التحرش الجنسي بالمرأة في الدول العربية



جلال محمد
2013 / 3 / 12

اذا كانت ظاهرة العنف ضد المرأة و عدم مساواتها بالرجل قديمة قدم الانطمة الطبقية التي عرفتها البشرية و اذا كان النضال المعاصر الذي تخوضه المرأة قديمة قدم النظام الراسمالي ، فان الموجة الجديدة من نضال المرأة التحرري والتي باتت تفرض نفسها بقوة في الجدال الاجتماعي الدائر على الصعيد العالمي برزت خلال السنوات الاخيرة اي خلال الازمة العامة التي يتخبط فيها النظام الراسمالي و كذلك و بالذات مع الثورة التونسية و المصرية.... فالتظاهرات المليونية في الهند والحركة الاحتجاجية التي اعقبت محاولة اغتيال ملاله و محاولات النساء العاملات في قطاع الخدمات المنزلية انشاء نقابات و اتحادات محلية و عالمية كلها ملامح تبشر بولوج نضال المرأة التحرري جنبا الى جنب نضال الطبقة العاملة، مرحلة جديدة من النضال ضد النظام الرأسمالي و وضع حد لهذه البربرية المعاصرة .

تعتبرظاهرة التحرش الجنسي بالنساء من اكثر اشكال العنف و التميير ضد المرأة شيوعا واكثر اشكالها تجاوزا على حقوق الانسان وتشكل مع اشكال العنف الاخرى ظاهرة تمييز المرأة وعدم مساواتها بالرجل في الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وعلى الصعيد القانوني. انها جزء من التعامل اللانساني و الدوني للمرأة ، لها اثار اجتماعية و اقتصادية لاتمس حياة المرأة و كرامتها الشخصية فقط بل انها تسبب اضرارا اجتماعية و اقتصادية للمجتمع ايضا و على المستوى القريب و البعيد كذلك.
والتمييز ضد المرأة يمارس في كل بلدان العالم (المتأخرة) منها و (المتقدمة) و ان بدرجات متفاوتة و اشكال متغيرة وهي تتجاوز و تخرق حدود العمر، العنصر، التقاقة و التراث، الموقع و المكانة الاجتماعية و الحدود الجغرافية.

تمارس اشكال العنف ومنها التحرش الجنسي بالمرأة في كل مكان : في البيت " عش الزوجية" وفي الشارع، في المدرسة و في الدائرة او المعمل، في التجمعات العامة و الخاصة ، في المزارع و الحدائق العامة ، في كمب اللاجئين ومراكز ايوائهم، وفي الاوقات العادية و الازمات .
للتحرش الجنسي اشكال متعددة الا ان اوسعها انتشارا هو الذي يمارس ضمن جدران البيت او في " القفص الذهبي" اي الاعتداء الجنسي او التحرش الجنسي اثناء فترة الحمل .

تشير اخر الاحصائيات لدى المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة بان: 40_50% من نساء دول الاتحاد الاوربي يتعرضن الى اشكال من الاعتداء و التحرش الجنسي في اماكن العمل. وفي الولايات المتحدة الامريكية تتعرض 82% من الصبايا اللائي تتراوح اعمارهن بين 12_ 16 عاما الى شكل من اشكال التحرش الجنسي في المدارس. و تبين من استفتاء محدود في بلدان اسيا و المحيط الهادئ بان 30_ 40% من النساء العاملات تعرضن الى اشكال من التحرش الجنسي الشفاهي او الجسدي او الجنسي. وفي استراليا تبين بان 1 من كل 3 نساء تعرضن الى التحرش او الاعتداء الجنسي في اماكن عملهن.

