الضرب.. بين الكرامة والتأديب والفحولة



فاتن نور
2005 / 4 / 5

( للقرآن قراءة روحية ضرورية لابد منها... وقراءة تمعنيّه وتحليلية لا تقل ضرورتها عن الأولى.. وبتقديري )

جميل أن تكون المرأة مؤدبة ومطيعة! وجميل أن يكون رفيقها الرجل مؤدباً هو الآخر ومطيع!.. وجميل لأن يقيّم الرجل مدى أدب زوجته وطاعتها وعدم إعراضها ونشوزها ويتصرف بعدها وبناءا على تقيمه الشخصي،( وبغض النظر طبعا عن ما يمتلكه الرجل من امكانيات معرفية في التقييم فقد أ ُجيز تقييم الرجل لنشوز زوجته والتصرف وإن كان الفارق العلمي والمعرفي كبير بينهما ولصالح المرأة)، لكن ترى مَن يقيم مدى أدب الرجل وعدم عصيانه عن الأداء بواجباته داخل نطاق الأسرة او قل نشوزه، هل يقيّمها هو ايضاً ،ام يقيمها الطرف الآخر المتضرر من جرّاء قلة الأدب، الإعراض والنشوز..أم يقيّمها طرف آخر ليس له او له علاقة وطيدة بمجريات الوضع داخل جدران دار الزوجية وتحت سقفه؟ موضوع التقييم لا يبدو اكثر حساسية من ما قد يأتي بعد التقييم، حيث أن التصرف بعد تقييم وضبط النشوز لا اراه ينطوي على اي حنكة أدبية او حتى تأديبية، وطبيعة التصرف قد تبدو بذاتها نشوزا اخلاقيا وإعراضا عن كل المفاهيم المعضدة لكرامة الفرد وعن المفردات الرنانة المفترض تسييسها وتثبيتها في مدار العلاقات الزوجية وابتدءا من المودة والرحمة والتراحم والتسامح.. ووو.. والقائمة طويلة.. والى سرحوهن بالمعروف..لنترك تلك المقدمة غير المستساغة للكثير! بعضا من الوقت...

في ثقافتنا وعاداتنا كمجتمعات شرقية غالبا إن لم اقل دائما يأخذ سلبا على الرجل إن تطاول بضرب امرأة مهما كان السبب حيث أن شيمتنا كعرب نحط مِن شأن مَن يرفع يده بوجه امرأة وقد يذهب البعض الى تقزييم رجولة من يفعل... والحق يقال فأن الضرب ليس بلغة تفاهم وبغض النظر عن جنس طرفي التخالف او الإعراض او النشوز وكما هو وارد في الحالة الزوجية.. وطبعا شيمة العرب خارج الجدارن تختلف نوعا وكما عن داخلها حيث يصبح ما نقزمه خارجها بطولة وتهذيب داخل تلك الجدارن...



قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ

" إِذَا دَعَا الرَّجُل اِمْرَأَته إِلَى فِرَاشه فَأَبَتْ عَلَيْهِ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تُصْبِح " رَوَاهُ مُسْلِم ...
.
من النص اعلاه يبدو ان الملائكة ستنزل لعنتها على الزوجة لو لم تذعن وتهرع للفراش اذا ابدى الزوج رغبته.. بمعنى انه لا يجوز للمرأة هجر زوجها ليلة واحدة اذا ما طلبها لسرير الزوجية..ومهما كانت الأسباب طالما المرأة ليست في حالة حيض .. وبغض النظر عن مفهوم الطاعة ومحاولة اقحامها في النواحي الوجدانية التي تستوجب القبول على الأقل من قبل الطرف الآخر كونه ليس مجرد أداة، حيث ان ما يجري على سرير الزوجية ليس عملية ميكانيكية لا تنتمي للمشاعر والأحاسيس، وبغض النظر ايضا عن مدى دمامة الزوج الذي يرتضي لنفسه حالة أذعان زوجته بلا وجه قبول ورضى حقيقي..( في موضوع المشاعر والعواطف في حالة تعدد الزوجات اود ان اشير الى انها غير داخلة ضمن افاق العدل بين الزوجات ، حيث يفسر العدل ضمن اطره الأقتصادية وليست الوجدانية، بمعنى ان للعواطف والمشاعر هناك حساب واضح حينما يمس الموضوع شخص الرجل ومتعته، بينما تسقط الحالة الوجدانية للزوجة ويوجب عليها التلبية للتمتع بها وليس معها ) بغض النظر عن هذا وذاك فأن اللعنة نازلة لا محالة في حالة الهجر ضمن حدود سرير الزوجية.. ولكن هجر مَن لِمَن؟ طبعا المرأة للرجل.. ماذا عن هجر الرجل للمرأة؟؟؟هل هناك اي لعنة او شيء من هذا القبيل؟ نعم طبعا .. هناك لعنة تأديبية وعلى رأس المرأة ايضا، فقساوة الهجر ولعنة الملائكة فقط حين يكون الهجر من الزوجة باتجاه الزوج أما العكس فهو موضوع وبرشاقة ضمن بنود او اطوار التأديب حين نشوز المرأة او قل الزوجة...

