المحكمة الشرعية و ازدراء المرأة في الإسلام



سونيا ابراهيم
2013 / 3 / 15

"لا أحد يروي الحقيقة بقدر من الضجر، و الألم سوى الضحية الواعية لحقيقة الأمر، و المهمّشة بفعل الواقع المُظلم عن العيون الراسخة !"

في إحدى زياراتي المشئومة للمحكمة الشرعية لأنهي قضية عائلية، رأيت ما لا تراه العين، خلال أربع ساعات أنهيت فيها إجراءاتي الضرورية، و سمعت قصصاً، و رأيت واقعاً أكثر من مخزٍ. لا تستطيع المواطنة الفلسطينية أن تأخذ مسار قضاياها النسوية بعيداً عن مرأى المجتمع العربي ككل. الأمر واضح مثل الشمس، حتى المحاميات الوحيدات، اللاتي يعملن في تلك المحكمة الشرعية، يلتزمن بقوانين ذكورية مستمدة من سلطة تشريعية دينية، لا همَّ لها سوى التحكم بحياة المرأة، و اعطاء صكوك الغفران، و السماح لكل ما يرتكبه الرجل الفلسطيني. الغريب في أمرنا في هذه الأراضي المحتلة، أني لم أجد أي من المحاميات يحاولن الخروج ببرامج جديدة لمعالجة هذا العجز، و البؤس الذي تفرضه المحكمة الشرعية على واقع المرأة الفلسطينية. في فترة حكم جماعة الاخوان المسلمين-حماس فُرِض على المحاميات ارتداء الحجاب، و إن لم يكن هناك قانوناً دستورياً ينص على ذلك، إلا أن معظم المحاميات انصعن للمسار الذي أخذتهم به هذه الحكومة الجديدة عموماً. لذلك لن يكون الأمر غريباً لو أننا شعرنا بالأسف و نحن المواطنات الفلسطينيات العاديات وضعنا آخذ بالاستياء؛ بسبب رضوخنا لحكم جماعة الاخوان المسلمين منذ أكثر من ست سنوات، و التي تروج لفكرها بواسطة جناحهاالعسكري، الذي هو عبارة عن دعاية إسلامية ترويجية، لا تمت للأخلاق بالصلة فيما يتعلق بممارساته في قمع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الحصار و قمع الحريات في غزة.

****
- هل يتشابه الجيش السوري الحر بقمعه، و لاأخلاقيته بكتائب عز الدين القسام؟ المقارنة بين الظروف المختلفة بين البلدين هي ليست صحيحة بالتمام، و الكمال، و لكن الصور للإنتهاكات متشابهة، و الجيش السوري الحر إذا استمر على هذه الحالة، و بسبب الظروف التي يقدرها الجميع بسوريا الحراك الشعبي، فإنه سوف يسبب مزيداً من الإجحاف، و الكراهية بحق المواطنين السوريين على مختلف اتجاهاتهم، و حتى انتماءاتهم السياسية.
-السؤال الذي قد نسأله، و نحن نعتبر أن بات متأخراً عليه: "هل كانت السلطة الوطنية الفلسطينية أكتر اهتماماً بقضايا المرأة؟؟" -الجواب الذي صرنا نعرفه سوياً:" أكيد لا!!"

****
فشل مؤسسات المجتمع المدني في غزة في دعم القضايا النسوية، ولجوئها إلى مخاتير العائلات قد يبدو خطأً ليس فادحاً مقارنة بعقليات المحامين/المحاميات، الذين يقبلون بتقنين روح القانون في المحكمة الشرعية إلى أحكام ظلامية، لا تحترم المواثيق الدولية لحقوق المرأة و الطفل.
و الآن إليكم بعض القصص التي لا تقل واقعية عن مرارة حياة المرأة الفلسطينية:
- قانون الزواج في المحكمة الشرعية يسمح لقاصرات في أقل من سن الخامسة عشر بالزواج، بينما لا يسمح لهن القانون بأخذ أي اجراءات قانونية للمطالبة بحقوقهن في الميراث.
- قانون المحكمة الشرعية يمنح المرأة نصف نصيب الرجل في الميراث، و ما زالت حتى هذه اللحظة بعض المحاميات يخجلن من المطالبة بحقوقهن المؤجلة؛ لاعتبارات اجتماعية و دينية متشددة.
- قانون المحكمة الشرعية لا يجرم أي جريمة شرف؛ بل على أسوأ الأحوال قد يعطي حكماً مخففاً غير مطالب به من أهل الضحية !
- قانون المحكمة الشرعية لا يعطي المرأة المطلقة حقوقاً في الشقة، و حقها في زيارة الأبناء قد يذهب في أدراج الريح إن كان الزوج السابق غير متفهماً.

