نساء ضد النساء



لطيفة الشعلان
2005 / 4 / 6

في معارك النساء الحديثة لا مكان للدموع مع أنها كنز لايفنى، بل هي القذائف والصواريخ التي تتساقط على الرؤوس وتمر من بين الأرجل حتى يظن الجاهل القيامة قد قامت. ذلك ما ستخرج به وأنت تتابع الحملة الشرسة لبعض الناشطات الأردنيات في حقوق المرأة، ضد نورما خوري، التي صدرت الطبعة العربية من روايتها قبل فترة وجيزة تحت عنوان شرف ضائع (الحب والموت في الأردن). فرئيسة الإتحاد النسائي الأردني (فرع البلقاء) مثلا في صيحة اهتزت لها الأردن وماجاورها، طالبت الجميع بالتصدي لنورما وروايتها المسيئة، خاصة بالذكر الناطق الرسمي للحكومة والسفارات الأردنية في الخارج ّ!ّّ فسبحان من أسمع البعيد، كبثينة شعبان، التي وضعت الرواية في سياق التشهير بالثقافة العربية وإتهام العرب بالإرهاب، كعادتها المباركة في الدفاع عن الحمى. الأخرى، وهي الأمينة العامة للجنة الأردنية الوطنية لشؤون المرأة، رأت ان قضية نورما خوري هي "من شأن السلطات في المملكة " وهذه طرفة لم تنتبه لها الناشطة في الحقوق التي تهدد بعصا الدولة، فنورما الأميركية من أصل أردني، والمقيمة في بلاد الأحلام السعيدة، لاسلطة للسلطان عليها.

على الرغم من ان شعراء وكتاب يصنفون في أطر تقدمية وحداثية، قد استبسلوا في الهجوم على نورما، وتخوينها والتحريض عليها، حتى ان بعض الصحف خصصت افتتاحياتها لها، إلا ان موقف الناشطات في حقوق المرأة، يحمل مفارقة سافرة. فمن يحملن اليافطات في تظاهرات شوارع عمان احتجاجا على جرائم الشرف والعقوبات المخففة لمرتكبيها في القانون الأردني، هن من يترافعن في الوقت ذاته ضد نورما خوري التي استلهمت روايتها من هذا القعر. فمفردات المثقفين التقدميين والناشطات تنهل من نفس قواميس مناوئيهم. تعابير مثل التنكر للأعراف والتقاليد وسنة سلمان رشدي غير الحميدة والحرب المشبوهة وقبض ثمن الولاءات التي جاءت على لسان (مثقف) كـ موفق ملكاوي في هجومه الناري على نورما، هي التهم التي يستخدمها المنطلق من فكر أصولي أو قبلي في دمغ الناشطات والمثقفين في تلك السجالات الدائرة. تناقض أو تبادل للأدوار من صميم خصوصيتنا العربية.

إن رقم ضحايا جرائم الشرف حسب احداهن "لايتجاوز عشرين سنويا، ولايستحق التشهير بنا". ونورما "تدعي أرقاما خيالية" كما تقول رئيسة الاتحاد النسائي الآنفة الذكر. لكن قيمة الإنسان لاتتغير، قتل عشرة مثل قتل مائة مثل قتل ألف، وهل يجب ان تقتل النساء يوميا حتى يمكن لنورما خوري ان تكتب روايتها؟ وأي تشهير سيكون في عالم يرصدنا بالأقمار والصحافة وتقارير الهيئات الدولية، ويعرف عنا أكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا؟ كما ان النشر في الغرب، الذي يثير حساسية البعض، خاصة إن كان المنشور يطرق بعض الجوانب الثقافية والاجتماعية الدقيقة، هو مجرد خيار شخصي لاينبغي ان يساءل عليه أحد، ولا ان يتخذ ذريعة لمحاكمة النوايا، وأحيانا هو قرار تفرضه عوامل كالعيش واللغة. رقص السكارى فرحا لسحب الناشر الاسترالي للرواية من السوق، لايلطف مقدار حبة خردل من واقع اجتماعي تجز فيه بسكاكين المطابخ رقاب عشرات النساء، لا رقبة (حرمة) واحدة هي بطلة نورما خوري. أما كون نهر الأردن يمر بعمان أو لايمر، وان الكويت تقع على حدود الأردن أو لاتقع، وكون نورما لم تعش في بلدها الأصلي، ولم تصادق فتاة اسمها داليا، لتشهد فيما بعد مصرعها في جريمة شرف، كل هذا لايغير شيئا من ظاهرة جرائم الشرف، التي ترتكب بدم مثلج، وتذهب فيها النساء كالنعاج.

