داعيةً إلى جَعْل "سبايا الروس" لدى "الشيشان" جواري لدى الرَّجال الكويتيين، على أنْ يَدْفَع الرَّجل الكويتي الراغب في امتلاك جارية (روسية مثلاً) 2500 دينار كويتي ثمناً لها؛ ثمَّ احتجت بـ "شرع الله"، فأكَّدت أنَّ للرجل الكويتي الحق في امتلاك ما يشاء من الجواري؛ ثمَّ جاءت بـ "المثل الأعلى" ألا وهو الخليفة هارون الرشيد الذي كان متزوجاً من امرأة واحدة؛ لكنه كان يملك 200 جارية.
وقبل دعوتها، تحدَّث الشيخ المصري أبو إسحق الحويني عن "ضرورة العودة إلى نظام الرِّق والاستعباد، وسَبْي النساء الكافرات، واتِّخاذهن جواري (للرجال المسلمين الأثرياء)"، معتبراً أنَّ في هذه "العودة" خير حلٍّ لـ "المشاكل الاقتصادية، ودواء للفقر"!
وتوصُّلاً إلى "إحياء عصر الجواري (عملاً بتلك "الضرورة")"، دعا الشيخ (الجليل) إلى "إحياء واجب الجهاد (في سبيل إشباع الرغبات الجنسية للأثرياء من الرجال المسلمين)"، فمن غير طريق الجهاد لا يمكن الحصول على "المغانم" و"السبايا"، على ما أوضح واكتشف الشيخ؛ ولا يمكن، من ثمَّ، التوصُّل إلى حلول للمشكلات التي تواجه الأمَّة.
وهذا الشيخ العلاَّمة (الذي يحيط عِلْماً بكل شيء) اكتشف أنَّ "الغزو" و"الغنائم المالية والبشرية" أفضل من التجارة والصناعة، معتبراً أنَّ كل من يقف ضدَّ هذا الرأي يستحق أنْ يلقى ما يلقاه الكافر من مصير على أيدي المجاهدين المسلمين.
الصحيفة نفسها استطلعت "الموقف الديني (القويم)" من هذه الدعوات، فأخبرها الداعية الإسلامي صالح الغانم أنَّ امتلاك الجواري بالحرب هو أمر جائز "إذا ما خيضت الحرب تحت راية ولي الأمر" الذي "يحقُّ له وحده التصرُّف بالسبايا كيفما يشاء؛ فله أنْ يقتلهن أو يوزِّعن على الرجال المسلمين".
أمَّا "وكيل المراجع الشيعية" السيد محمد المهري فراعى "ضرورة الخلاف والاختلاف مع شيوخ السنة"، قائلاً: "لا يجوز في هذا العصر نهائياً اقتناء الجواري حتى في الحرب؛ لأنَّها (أي الحرب) ليست تحت إذْن ابن الإمام المعصوم".. ورقَّصْني يا جدع!
وقبل كل هؤلاء سَمِعْنا الجارية الأَمَة "الكاتب" فؤاد الهاشم وقد قاء ما قاء من أقوال، فحقَّ لنا أنْ نتساءل في دهشةً واستغرابٍ عن ظرفي "المكان" و"الزمان" اللذين يُنْتِجان هذه "الكوكبة" من "المفكِّرين"!
الدعوة (أو الدعوات) إلى إحياء وبعث عصر الجواري، وعلى النحو الذي ذكروه، ليست هي الأمر الذي أدهشني وحيَّرني؛ فما أدهشني وحيَّرني حقَّاً هو "المفارقة" التي أراها في الدَّاعين أنفسهم، وفي مَنْ يؤيِّدهم، ويؤيِّد فكرهم وتفكيرهم؛ أليست مفارقة عجيبة أنْ ترى العبيد (والجواري والإماء) هم الذين يريدون اقتناء وامتلاك العبيد (والجواري والإماء)؟!
في الثورات الشبابية الشعبية الديمقراطية العربية (وفي تونس ومصر واليمن وسورية وليبيا..) رأيْنا أنفسنا "أُمَّة"، أُمَّة تنتصر لحقوقها الديمقراطية، ولقضاياها القومية، وتنال من إعجاب شعوب العالم ما لم تنله من قبل؛ أمَّا هنا فيريدون لنا أنْ نعود "أَمَةً"؛ فكيف للإنسان أنْ يظلَّ (أو يكون) حُرَّاً إذا ما استعبد غيره؟!