تشيراحصائية منظمة الصحة العالمية الى ان 6 نساء من كل 10 نساء يتعرضن خلال حياتهن الى شكل من اشكال الاعتداء او التحرش الحنسي وتشير دراسة لنفس المنظمة المذكورة على 24 الف امرأة في 10 بلدان الى ان الاعتداء الجسدي او الجنسي من قبل ازواجهن تتفاوت حسب البلدان و المناطق، ففي مدن اليابان تبلغ 10% الا انه في ارياف اثيوبيا تبلغ 71%.

للعنف ضد المرأة نتائج سلبية كثيرة بعيدة المدى تؤدي الى الحاق اضرار جسيمة بالعائلة و المجتمع. بالنسبة للنساء من عمر 14_44 سنة، يعتبر العنف سببا رئيسيا للوفاة او الاصابة بعاهة جسدية. في دراسة للبنك الدولي عام 1994 و الذي كان يتمحور حول 10 عوامل خطيرة على النساء من الفئة العمرية السابقة، تبين بان العنف الاسري اخطر من السرطان و حوادث المرور و الحرب و الملاريا. في استفتاء اجري بين 1366 امرأة من جنوب افريقيا تبين بان النساء اللائي تعرضن للاذى من قبل ازواجهن اكثر تعرضا للاصابة بمرض الايدز بنسة 48%.

العنف الجنسي الذي يمارس ضد المرأة يقلل من قابليتها على الحمل ويزيد من خطورة اصابتها بالعقم مما يؤدي الى تخفيض الطاقة البشرية و يبطئ وتيرة النمو الاقتصادي.اضافة الى انه يشكل عبئا ماليا على الدولة. اشار تقرير ( للمركز الامريكي للسيطرة على الامراض) الى ان عملية السيطرة على الامراض الناتجة عن العنف الاسري قد كلف ميزانية الدولة عام 2003 اكثر من 5.5$ مليار و قد خصص من المبلغ المذكور 4.1$ مليار بصورة مباشرة لسد نفقات الادوية و العلاج و 1.8% مليار لنفقات الولادة و معالجة امراض العقم الناتجة عن العنف الاسري.(المصدر unifm.org 13/2/2013) .

الاسباب و الدوافع : بما ان التحرش الجنسي هو احد الاشكال التي تجسد حالة التمييز وعدم المساواة القائمة بين المرأة و الرجل في المجتمعات المعاصرة فان من الخطأ تجزئتها و بحث كل شكل من اشكالها على حدة او بشكل مستقل عن الاشكال الاخرى. انها ظاهرة من ظواهر المجتمع الرأسمالي المعاصر يجب النظر اليها في حالتها الشاملة و الكلية اذا توخينا فهمها فهما صحيحا وذا اردنا تجنب الغرق في مجموعة من الامور التفصيلية التي تبعدنا عن ادراك الاسباب الواقعية و الصحيحة لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تطرح نفسها امامنا منذ عقد او نيف و خاصة منذ تفاقم الازمة العامة للنظام الراسمالي و بروز اثارها المدمرة على الملايين من جماهير الطبقة العاملة وكذلك و بالذات بعد انفجار الثورات و الانتفاضات الجماهيرية في العديد من بلدان الشرق الاوسط.
استمحي القراء و السادة كتاب الحوار المتمدن عذرا بالقول بانني اخالف معظم مانشربالعربية حول الموضوع في الاونة الاخيرة وخاصة في الحوار المتمدن، ذلك ان ما نشر او معظم ما نشر، بحسب ما اطلعت عليه، ناقشت المسألة، التحرش الجنسي، بشكل منعزل عن الاشكال الاخرى لتميزالمرأة و عالجتها بوصفها حالة معزولة وهي لم تحدد الاسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الظاهرة وعجزت بالتالي عن طرح السبل الصحيحة و الواقعية لمواجهتها.

