إكرام -المرأة- دفنها



علي فردان
2005 / 4 / 6

المرأة كرّمها الله، وكرّمها الإسلام، فصيانة المرأة وشرفها من شرف الرجل، وهي الأم والزوجة والابنة، هي مصنع الأسرة الصالحة، هي مربية الأجيال، هي صانعة الحضارة، هي الأصل، وما نحن إلاّ فروع من هذه الشجرة العظيمة، هذا ما تعلّمناه، أو هكذا قِيل لنا.
أتساءل كما يتساءل الكثير من الناس عن هذا التكريم، أين هو؟ لا شك في عظمة الخالق ودينه القويم، حيث أننا لم نرى هذا التكريم الذي شبِعنا منه سجعاً وشِعراً ونثراً، شبِعنا منه في حصص التعبير عندما قالوا لنا اكتبوا عن "الأم"، اكتبوا عن المرأة في الإسلام. كتبنا الكثير، وقرأنا أكثر، وما قرأناه ونقرأه يومياً ونسمعه في الإذاعة وفي الكتب الصفراء هو أن المرأة "ضعيفة" مسكينة، عاطفية، سهلة الانقياد، ومدخل الشيطان، وهي العار الذي نخشاه وهي مدخل الشر والبلوى في المجتمع، وإن اجتثاث الإسلام يبدأ بفسادها، ولهذا فهي الهدف الأكبر "لأعداء الإسلام" من اليهود والنصارى.
تكريمنا للمرأة بدأ من قبل الولادة، فما أن يعرف الأب بأن زوجته حامل بأنثى "والذكر غير الأنثى"، قام بتطليق زوجته الحامل، لأنها "ملعونة" لا تحمل إلاّ بالبنات. طبيبة نساء وولادة ترفض أن تقول جنس الجنين، وكان السبب ما حدث لها حين أخبرت الزوجين بأن الجنين أنثى، فطلّق الرجل زوجته في العيادة قبل أن يخرج، ومنذ ذلك اليوم ترفض الطبيبة الحديث عن جنس الجنين.
تلد المرأة فتاة كالقمر، فيتغير وجه الزوج وكأنه سقط من شاهق، أو ركبه العار لأن المولود أنثى، وكلما تحدّثت زوجته، أعاد على مسامعها "أم البنات" وكأن الزوجة هي المسؤولة عن جنس المولود. مسكية هذه الأم، تلد أنثى أخرى، وأخرى، والنتيجة طلاق في آخر النفق، أو شتم وسب كل يوم ووابل من الكلام الذي يُفتّت الصخر من إهانات لأنها ولدت أنثى.
مسكينة هذه الطفلة لا تحظى بالاهتمام مثل أخيها، فهو يخرج للعب وهي طريحة البيت، تغسل وتطبخ وتكنس، وكأن قدرها هو ذلك. البعض يُبرر هذه الأعمال العنصرية بقوله إنها في مصلحة "البنت"، فهو يخجل أن يقول اسمها، ويتنحنح، وكأنه يقول فِسقاً وفجوراً. ما أن تكبر قليلاً، ولا أعني سن المراهقة، بل أعني سن الطفولة، وإذا بالكيس الأسود يلمّها من أعلاها إلى أسفلها، فهي الآن "امرأة"، فلا ترى الطريق أمامها ولا تستطيع التحرك مثل أي طفل، وما أن تنطق بقول إلاّ وسيوف "الدين" خلفها تتهمها بأنها الآن أكبر من ذلك، ولا يجوز لها أن تقول هذا أو تفعل ذاك.
فقدت طفولتها، والآن يتم التعامل مع هذا الكائن الصغير "الطفل" على أنه "بالغ عاقل" ويمكن أيضاً أن يتم تزويجها؛ فالزواج المبكر هدف كل "الرجال"، خاصةً رجال الدين، فهم يحثّون على زواج الفتاة قبل سن العاشرة، مستدلين بحديث بأن الفتاة ما تحيض إلاّ في بيت زوجها. أحاديث ليست فقط مكذوبة، بل تُثير الاشمئزاز لما فيها استهانة بالإنسان واستغلال الأطفال وكأنهم في سوق نخاسة. كيف لطفلة في التاسعة من عمرها أن تتزوج؟ ولماذا؟ ربما خوفاً عليها، أو منها، خوفاً من أن تنحرف و"تنكّس رأس العائلة" وتمرّغ شرف العائلة، ربما تستخدم أساليب "غير سوية" للوصول للمتعة واللذة، لهذا يجب الإسراع في تزويجها، حتى لو عنى ذلك تزويجها من رجل في عمر أبيها، أو حتى شاب "منحرف" أو "مخبول"، أو "متخلّف" أو حتى جاهل لا يفقه شيئاً؛ المهم أن تتزوج! من الأقوال الشائعة التي تتردد في المجتمع، بأن هذا الولد "طايش"، سيعقل "إنشاء الله بعد الزواج"؛ وطبعاً على الفتاة أن تدفع ثمن "تعقيله"! وإذا لم يعقل، وأشبعها ضرباً وشتماً ليل نهار؟ وإذا لم يتوقف عن تصرفاته الهوجاء وسهراته وشربه؟ لماذا على الفتاة أن تدفع الثمن، خاصةً وأنها تحتاج لمن يحتضنها ويُعلّمها، لأنها هي طفلة وليست في موضع "المعلّم"؟