إنَّهم يعيبون على الغرب "فسقه" و"فجوره" و"انحلاله الأخلاقي"، و"مادية حضارته"، وانتشار "البغاء" و"الدعارة" فيه، وسماحه بوجود أماكن تبيع فيها بعض النساء أجسادهن؛ ثمَّ يحاربون ويكافحون هذه "الرَّذيلة الغربية" بـ "فضيلة"، يسمُّونها "العودة إلى عصر الجواري والإماء"؛ وإنِّي لأُفضِّل (إذا ما اضطَّررتُ إلى المفاضلة بين السيئ والأسوأ) بائعة جسدها على هؤلاء الذين بدعوتهم إلى "إحياء عصر الجواري"، مع مستلزماته جميعاً، يبيعون البقية الباقية من "الإنسان" و"الإنسانية" و"القيم الأخلاقية والإنسانية والحضارية" في نفوسهم، مُرْتضين لأنفسهم أنْ يصبحوا، في "الربيع العربي"، النفايات لهذه الأُمَّة.
ولقد هالني ما سمعت، ذات مرَّة؛ فمصادفةً ليس إلاَّ شاهدت إحدى محطاتنا الفضائية، فإذا برجل صغير السن، لا شارب له ولا لحية، يلبس بدلة، أي زيَّاً "غير "إسلامي"، يقف مُفْتياً في أمور ديننا ودنيانا أمام جمع صغير من الجنسين، وأمام جمع أكبر من المشاهدين، فيقول في فتواه، وكأنه سادن الحقيقة المطلقة، ويملك أفقاً يتسع لكل شيء ولا يسعه شيء، إنَّ المرأة التي تخرج من منزلها متعطِّرة هي "زانية"!
لا ألومه هو، ولا تلك المحطة الفضائية، بل ألوم الحكومة التي على ميلها المتزايد إلى التضييق على المجتمع عيشه الديمقراطي والاقتصادي تُوْسِع حرية الإفتاء على أناسٍ ينبغي لهم أن يفكِّروا ملياً قبل أن يجيبوا عن سؤال من قبيل "هل الساعة الآن العاشرة صباحاً أم العاشرة مساءً؟".
وددت لو كنت أملك إحصاءً عن عدد النساء في مجتمعنا اللواتي يخرجن من منازلهن متعطرات حتى أعرف عدد اللواتي اتهمهن بـ "الزنا"؛ وهي تهمة يجب أن يعاقَب عليها ليس "المتَّهَم"، وإنما "المتَّهِم"، لو كان لدينا أقل حرص على حقوق النساء في مجتمعنا.
إنَّ كثيراً ممن يمنحون أنفسهم حق الإفتاء في أمور تبدو صغيرة؛ لكنها كبيرة في معانيها، لا يملكون شيئاً من سلطان المعرفة بوجهيها الديني والدنيوي، فهم متخلِّفون قراءةً، ومتخلِّفون في فهم ما يقرأون، تَعْظُم في عيونهم وعقولهم الصغائر من أمورنا، وتَصْغُر فيها العظائم منها.
من استمع إليه يظن أن لا عدو لنا إلاَّ المرأة بحقوقها التي ما زالت حرفا ميتا، ولا قضية تتحدَّانا أن نواجهها، وأن نستنفد جهدنا ووقتنا في مواجهتها، سوى قضية "ترويض"، والإمعان في "ترويض"، المرأة، وكأنَّها تملك من أسباب القوة الاجتماعية ما يتهدَّد مملكة الرجال!
ويكفي أن نعرف السبب حتى يبطل العجب، فهذا المسخ الذكوري للمرأة وحقوقها ومكانتها وللإنسان فيها إنَّما هو، في بعض من معناه وحقيقته، العاقبة الحتمية لكل مجتمع يفوق فيه عدد الذكور عدد الرجال، إذا ما فهمنا الرجولة حق الفهم.
والمأساة إنما هي في المقام مأساة الرجال أنفسهم، فهم مسخوا معنى الرجولة قبل أن يشرعوا يمسخوا "نصفهم الآخر الأقل أهمية"، فالرجولة التي يمارسون إنما هي الرجولة التي يكفي أن يمارسها الرجل حيث يمارسها الآن حتى يُمْسَخ معناه مسخا تَعْجَز حتى ساحرات الإغريق عن الإتيان بمثله. واحسب أنَّ أهم شيء يمكننا وينبغي لنا تذكير معشر الرجال به وهم يمضون قُدُما في حربهم الذكورية ضد المرأة أنَّ الرجولة تفقد جُلَّ معناها الحقيقي إذا ما ارتفع فيها منسوب "الأنوثة السياسية"، فمعشر الرجال عندنا يتشدَّدون في محاربة الحق الإنساني للمرأة مع كل خسارة يتكبدونها في حقهم السياسي.