فعدد من السادة الكتاب حددوا اسباب هذه الظاهرة بالاوضاع الاجتماعية المتخلفة التي تعاني منها بلدان الشرق الاوسط و هناك من اشار الى سيادة القيم العشائرية او هيمنة الدين و المؤسسة الدينة و ماتفرضه من قوانين رجعية و مستبدة تعادي المرأة و لم تقر باي شكل من اشكال المساواة لها و حدد عدد اخر من السادة الكتاب الانظمة السياسية المستبدة التي تشجع عدم مساواة المرأة بالرجل, بل ان عدد اخر من السادة الكتاب اشاروا الى حالة الكبت الجنسي الذي يعاني منها الشباب و خاصة الذكور منهم بوصفها اسباب للتحرش الجنسي و اتفقت معظم الكتابات على ان القضاء على هذه الظاهرة يتم اما عبر التنويرو التعليم او من خلال التقدم الحضاري او من خلال تغير الانظمة الدكتاتورية و اقامة انظمة علمانية يتم فيها فصل الدين عن الدولة و التعليم و....الخ.
دون شك، لهذه المعالجات جوانب ايجابية و تساهم في تحفيف هذه الظاهرة الا انها لاتمس جوهرها ولن تؤدي الى القضاء عليها بشكل نهائئ.
ان ظاهرة العنف و التمييز ضد المرأة و منها التحرش الجنسي هي ظاهرة اجتماعية نشأت وبرزت في المجتمع بفعل و تأثير قوى اجتماعية معينة لها مصلحة في انتاجها و اعادة انتاجها و في الترويج لها و جعلها جزء من السلوك الاجتماعي. وهي وان نشأت و تطورت مع بروز المجتمعات الطبقية قبل الراسمالية الا ان الطبقة البرجوازية ابقت علها و اضفت عليها اشكالا من التغيرات ، المعاصرة ، لتتلائم مع اوضاع و اساليب استغلالها المعاصرة للطبقة العاملة.
ولذلك اذا اردنا تحديد الاسباب الحقيقية للعنف ضد المرأة يجب بحث الاوضاع التي يتم فيها انتاح و اعادة انتاج الثروة في المجتمع الراسمالي وفي المستلزمات التي تتم هذه العملية وفقها.

بكلام اخر اذا اردنا تحديد الاسباب الجوهرية لظاهرة التمييز ضد المرأة يجب ان نبحث في مدى مطلوبيتها و فائدتها للطبقة البرجوازية لانتاج فائض القيمة و اعادة انتاجها بوصفها المصدر الرئيسي لانتاج الثروة في المجتمع الرأسمالي.

اذا ادركنا ان فائض القيمة هو حاصل طرح قيمة الانتاج من الراسمال المتغير( اجور العمال) لادركنا بان مقدار فائض القيمة ( مصدر الثروة) يرتفع و يزداد كلما انخفضت مقادير الاجور التي يدفعها الرأسمالي للعمال و العكس صحيح ايضا ، اي ان اجور العمال كلما ارتفعت و ازدادت الامتيازات التي يحصلون عليها كلما ادى ذلك الى انخفاض مقادير الارباح التي يراكمها الراسمالي.
الاجر في المجتمع الراسمالي هو قيمة قوة العمل اي المقدار الضروري اللازم لاعادة انتاج فوة العمل، اي النفقات الضرورية التي يحتاجها العامل من مأكل و ملبس ومأوى و نفقات تلبية حاجة العامل الجنسية و انتاج و تربية اطفاله ، اي الجيل القادم من العمال . من هنا تبرز المكانة المهمة للمرأة في العائلة ، من وحهة نظر مصالح الراسمال، فكلما تمكن الراسمالي من تخفيض نفقات العامل الضرورية من خلال الحصول على خادمة محانية (المرأة) للعامل ( الرجل ) تخدمه ، تحضر له الطعام و تغسل ملابسه و تلبي حاجاته الجنسية و تنتج له الاطفال و تربيهم، كلما تجنب الراسمالي دفع نفقات حضانة الاطفال وشراء الحليب المصنع و نفقات منام العامل و الصرف على اموره المعيشية الاخرى، كلما ارتفعت ارباحه، ومن هنا تبرز للرأسمالي اهمية الدين و العادات و التقاليد و القيم التراثية التي تستعبد المرأة و تفرض عليها البقاء في البيت و الابفاء عليها خادمة مطيعة للرجل، ان الابقاء على عبودية المرأة واسارتها هو مصدر لايعوض بالنسبة للراسمالي من اجل تراكم المزيد و المزيد من الارباج و ان الترويج لكل الاشكال الايديوجية و المنظمومات الفكرية و الدينية و العادات و التقاليد التي تبقي على حال المرأة كما هي لهي نعمة لاتفوت للرأسمالي.

