أخلاق -حرة- ؟ -حب حر- ؟



مازن كم الماز
2013 / 3 / 15

مهما بدت الحرية جميلة , مثيرة , أو مرغوبة , فإن إضافتها إلى أي من الأخلاق , الحب أو الأسرة , أي إلى الجنس في نهاية المطاف , من أكثر الأشياء استفزازا بالنسبة لغالبية البشر , و أحد أخطر التهم جدية التي تستفز استنكار غالبية السامعين .. وطن حر ؟ يبدو وقع الكلمات أكثر من رائع , بل و حماسي , أو ملحمي .. فرد حر ؟ لا بأس بذلك عند بعض البشر لبعض الوقت .. لكن المشكلة تبدأ عندما سيدور الحديث عن المرأة : لا توجد كلمة تستفز معظم الرجال , و حتى النساء , من وصف امرأة ما بأنها حرة .. لسبب ما تبدو بعض الكائنات , بعض العبيد , غير جديرين بالحرية أبدا .. تبقى الممارسة الجنسية الأشيع في الحالة العادية هي العادة السرية , طبعا لكثرة المحظورات و المحرمات التي تحاصر إشباع الرغبة في العالم المعاصر عند الغالبية العظمى من البشر : العادة السرية هي النتيجة الضرورية و المنطقية للجوع الجسدي السائد في مجتمعاتنا , الناتج عن إدانة المتعة و ربطها بمشاعر و عقد الذنب من جهة و عن سوء توزيع المتعة بين البشر من جهة أخرى .. يليها في الشيوع الجنس الروتيني الممل , الذي يمارس غالبا بهدف التكاثر فقط , هذا الجنس الذي يحاول تقنين الشبق و الرغبة لأدنى درجة ممكنة في فعل شبق بالفطرة كالجنس , هذا هو "الجنس" الذي تمتدحه الأخلاق السائدة و تحاول تعميمه أو فرضه على الجميع .. يضاف إلى ذلك التحرش الجنسي الجماعي أو الفردي , حالة انفلات الغرائز من أعماق و غياهب كبتها بشكلها الفظ .. قد يعني هذا الكلام أن الإنسان البدائي الأول الذي لم يعرف عمليا تلك التابوهات كان يمارس الجنس على نحو أفضل منا , كان أكثر حرية منا على الرغم من بدائيته , أو ربما بسببها .. هذا أيضا ما قاله فرويد عندما اعتبر أن ثمن الحضارة كان قمع الغريزة الجنسية عند البشر , قمع تلك الغريزة أدى من جهة إلى تساميها ( المزعوم ) إلى أديان و أخلاق و أفكار الخ , لكنه أيضا أنتج القلق الناتج عن عدم إشباعها بشكل حقيقي .. رد عليه هربرت ماركوز بأن المشكلة ليست في الحضارة ذاتها , بل في هذه الحضارة بالذات .. تقوم المجتمعات السلطوية الأبوية الحالية على مركزية تقسيم البشر إلى سادة و أتباع ( إن لم يكن عبيد ) .. لكن الحب ( و الفعل الجنسي بشكله الشبق , الغريزي أو الفطري ) لا يمكن أن يكون علاقة بين سيد و عبد .. في الحب أو الجنس , بشكله الطبيعي , يتبادل الحبيبان موقع السيد و العبد , أو يكون كلا منهما عبدا للآخر .. إننا إذن عندما نتحدث عن حرية الإنسان , فإن حرية جسده ليست موضوعا زائدا أو ثانويا , إنه لا يقل أبدا , و حتى لا ينفصل عن تحرير روحه .. يمكن قياس درجة حرية البشر في مجتمع ما بمعايير عدة , إن صح أن الحرية هي حالة قابلة للقياس الكمي , أحد تلك المعايير الممكنة , و ربما أحد أهمها , هو درجة الجوع الجسدي عند أفراد ذلك المجتمع , أي درجة شيوع العادة السرية كوسيلة لتلبية الرغبة , كتعبير عن ذلك الجوع الجسدي .. لذلك تذكر في المرة القادمة التي تحاول فيها أن تحاكم الآخرين وفقا لوصفتك الأخلاقية الخاصة , تذكر أن تلك الوصفة هي ما تختاره أنت لحياتك , لا للآخرين , تذكر أن تحاكم أفعالك أنت وفقا لتلك الأخلاق التي تؤمن بها أو تزعم أنك تؤمن بها , أن هذا هو تعريف حريتك أنت , كما أنه أيضا تعريف حرية الآخرين .. هذا لا يعني أنه لا يفترض أن يوجد قاسم مشترك بينك و بين الآخرين , ناظم للوجود الإنساني , لكل تفاعل أو تماس بينك و بينهم , و أن هذا "السائد" يجب أن يكون أخلاقيا و إنسانيا أيضا , لكن في مجتمع حر فإن هذا يعني ألا يقمعك أحد , ألا يسرقك أحد , ألا يستعبدك أحد , أي أن تكون سيد نفسك , تماما مثل كل الآخرين .. تذكر أن هذا يعني أن أجساد الآخرين هي ملك لهم , تماما كما أن جسدك ملك لك وحدك .. تذكر أنه عندما يتمتع البعض فقط بالحرية , لدرجة فرض آرائهم على الآخرين , أن يكونوا سادة عليهم , أن هذا بالتحديد هو غير الإنساني و غير الأخلاقي , لا العكس