وهل يحتاج النهار إلى دليل حتى نتوفَّر على إقامة الدليل على أنَّ مجتمعاً فيه ما يكفي من "الرجال الأحرار"، ومن "الرجولة السياسية"، لا يمكنه أبداً أن يضطهد المرأة فيه، فاضطهاد الرجل للمرأة عندنا إنما هو أرذل اضطهاد؛ لأنه اضطهاد عبدٍ لعبد!
وقرأتُ في المبدأ الرابع من الدستور المصري الجديد الآتي: "المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص، للمواطنين والمواطنات جميعاً.. وفي مباشَرَة الحقوق السياسية..".
إيَّاكم أنْ تَظنُّوا أنَّ في هذا المبدأ ما يعني "الإقرار بالمساواة بين الرَّجُل والمرأة"؛ فهو إنَّما يعني أنَّ "عدم المساواة بين الرَّجُل والمرأة" لا يعني أنَّهما غير متساويين أمام القانون (وغير متكافئين في الفرص).
الرَّجُل والمرأة يجب أنْ يتساويا (دستورياً) في الحقوق والواجبات؛ وبَعْد ذلك، يُنَص، في الدستور، على أنَّهما متساويان أمام القانون.
هل المرأة على قَدَم المساواة مع الرَّجُل في "مباشَرَة الحقوق السياسية"؟
إذا كان الجواب "نَعَم"، فلا بدَّ، عندئذٍ، من الإقرار بحقِّ المرأة في تبوُّء أي منصب (وأعلى منصب) في الدولة (كأنْ تتبوَّأ منصب رئيس الدولة).
أمَّا المبدأ السادس منه فلا يغني أبداً عن مبدأ "المساواة التَّامة بين الرَّجُل والمرأة (في الحقوق والواجبات)". ولقد جاء في هذا المبدأ: ".. ولا كرامة لوطن لا تُكَرَّم فيه المرأة؛ فالنساء شقائق الرجال، وهي حصن الأمومة، ونصف المجتمع..".
إنَّ عبارة "تكريم المرأة (أو المرأة المُكرَّمة)" لا تَفْهَمها المرأة الحُرَّة، أو التي تَنْشُد الحرية والمساواة التَّامة مع الرَّجُل في الحقوق والواجبات، إلاَّ على أنَّها عبارة "إهانةٍ لها"؛ فهي إنسان لا يحتاج إلى "التكريم"، وإنَّما إلى المساواة والحرية؛ وهي، من ثمَّ، لا تحتاج إلى عبارات تكريم من قبيل "النساء شقائق الرجال"، و"المرأة هي حصن الأمومة"، و"نصف المجتمع"؛ وما أهمية أنْ تُوْصَف بأنَّها "نصف المجتمع" وهي التي في "واقعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي.." ما زالت "أقلية" من "أقلياته"؟!
والدليل على أنَّ في الأمر "إهانة (في لبوس التكريم)" ترونه إذا ما أَعَدتُّ كتابة النَّص نفسه على النحو الآتي: ".. ولا كرامة لوطن لا يُكَرَّم فيه الرَّجُل؛ فالرجال أشِقَّاء النساء، والرَّجُل نصف المجتمع..".
لقد تحدانا العالم أن نُظْهِر مجتمعنا له في صورة المجتمع الذي فيه من إرادة الحياة، والرغبة الحقيقية في أن يصلح أحواله كافة، ما يمكِّنه من أن يشق لنفسه، وبنفسه، طريقا إلى القرن الحادي والعشرين بكل معانيه السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، فإذا بنا نزوِّد أعداءنا بمزيد من الأسلحة التي يحاربوننا بها.