الحالة الاخرى التي تكشف حاجة الطبقة البرجوازية لاضطهاد المرأة و التمييز ضدها هي وضع المرأة العاملة.
يتفق معظم الاقتصاديون البرجوازيون على ان وجود مستوى معين من البطالة هو امر ضروري لنمو الراسمالية و دوران عجلات الانتاج بشكل سليم و سلس وهذا يعني من وجهة نظر الطبقة البرجوازية تخفيض اجور العامل الى حده الادنى ، من اجل تحقيق هذا الامر تحتاج الطبقة الرأسمالية في كل وقت الى اعداد معينة من العمال العاطلين اولا: لتهديد العمال العاملين فعلا و منعهم او الضغط عليهم من اجل القبول بشروط العمل المفروضة عليهم و عدم مطالبتهم بالمزيد، و ثانيا: للحصول على العمال المستعدين و الجاهزين لبيع قوة عملهم باي سعر و تحت اية شروط يحددها الراسماليون خاصة ان السوق الراسمالية هي في حالة دائمة من الازمات و فوضى الانتاج و لذلك فان سوق انتاج السلع تتأرج بين مراحل من النمو و توسع الانتاج حيث يزداد الطلب على الايدي العاملة و مراحل اخرى من الانكماش و الازمة حيث ( تفيض) اعداد كبيرة من العمال عن حاجة الراسمالي.
في هذه الاوضاع تشكل المرأة ايضا بالنسبة للرأسمالي نعمة الهية لاتعوض ففي الحالة الاولى تشكل الاعداد الغفيرة من النساء العاطلات عن العمل جيشا احتياطيا من العاطلات و المستعدات للعمل باجور اقل من مستوياتها السائدة او على الاقل لقبول شروط العمل التي يفرضها الراسمالي و في الحالة الثانية اي اوضاع الازمة التي يستغني فيها الراسمالي عن الايدي العاملة لمنع انخفاض مستوى و معدل ارباحه سيجد الراسمالي المرأة بوصفها كائنا ضعيفا في المجتمع ، الحلقة او الجزء الاضعف من الطبقة العاملة لطردها من العمل و اعادتها الى منزلها و احضان زوجها و عائلتها الدافئة...!

باختصارحاجة الطبقة البرجوازية للابقاء على دور المرأة ضعيفا في عملية الانتاج و اعادة الانتاج الراسمالية سواء في البيت حيث تعمل بلا اجر او في سوق العمل حيث تعمل باجور اقل هو السبب الجوهري واساس اضطهاد المرأة و التمييز ضدها, التمييز ضدها في العمل و الاجور، في القوانين ، الاعراف الاجتماعية، مكانتها في العائلة وعلى الصعيد الاجتماعي ....

ان العلاقات الابوية و العشائرية، العادات و التقاليد القديمة و البالية ، الجهل و التخلف، الدين و الخرافات الدينية و المذهبية، الجامع و الكنيسة و دور العبادة الاخرى، الماكنة الدعائية للبرجوازية ، القوانين و الشرائع السماوية و الارضية، الانطمة و السلطات السياسية الدكتاتورية منها و الديمقراطية .... أي كل اجزاء و اشكال البنية الفوقية الرجعية و المعادية للمرأة ليست سوى وسائل و ادوات لترسيخ واقع المكانة الدونية للمرأة وانتاجها و الابفاء عليها، وهي تتغذى من الحاجة اليومية لدوران عملية انتاج فائض القيمة و اعادة انتاجه، انها حاجة اساسية و يومية للراسمال يتوقف عليها دوران عملية الانتاج بشكل سليم و سلس.