****
الكثير من الأقلام الشريفة في الوطن العربي تحدثت عن قلقها، و شعورها بالعار من الشيوخ الذين يتزوجون بفتيات سوريات، بمهور قليلة، و يطلقوهن، و كأنها بيعة و شراء، و الكثيرين لاموا ظروف القهر، و الظلم التي دفعت العائلات السورية الفقيرة للقبول بهذا الأمر الذي لا خيار لهم فيه، و لكني أتساءل عن غياب المثقفين الفلسطينين فيما يحصل في الأراضي المحتلة، و أتساءل عن أقلامهم التي لا تنقط حبراً إلا من أجل أن تكتب أشعاراً، و قصصاً خيالية دون أن يكون لهم أي رواية عادلة في القضايا الإنسانية الأخرى!!
في المرة الوحيدة التي زرت فيها المحكمة، و لم أكف عن البكاء الصامت حينها، وجدت فتيات مجرورات بجلابيب آبائهن، لا يعرفن معنى لأي كلمة في اللغة العربية سوى: حاضر، نعم، سأفعل..
- لماذا نحن الفلسطينين لا نتذكر سوى ليلى خالد، و دلال مغربي من الفلسطينيات عندما يتعلق الأمر بمقاومة الاحتلال، بينما لا نجد الكثير من الأسماء النسوية، التي ترفض الجهل، و القمع الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال؟ مقابل كل قطعة أرض ينهبها الاحتلال الصهيوني، نجد هناك العديد من القضايا التي تخسرها المرأة الفلسطينية بسبب نظرة المجتمع، و قوانين الشريعة التي لا تعترف بحقوق المرأة كحقوق الانسان؛ و مقابل كل عنف يمارسه جيش الاحتلال الاسرائيلي، هناك المزيد من ضحايا الاستغلال، و العنف الأسري ضد المرأة الفلسطينية؛ ومقابل كل ضحية تسقط بسبب ظلم الاحتلال، و عدوانيته نجد الكثير من النساء الفلسطينيات الغائبات عن الوعي، يفقدن دعم المجتمع في حال استيقظن من الغيبوبة.. الضحية هي الضحية، و الظلم متكرر..

لا أعتقد أن الرجل الفلسطيني هو عدو المرأة؛ بل أعتقد أن الظلم، و الجهل هما أكبر أعدائه. لا أعتقد أن الرجل الفلسطيني وحده قادراً على مواجهة هذه العنصرية الصهيونية إذا لم يكن لدينا نظام مراقبة، و ممانعة ضد ظلم الفئات المهمشة- النساء و الأطفال- في المجتمع، و لا أعتقد أن الرجل الفلسطيني قد يساعد المرأة الفلسطينية في المطالبة بحقوقها بالمساواة إذا لم يبدأ بنفسه بإلغاء هذه العقد المجتمعية، و التفرقة الجندرية ضد النساء الفلسطينيات.. ولا أعتقد أن مخاتير العائلات، و لا ممثلين/ممثلات الشعب الفلسطيني قادرين على الأداء الحكومي- السياسي في قضيتنا الفلسطينية دون إعطاء أولوية لهذه النظرة المستقبلية التي تلغي دور رجال الدين، و المحكمة الشرعية في التحكم بمصير المرأة، و المجتمع الفلسطيني.