وفي إيران، ما زالت شجرة "ولاية الفقيه" تُعْطي ثمارها، أو مزيداً من ثمارها؛ فالمرأة، أيْ الطالبة الجامعية، ما عاد لها الحق، في بعضٍ من الجامعات، وبموجب قرار أصْدَرته الحكومة المتفرِّعة من "ولاية الفقيه"، في دراسة نحو 77 مادة (أو تَخَصُّصاً) جامعية؛ ولقد وُصِفَ هذا القرار الحكومي، في بعضٍ من البيانات الرسمية، والذي بدأ تنفيذه، بأنَّه "اختباري (تجريبي)"، و"جزئي"؛ وشَرَعَ مؤيِّدوه (من المتعصِّبين لـ "ولاية الفقيه") يتحدَّثون عن "الدَّافِع النبيل" إلى استصداره، ألا وهو "الحِرْص على حقوق ومصالح ومكانة المرأة" كما عيَّنَتْها "الشريعة الدينية (الإسلامية)"؛ فالحيلولة بين المرأة وبين هذه التخصُّصات (التي أُقِرَّ للرجل بحقِّ احتكارها) سيَحُول (مستقبلاً) بينها وبين "شَرَّ البطالة"؛ كما سيَحُول بينها وبين "شَرَّ العنوسة"؛ وثمَّة "بَرَكَة ثالثة" له هي "استقرار الأُسْرَة (مع زيادة الإنجاب)"؛ فلقد تأكَّد لصاحب "ولاية الفقيه"، والذي يَنُوب عن "الإمام الغائب (المعصوم)" في قيادة "الأُمَّة"، وإقامة "حُكْم الله على الأرض"، وجود "صلة سببية" بين ارتفاع منسوب التعليم (والوعي والثقافة) لدى المرأة (الإيرانية) وبين ارتفاع منسوب الطلاق في المجتمع.
وهذا "الحِرْص" على المرأة إنَّما هو، والحقُّ يُقال، جزءٌ من كُلٍّ، أيْ جزءٌ من "حِرْص" أعم وأشمل وأوسع، هو "حِرْص" سُلْطَة الفقيه (على الناس في عصر الغيبة الكبرى) على تخليص وتنقية عقول ومشاعر وأذواق "الرَّعية" من "الشوائب"، والتي هي كناية عن الثقافة العالمية؛ فالفلسفة والموسيقى والفن والآداب العالمية إنَّما هي جميعاً "رِجْسٌ من عَمَل الشيطان"؛ ولا بدَّ لـ "ولاية الفقيه" من أنْ تَمْنَع "الرَّعية" من تعاطيها؛ ولقد ذَكَّرني هذا "الموقف ـ الفتوى" بفقيه من "أهل السنة والجماعة" أفْتى بتحريم الاستماع إلى أغاني فيروز؛ لأنَّها امرأة، وصوت المرأة "عَوْرَة"!
والمرأة في إيران، ولِكَوْنها تَعي جيِّداً حقوقها المهضومة، وما أكثرها، وتسعى (وتُصارِع) لنَيْل حقوقها وحرِّيَّتها، متَّخِذةً من العِلْم سلاحاً تخوض به معاركها كافَّةً، هي نِصْف المجتمع الذي فيه تتركَّز المعارَضة والمقاوَمة لسُلْطَةٍ جُبِلَت على العداء لحرِّيَّة النساء، أو للمرأة الحُرَّة؛ لأنَّ المرأة لا يُمْكنها أنْ تنال حرِّيَّتها من غير أنْ تَجْعَل المجتمع كله حُرَّاً؛ وكيف للمجتمع أنْ يَغْدو حُرَّاً إذا ما كان (أو ظلَّ) نِصْفُه، أيْ النساء، "أقَلِّيَّة (سياسية وثقافية واقتصادية..)"؟!
"الفيزياء النووية"، مثلاً، هي الآن، في إيران، للذكور، أو الرِّجال، دراسةً، واختصاصاً، ومهنةً؛ أمَّا السبب الذي يِسْتَذْرِعون به فهو "سوق العمل"؛ فأسياد هذه السوق، وغالبيتهم من معشر الرِّجال الأُوتوقراطيين، يَسْتَكْرِهون (لسبب اقتصادي موضوعي!) توظيف النساء في كل صناعة تَمُتُّ بصلة إلى هذا الاختصاص الجامعيِّ الرفيع؛ فما العمل؟
لقد حَلُّوا "المشكلة"، على افْتِراض أنَّ في الأمْر مشكلة حقيقية، ليس من طريق جَعْل هذه السوق تتَّسِع للنساء، صديقة لهُنَّ، أو أقل محاباة للرجال، وإنَّما من طريق التضحية بحقوق النساء؛ فلا أسهل، ولا أرخص، من الحلول التي تشبه "بيت الطَّاعة"، تُعاد إليه كل امرأة شَقَّت عصا الطَّاعة، وامتَثَلَت لأمْر نيتشه إذ خاطبها قائلاً: "لا تقفي متردِّدةً حائرةً بين خنوع نَعَم وتمرُّد لا"!