من المؤكد ان تحديد دور حاجة الراسمال بكونه العامل الرئيسي في اضطهاد المرأة و التمييز ضدها لا يعنى اهمال دور العوامل الاخرى او التقليل من اهمية النضال ضدها، فالنضال من اجل فصل الدين عن الدولة و التعليم و قيام دولة علمانية تحقق للمرأة مكسبا كبيرا يمنع رقابة الدين خاصة في البلدان المبتلية بالاسلام ، الا ان من يفكر بان قيام دولة علمانية يعني تحرر المرأة النهائي من كل اشكال الاضطهاد لهو على خطأ كبير، بله يفكربتحسين اوضاع المرأة و ليس بتحررها ومن يفكر بان مساواة المرأة و الرجل امام القانون هو الحل النهائي لمسألة المرأة لهو على خطأ.
فواقع البلدان الراسمالية المتطورة تؤكد ما اشرت اليه, والارقام و الاحصائات التي اوردتها في بداية المقال تؤكد ذلك. الولايات المتحدة الامريكية مثلا تعتبر ان التحرٍِِش بالنساء جريمة يعاقب عليها القانون و لكن الاحصائية المذكورة تبين بأى 82% من البنات من عمر 12- 16 يتعرضن الى التحرش الجنسي و في المدارس اي على الاغلب، من قبل القائمين على النظام التربوي المتطور في الولايات المتحدة.
ان عدم رؤية الاسباب الجوهرية لاضطهاد المرأة و ممارسة اشكال التمييز ضدها هي رؤية طبقية محددة تروج لها فئات و طبقات محددة في المحتمغ الراسمالي، قالمرأة الراسمالية التي تٍشارك الرجل في استغلال الطبقة العاملة ، لاتشارك المرأة العاملة التي تعاني من استغلال النظام الراسمالي بوصفها جزءا من الطبقة العاملة تنتج فائض القيمة وفي اوضاع غير متساوية مع العامل الرجلن بل تعاني من ظلم القوانين الرجعية و الدين و الاعراف و التقاليد البالية ولذلك من الطبيعي ان ترى المراة الراسمالية في ازالة يعض القوانين التي تعيق حركة المرأة و تمنع مساواتها القانونية بالرجل، تحررها النهائي و لاتطالب باكثر من ذلك. الا ان المساواة القانونية بالنسبة للمرأة العاملة ليست سوى خطوة الى الامام في سبيل تحررها النهائي

التحرش الجنسي و العنف ضد المرأة في البلدان العربية : البلدان العربية هي جزء من بلدان ما يسمى بدول العالم الثالث، او الدول الراسمالية المتخلفة او التابعة ، هذه الدول هي دول راسمالية بامتياز، تحكمها الطبقة البرجوازية كما في الدول الراسمالية الاخرى وتشكل فائض القمية التي تنتجها الطبقة العاملة في هذه البلدان المصدر الاساسي لثروة مجتمعاتها ولذلك فان انتاح طاهرة التمييز و العنف ضد المرأة و اعادة انتاجها تشكل جزءا حيويا وضروريا من البناء الفوقي لهذه الانظمة ، الا ان مايمز هذه الظاهرة في هذه البلدان هو مايلي:

اولا: ان النظام الراسمالي في هذه البلدان نشأ و تطور في مرحلة كانت الراسمالية في العالم (اوروبا و امريكا) قد وصلت الى مرحلة الاحتكار( الامبريالية) حيث فقدت فيها البرجوازية النزعة الثورية و الديمقراطية التي كانت تحملها بوجه الاقطاعية خلال الثورة البرجوازية ، بمعنى اخر ان البرجوازية المحلية التي نشأت في هذه البلدان كانت رجعية و خالية من اية شحنة ثورية بوجه الاقطاعية ولذلك جائت برامجها خالية من اية انجازات ديمقراطية و علمانية و... الخ كما فعلت البرجوازية في اوروبا خلال توراتها، بل بالعكس فان كل ما انجزته في البلدان التي وصلت فيها الى الحكم لم يك سوى انظمة دكتاتورية قمعية و لم تنجز ولو اجزاء بسيطة مماانجزته البرجوازية الاوربية.

ثانيا: ان نشوء الراسمالية و انتصارها في هذه البلدان في مرحلة الاحتكار ( الامبريالية) يعني بان العلاقة القائمة بين الطبقة العاملة و البرجوازية باتت لاتعتمد على قوانين مرحلة المنافسةالحرة في سوق العمل بمعنى ان العامل فقد حريته في التفاوض مع رب العمل للاتفاق على الاجر الذي يطالب به لبيع قوة عمله للرأسمالي اثناء عماية الانتاج، بكلمة اخرى صارت البرجوازية في هذه البلدان تحتكر ليس سوق البضائع و المواد الاولية بل سوق العمل ايضا و باتت تفرض الاجر الذي يجب على العامل ان يتقاضاه و ليس من حقه الاحتجاج على ذلك.

ثالثا: ان قانون ميل معدل الربج نحو الانخفاض الذي هواحد القوانين الاساسية للنظام الراسمالي و الذي يعني ببساطة انه مع تقدم الراسمالية تنخفض نسبة الارباح التي يجنيها رب العمل من كل مقدار من الراسمال الذي يستثمره وهذا ما يؤدي في سياق تطور الراسمالية الى بحث ارباب العمل عن وسائل تخفف من نتائج هذا القانون، المنافسة و نشوء الاحتكارات هي احد مظاهرتصاعد دور هذا القانون و بروز نتائجه ، الا ان الوسيلة الاكثر فعالية التي تلجأ اليها البرجوازية لوضع حد لتاثير هذا القانون هو شن هجمة على الطبقة العاملة من خلال اطالة ساعات العمل او ادخال وسائل انتاج جديدة لرفع انتاجية العامل مع الابقاء على اجره و امتيازاته دون تغير. نشوء الانظمة الراسمالية في هذه البلدان في مرحلة الاحتكار جعل منها انظمة راسمالية تعتمد على استثمار الطبقة العاملة بشكل وحشي ، فالبرجوازية في هذه البلدان تستغل الطبقة العاملة بشكل مزدوج اذا صح التعبيراولا بكونها تستغل العامل لانتاج فائض القيمة كما هو الحال في الراسمالية في مرحلة المنافسة الحرة ، الا انها تستثمر قوة عمل العامل لانتاج فائض القيمة باجور تحدده هي و في شروط و اوضاع تحرم العامل من حق التفاوض و الاحتجاج و التظاهر و انشاء اتحاد او نقابة تدافع عنه ، هذا الامر يؤدي الى حصول الراسمالي ليس على فائض القيمة فقط بل على مقادير مضافة اليها ناتجة عن حرمان العامل من كل امتيازات العامل الاوروبي مثلا ولذلك تتخذ فائض القيمة المنتجة في هذه البلدان ما اطلقت عليه انا كاتب هذه السطور فائض القيمة الاحتكارية عند ترجمتي لاحد كتابات الرفيق منصور حكمت الذي كان اول من اكتشف هذه المسألة، حسب علمي.