في سورة النساء...ورد ..

"وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"..

التفاسير لما ورد اعلاه من سورة النساء تقريبا لا خلاف بينها.. فالمتفق علية ان تكون هناك العظة في مقدمة رد النشوز ودحره..إن لم تنفع يأتي الهجر لفراش الزوجية ( وقيل بأن الهجر لا يعني ترك السرير كليا وإنما المقصود به عدم المضاجعة!) وهناك من وضع سقفا زمنيا لطور الهجر، وإن لم ينفع يأتي الطور الأخير وهو الضرب..( لا أدري اين طور "سرحوهن بالمعروف "هل هو بعد الضرب ام قبله!..) بمعنى ان التدرج مطلوب في موضوع نشوز الزوجة ولا يجوز ان يقفز الرجل الزوج لطور الضرب، ولو ان الواو العاطفة لا تدل في اللغة على التدرج بل على التراكم وبنفس القيمة والبعد الزمني.. وما يلفت النظر حقا في التفاسير هو التركيز على نوعية الضرب وأن لا يكون مبرحا او جارحا او.. او ... وربما هذا من باب تليين قساوة الطرح.. ولكن بغض النظر عن نوعية الضرب فهي لا تعني الكثير امام اباحته اساسا وإن كان بقطعة من الحرير الطبيعي المعطر...بغض النظر لنسأل..
لماذا الضرب؟ حقا لماذا؟..
هل تعامل المرأة الأم ( والجنة تحت اقدام الأمهات) والتي قد يكون لديها درزينة من الأطفال تحت رعايتها والحاضنة لبيتها واسرتها هل تعامل بالضرب وكأي طفل ربما دون سن المدرسة للتأديب وبتقدير الزوج لنشوزها وبغض النظر عن صحة ومتانة التقدير؟ نحن بشر ونمتلك اللغة وادوات التحاور والتفاهم وإن عجزت تلك الأدوات بعد استنفاذها فلا ارى انه من الأدب والخلق أن نلجأ لأرغام الطرف الآخر على الإذعان والخضوع باسلوب الهجر والضرب، أم اننا امام افتراض مسبق بأن المرأة لا تفهم ولا تطيع إلا بالضرب ؟ وهل في تلك الحالة يصلح ان نسميها طاعة..؟ وهل تبتعد تلك الحالة كثيرا عن طاعة! السجناء لجلاديهم وتأديتهم القسرية لكل ما يطلب منهم؟

لنعود الى المقدمة التي تركناها ونسأل..ماذا عن نشوز الزوج؟ اذا خافت المرأة نشوز زوجها فماذا تفعل؟... هنا لا يجوز للمرأة التقييم والتصرف بل لابد ان تبرز كل ادوات التفاهم والتحاور السلمي وبتحضر ملحوظ وملفت للنظر حيث يتم إشراك اطراف مقربة للوساطة الدبلوماسية بين الطرفين لاصلاح الحال وتمييع النقاط المتخالف عليها ومحاولة استقطاب التقارب في وجهات النظر( راجع سورة النساء)، وبهذا نرى انفسنا قد قفزنا قفزة عملاقة تفصل ما بين نشوز الزوجة ونشوز الزوج حيث ان النشوز الأول وطريقة التعامل معه يذكرنا بالخيام والبادية والهمجية ونعرات العنف القبلي اما النشوز الثاني ينقلنا الى ما يشبه فضاءات التحاور والمؤتمرات السياسية والدبلوماسية المعمول بها في عصرنا الحالي... وتختفي اطوارالعظة والهجر والضرب فلا مكان لها في نشوز الزوج وإن ثبت عليه نشوزه بألف شاهد وحكيم..

ترى هل الفارق بين المرأة والرجل بهذا الحجم الهائل والمفزع كي يتم إفراز هكذا نقلة في منهجية التعامل ازاء ما يسمى بالنشوز؟

أين كرامة المرأة ؟.. ام ان النص الوارد وبكل التفاسير الموضوعة والمبذول لها جهدا يثنى عليه لمحاولة ترطبيها، يراها البعض مُتوِّجا لكرامة المرأة؟..
ترى هل سياق ومضمون طرح الآية مرتبطا بظرف وحدث وإيطار يطوق حقبة زمنية وحالة وعي مرحلي ؟... عله كذلك...