والقائل بأهمية وضرورة جَعْل الفَرْق في الجنس فَرْقاً في التعليم الجامعي لا رادع يردعه عن جَعْل الفَرْق في العِرْق واللون والدِّين.. أيضاً فَرْقاً في التعليم نفسه، لا بَلْ في الحقوق السياسية والانتخابية والثقافية.. ؛ فلقَد ثَبُتَ وتأكَّد، في التاريخ، أنَّ مُضطَّهِد المرأة لا رادع يردعه عن ممارَسة الاضطهاد الطبقي والقومي والعرقي والدِّيني..
هُمْ الآن يتسربلون بالحِرْص على "الزواج الوطيد المديد"، وبِدَرْءِ "أبغض الحلال عند الله" عن الحياة الزوجية، وبإدامة نِعْمة التكاثر على الأزواج؛ فَلَمَّا تَبيَّن لهم، وتأكَّد، أنَّ "الشَّرَّ الإبليسي" يكمن في "المرأة المتعلِّمة الواعية المثقَّفة العاملة الحُرَّة" كَمِنوا له، وتَرصَّدوا، مُسَدِّدين "السَّهْم"، أيْ هذا "القرار الحكومي"، إلى هذا "العدو"؛ وكأنَّ "المرأة"، ولجهة حقِّها في التعليم الجامعي، هي جزء من ضغوط "الشيطان الأكبر" لثَنْي طهران عن المضي قُدُماً في "برنامجها النووي"!
إنَّه لـ "عَصْرُ الغيبة (غيبة المعصوم)"؛ ولا عزاء لنساء إيران في هذا العصر؛ لكن رُبَّما يأتيهِنَّ الفَرَج بانتهاء "الغيبة الكبرى"، وتعجيل الله فرج "المعصوم"، وعودته بعد طول غياب، ليملأ الدنيا عدلا وإنصافاً!
إنَّ بعضاً من شبابنا، ومن شبابنا الجامعيِّ على وجه الخصوص، هو نُتاج بيئةٍ وتربيةٍ مَسَخَتا فيه، وشَوَّهتا، مفهوم "الرُّجولة"؛ فما عاد ممكناً تمييز "الرُّجولة"، في قوله وفعله وسلوكه، من الطِّيْش والنَّزق والرُّعونة والاستهتار..
لا أتَّهِم "الجامعة" نفسها إلاَّ في أُمورٍ ليست من جِنْس "السبب"، ولا تَعْدِله؛ لكنَّني أتَّهِم المجتمع نفسه بأنَّه قد غَرَس في نفوس شاببنا من القِيَم التربوية ما جَعَلَهم في عَجْزٍ بَيِّن عن الاستجابة لهذا التحدِّي (الحضاري والإنساني) الجديد، الذي تُمثِّله الحياة الجامعية؛ فإنَّ "البيئة الاجتماعية للجامعة" هي خَيْر كاشِفٍ ومُغَذٍّ لنقاط الضعف التربوي في بعضٍ من شبابنا؛ وأستطيع أنْ أُؤكِّد أنَّ "المرأة"، أيْ "الطالبة الجامعية"، هي، في كثيرٍ الحالات، "السبب" الذي يَسْتَفِز "الجاهليِّ" الكامن في نفوس بعض الشباب الذكور من طلبة الجامعة؛ فهذا "الاختلاط (الجامعي) بين الجنسين"، والذي فيه كثيرٌ من الاصطناع والزِّيف، ومن التشويه لأوجه العلاقة (الطبيعية والسَّوية) بينهما، هو المناخ الذي فيه تنمو وتَظْهَر وتتفجَّر "الرُّجولة" بمعانيها التي توفَّر المجتمع على مسخها وتشويهها في نفوس الشباب الذكور.
في هذا المناخ، والذي لم يَعِشْهُ أو يألْفه الطالب الجامعيِّ، من قَبْل، نرى هذا الطالب في ممارَسة يومية لمفهوم "الرُّجولة" الذي غُرِسَ ونُمِّي في نفسه، والذي إنْ نَظَرْنا فيه، وفحصناه، لن نَعْثُر على أيِّ معنى يُعْتَدُّ به من معاني "الرُّجولة"، التي إنْ أحسنَّا فهمها، وتمثَّلنا معانيها التي تتدلَّى كالثمار من شَجَر حياة الرِّجال الرِّجال، لن نرى فيها شيئاً من هذا الذي يُمارَس، والذي فيه كثيرٌ من الطَّيْش والنَّزَق والرُّعونة والاستهتار..