في المدرسة، عفواً في السجن، ممنوع لبس "عباءة" كتّافي، أو وجود أي لون فيها، أو إحضار جوال، أو عطر، أو أي نوع من مواد التجميل. طبعاً التفتيش الفجائي يتم بشكل كبير، حتى في حاجياتهن الخاصة وملابسهن الداخلية. ووصل التدقيق على "النقاء والطهر" إلى خارج المدرسة، فتقف معلّمة من أتباع "الفرقة الناجية" لتتأكد من أن الطالبات يُغطين نقاباتهن، والتي لا تفعل يتم تسجيل اسمها ليتم "شرشحتها" صباح اليوم التالي. حتى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تتدخل في حياتهن داخل المدرسة وخارجها، فالتعهدات بأنهن قرأن التعليمات الخاصة بخروجهن بأغطيتهن السوداء، حتى النقاب يتم تغطيته، فتمشي "كالعمياء في الظلماء" تحتاج لمن يقودها. فالفتاة مُتّهمة بأن لباسها يشابه "النصارى واليهود" أو أن لباسها به تشبه بالرجال، إضافةً إلى أن أين نوع من قص الشعر حرام، لأن به تشبّه بالكافرات، كما بيّنت ذلك الأوراق المعلّقة في كليات جامعة الملك سعود بعليشة، فماذا بقي لها أن تلبس؟
كذبوا وقالوا بأنها "مكرّمة مُعزّزة"، فهي لا تملك حتى بطاقة تعريف، ولا تستطيع الدراسة في الجامعة دون إذن "ولي أمرها"، بل لا تستطيع حذف أي مادة دون إذنه، ولا تستطيع الخروج من "سجن الكلية" دون ورقة من ولي أمرها، ولا تستطيع العمل أيضاً دون إذنه، وإذا عملت يستطيع طردها في أي وقت. هل تستطيع المرأة وحدها أن تراجع مؤسسة حكومية؟ أو تستخرج تصريحاً لعملٍ ما؟ أو تفتح حساباً بنكياً دون أوراق ثبوتية "من ولي الأمر"؟ بالطبع كلا، فهي نكرة دون "ولي الأمر" حتى و إن كان ابنها المراهق هو"ولي أمرها".
في الوقت الذي ساعدت وسائل الاتصال على جعل هذا الكون الفسيح أصغر من أن يتخيله الكثير منّا، ترى "أهل الحل والعقد" مستمرين في استثناء المرأة في كل شيء، حتى أنّهم يحاربون كل قرار أو فكرة أن تنال المرأة جزءاً من حقوقها، وبعض هذه الحقوق جداً تافهة، ومخجلة، مثل بطاقة أحوال، أو حتى حق قيادة السيارة، أو المشاركة في الانتخابات "التافهة" مثل الانتخابات البلدية، أو أن تكون عضوة مجلس شورى "صوري لا يهش ولا ينش".
بسبب هذه القوانين "الذكورية" الشاذة، تم امتهان المرأة واستغلالها واستغلال حاجتها أبشع استغلال، ولهذا فالمرأة لا تملك سوى أن تتنازل عن حقوقها، واحدة تلو الأخرى، إمّا خوفاً أو طمعاً في الحصول على رِضا "ولي الأمر" حتى لا يُفسد عليها حياتها ومستقبلها، ويجعلها تعيش أياماً سوداء، أسود من الليلة الظلماء نفسها. لذلك لا يُريد "الذكور" التخلّي عن هذه "الحقوق" المتوارثة، خاصةً وأنها تتم باسم الدين والطهر والعفاف، وأن تلك القوانين "الإلهية" ما وُجِدت إلاّ لحمايتها وتكريمها والحفاظ عليها، إذا ما قارنت نفسها بنساء "الغرب الكافر المنحرف". ولهذا أيضاً يستمر مسلسل القبح في نشر ما يحصل للمرأة من السلبيات في بلاد "الغرب الكافر" من قتل واغتصاب واعتداءات جسدية، وكأنه لا يوجد في الغرب إلاّ هذه الأمور، وكأن المرأة في بلادنا تعيش في "جنّات عدن"، وأنها بين خيارين لا ثالث لهما، إمّا الاغتصاب والقتل، أو الدفن داخل البيت.
وكما قيل "كثر الطق يفك اللحام" وأيضاً "اكذب اكذب حتى يصدّقك الناس"، فصدّقت هذه الأكاذيب العديد من النساء، وأصبحن خط الدفاع الأول عن أسيادهن من "الذكور الآدمية"، وأن المرأة ما خُلِقت إلاّ ليتم استعبادها باسم الدين وباسم القوامة وباسم القضاء على الفحش والفساد. فلا غرابة أن ترى النساء أول من يُدافع عن المتطرفين، وأول من تسابق للوصول إلى محاضرات المنافقين من "الدعاة" وكأن على رؤوسهن الطير؛ وربما ساعد على ذلك انخفاض التعليم عند المرأة كماً وكيفاً (بمباركة أهل السلف الذين حرّموا الدراسة إلاّ إذا كانت في التخصصات الشرعية) مما فاقم مشكلة المرأة نفسها. فالعديد من النساء بدل أن يدافعن عن كرامتهن ويطالبن بحريتهن وحقوقهن المسلوبة، تراهن يُطالبن بالعكس ويتحدثن وكأنهن لسان جلاّديهن، عفواً "ولاة أمورهن".
لقد تم القضاء على المرأة، فهي تعيش مع الرجل في العصور الوسطى، أو مرحلة الجاهلية قبل الإسلام، فتم دفنها حية، ولكن هذه المرة تحت راية الدين "السلفية" التي شوّهت عدالة الخالق سبحانه وتعالى وشوّهت الدين الإسلامي. فماذا نحن فاعلون يوم القيامة، يوم يكون السؤال ليس عن الجاهلية القديمة، بل عن الجاهلية الحديثة؟ ماذا ستقول المرأة، ونحن أيضاً، عندما يواجهنا الخالق يوم القيامة بقوله "بأي ذنبٍ قُتِلت".