رابعا: من اجل فرض هذا الواقع على جماهير الطبقة العاملة و الكادحين في هذه البلدان صار من الضروري ان تعتمد الانظمة الراسمالية على انظمة لاتقر بأي شكل من اشكال الحرية السياسية والمدنية كحرية التنطيم و التظاهر و الاضراب و الحريات المدنية الاخرى وبمساواة المرأة والرجل و العلمانية و ..، بكلمة اخرى اصبح الاستبداد المطلق اسلوب الحكم السائد في هذه البلدانن لانه بات يشكل ضرورة اساسية للابقاء على سلطة الطبقة البرجوازية المحلية و العالمية و بكل فئاتها الكبيرة و المتوسطة.

خامسا: الاسلام بوصفه مجموعة من التعاليم و الشرائع التي تنظم حياة البشر و تتدخل في كل مناحي حياته و بوصفه دينا معاديا للمرأة يستعبدها و يجعلها خادما للرجل و كذلك بوصفه دينا للانظمة الحاكمة منذ قرون في المنظقة هذا الاسلام انسب اداة و وسيلة ايديولوجية لتحميق الانسان و لذلك تلقفته الطبقة الراسمالية وجعلت منه الدين الرسمي للدولة. في ظل هذه الانظمة التي تستمد قوانينها من الشريعة الاسلامية ترتكب جرائم وحشية بحق المرأة وصار الدفاع عن انسانيتها و كرامتها مهمة اساسية من مهام كل حركة تكن ادنى مشاعر الاحترام للانسان وتحمل ضمن اهدافها ادني طموح تحرري وبرزت حركات الاسلام السياسي في اوضاع و ظروف دولية محددة لسنا يصدد مناقشتها الان، بوصفها حركات تطمح لاستلام السلطة واقامة انظمة توغل في استبدادها و فهرها للمرأة الى الحد الذي يكون واقع حال المرأة المزري الراهن بالنسبة له شيئا لايذكر.

اين الحل : مما سبق نستنتج بان التحرش الجنسي بالنساء بوصفه جزء من ظاهرة اعم و اشمل هو ظاهرة اجتماعية تدخل في صلب النظام الاجتماعي الراسمالي القائم في العالم و هي و ان اتخذت ابعادا و اشكالا متعددة الا ان جوهرها يبقى واحدا وهو انكار انسانية المرأة و هدر كرامتها الشخصية. الاسباب المؤدية لهذه الظاهرة لا تكمن في التخلف الاجتماعي او في الدين او حتى في الانظمة السياسية الاستبدادية او الديمقراطية ، بل انها جزء من مستلزمات خلق الثروة في المحتمع الرأسمالي الذي يتم خلال عملية الانتاج و اعادة الانتاج الراسمالي وبالذات من خلال انتاج فائض القيمة الذي تخلقه الطبقة العاملة ، وهذا مايؤدي الى ارتباط تحرر المرأة من التمييز و عدم المساواة بنضال الطبقة العاملة من اجل اسقاط النظام الراسمالي و اقامة النظام الاشتراكي. في هذا السياق يشكل فصل الدين عن الدولة والقضاء على التخلف و مساواة المرأة بالرجل على الصعيد القانوني ميادين مهمة وحيوية على الطبقة العاملة و كل من ينبض قلبه للحرية ان يناضل من اجل تحقيقها الا ان من يفكر بان تلك الامور هي التي ستحرر المراة بشكل نهائي انما يزرع الاوهام في صفوفها. اذا كانت نزعات التحرر و الدفاع عن المرأة عند بعض الافراد و الفئات الاجتماعية تنبع من دوافع انسانية و مساواتية ، فان الطبقة العاملة و ميلها الاشتراكي ملزمة بتأييد نضال المرأة حتى النهاية، ذلك انه لاتحرر للطبقة العاملة دون تحرر المرأة .

المصادر :
- تقريرمنظمة الصحة العالمية: unifem.org
- وقفوا العنف ضد المرأة ، منظمة العمل الدولية ilo.org/trend
- مسالة المرأة هي مسالة الطبقةالعاملة ، كورش مدرسي، hekmatist .com