لقد تصدت إحدى الناشطات لمهمة مشوقة تمثلت في رصد أكثر من سبعين خطأ وقعت فيه الرواية، أكثرها في جغرافية الأردن. حتى صالون الحلاقة المسمى "إن أند دي" وجد من ارتدت نظارة سوداء وذهبت كالمخبرين في الأفلام المصرية للتأكد من وجوده في المنطقة المعنية، في زمن الأحداث التي تقصها الرواية. على أي حال، لاأبغي مما أقوله التقليل من خطأ الكاتبة حين ادعت انها تكتب رواية تسجيلية لتتراجع فيما بعد، لكن زعمها ذاك يظل مشكلتها الشخصية مع الناشر، ولايمس بقيمة الرواية في حد ذاتها. زاوية النظر ينبغي ان تذهب صوب طبيعة الفن الروائي الواقعي وحدود المتخيل فيه، لست ممن يفترضون أو يحبذون الروايات التسجيلية الصرفة. نورما كتبت قصة واقعية تحدث بتواتر وبتنويعات متقاربة، إن في داخل الأردن أوخارجه من بقاع العالم العربي والإسلامي. حتى لبنان السباق في تمدينه مقابلة بغيره يعرف جرائم الشرف. والظاهرة امتدت كذلك لبعض البلدان الأوربية التي تضم جاليات مسلمة. جرائم الشرف التي تمثل قمة انتهاك حقوق النساء لايختص بها الأردن وحده، وإن كان الأشهر على هذا الصعيد، لإتساع الظاهرة في بلد صغير عشائري يعرف بعضه بعضا، من ناحية، ولوجود شكل ما من الشفافية يسمح بالتداول العلني للمشكلة، من ناحية ثانية. الذي أقصده ان الخليج مثلا، قد لا تكون حظوظ البائسات فيه أفضل، لكن الاحصائيات والتقارير تغيب، والشفافية في بعض بلاده قد لاتسمح حتى بالمناقشة العلنية لتردي أوضاع منتخبات كرة القدم، فما بالك بالنحر. وتبقى لنا الشواهد النادرة التي تفر لبياض الصحف وينغرس ألمها في أقصى الصدر، كالكويتي الذي فصل قبل بضعة أشهر رأس ابنته التي لم تجاوز الثالثة عشرة عن جسدها بعد عودته مباشرة من الحج ! ليثبت الطب الشرعي فيما بعد ان يدا لم تمسسها.

انتفاضة الناشطات الأردنيات وعزفهن على أوتار الوطنية والقيم والخارج وعقوق الأبناء يضع مبادئهن التي طالما بشرن بها في اختبار عسير. فحقوق الانسان لا شأن لها بهذه المفاهيم المعطوبة التي تستخدم عادة لتبرير القمع والانتهاك، بل وللحد من نشاطاتهن الحقوقية وتطويقها. جريمة الشرف التي يجرمها الإسلام قبل الموائيق الدولية هي جريمة الشرف، سواء وظفتها نورما خوري في رواية نشرتها راندوم هاوس، أو تحدثت عنها أمل صباغ في ندوة دارت في عمان.