هل تكره بعض النساء الفلسطينيات أنفسهن؟



سونيا ابراهيم
2013 / 3 / 18

" المرأة الفلسطينية ليست ملاكاً مُنزلاً من السماء، بل هي مواطنة مسئولة، يقع على عاتقها أضعاف ما يقع على عاتق الرجل الفلسطيني بسبب ازدياد التطرف الديني في المجتمع، و ذكورية عاداته و تقاليده، و التفرقة الجندرية في كل حقوقها كمواطنة في الإرث، الشهادة، الزواج دون ولي أمر، و تولي مسئولية أمورها منذ أن تصبح إنساناً بالغاً عاقلاً"..

-من الذي جعل بعض النساء الفلسطينيات يتحولنّ ضد أنفسهن؟

في رد تهكمي ساخر، يعلق بعض الرجال الغزيين على سوء الأوضاع: أنتن سبب المشكلة، غالبية الأصوات التي حصلت عليها حكومة حماس- الاخوان المسلمين، جاءت من النساء..
و لكني أتساءل هنا أيضاً: من الذي غطى المرأة، و اقتصر دورها على تربية الأبناء، و التبعية سوى مجتمعكم الذكوري، و شعورها بحاجتها للتغيير ضد فساد سلطتكم؟
جاءت غالبية الأصوات لحكومة حماس من النساء؛ بسبب غياب الوعي، و الشعور بالعجز عن التغيير؛ ففشلت المرأة الفلسطينية بسبب تغييبها عن الوعي في مجتمعها العربي-الفلسطيني، و اختارت البديل المتشدد المتزمت نتيجة احباطها، و فقدانها القدرة على التمييز بين الأمور لصالحها، و ليس ضدها.

****
بعض النساء اللواتي يدافعن عن الرجل الفلسطيني المسكين البرئ، المضطهد مثله مثلها لأسباب باتت تراميدية كلنا نعرفها، يقلن: الرجل الفلسطيني ضحية مثله مثلنا، و هو يدافع عن الأرض الفلسطينية، يصورون لي حالة مضحكة، و مبكية في آن واحد، و يقولون من هم ضد المرأة الفلسطينية هم ذكور، و ليسوا رجالاً؛ على أي أساس يبنون ادعاءاتهم؛ فهل يمكن أن نقول لرجل السياسة المسئول أنت "ذكر" السياسة – بطريقة راديكالية؟ أم لرجل الدين أنت "ذكر" دين؟ ما هو التفسير السوسيولوجي، و السيكولوجي لكل هذه المحاولات؟
كثرة التبريرات لظلم مجتمعنا السلطوي- الأبوي هو أننا نقول من يخطئ بحق المرأة هو ليس رجلاً؛ بل ذكر، و لكني أعتقد أن المفهوم الصحيح، الذي يجب أن نعطيه لهذا النوع من الرجال هو: رجل سادي. السادية، و السلطوية تختلف عن المنحى الذكوري للرجل عندما نسمي الأشياء على حقيقتها في المجتمعات العربية، و اظهادها للمرأة!

ما يحصل على أرض الواقع، هو بعيد كل البعد عن هذه الادعاءات الساذجة الغير مضحكة على المدى القصير، الرجل- اذا اعتبرناه "ذكراً" حسب هذه الادعاءات- هو سيكون غبياً و مازوشياً في حال قبوله بهذه الحالة المزرية من الاستغلال، و القمع من حكومته ضد نساءه و أبناءه قبل حتى مقاومته لأعداء الوطن. الرجل الذي يخرج للمجتمع، و يحصل على كافة حقوقه من المجتمع العربي، و يهين المرأة يحصل على كل الاحترام من المجتمع؛ لذلك هم يسمونه رجلاً، و هو في المنزل يهين زوجته و يفرق بين الابن و الابنة؛ بسبب موروثاته المجتمعية، و عقده التي تربى عليها!

****
بعض الأصدقاء المنحازين للقضية الفلسطينية يعتبرون أنه في حال تحررت الأرض الفلسطينية- أي بعدما تتفق فتح و حماس على إتمام المصالحة، و بعد إجراء الانتخابات، و بعد الانتفاضة الثالثة المرتقبة، و بعد طرح حلول لعودة اللاجئين الفلسطينين، و بعد كل هذه السنين الطويلة، بعد أن نسعى و نتفاءل خيراً بانتهاء الاحتلال الصهيوني العنصري، و إنكار الواقع المجحف بحق النساء العربيات، و الفلسطينيات المثابرات – على وجه الأخص- سوف تحصل المرأة الفلسطينية على حقوقها؟؟ اذاً هم بواقع الأمر يتجاهلون دوراً مهماً تقوم به المرأة الفلسطينية، التي تكمل مسيرة والدها، زوجها، ابنها الأسير، و الشهيد، و الجريح في سبيل مقاومة الاحتلال..

****
-بماذا كانت تفكر النساء الفلسطينيات اللواتي حصلن على نطف من أزواجهن الأسرى؟

في واقع الأمر لم يحصل في المشهد السياسي الفلسطيني الأخير أي محاولات مجدية سوى محاولة الأسرى الفلسطينين الباسلة بإنهاء الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، و قيامهم بالاضراب عن الطعام من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة لمدة شهور طويلة لا يحتملها إلا الأبطال الأقوياء، و حتى هؤلاء الأسرى الشرفاء لم يحظوا بتغطية إعلامية، أو اهتمام من المسئولين الفلسطينين المتقاتلين على الحكومة، بدلاً من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، و مطالب الشعب الفلسطيني!

هؤلاء النساء الفلسطينيات الشجاعات اللواتي يصبرن، و يقاومن معنوياً و نفسياً في غياب أزواجهن الأسرى، و يتحملن قهر الاحتلال، و يراقبن بحسرة و ألم تدهور المشهد السياسي الفلسطيني بسبب الانقسام، و تبعاته، من يفكر بهن، أو بأطفالهن؟ هن اللواتي سيكملن الطريق، و هن اللواتي سيرضعن أطفالهن حب التضحية، و الفداء في سبيل الوطن؛ مَن مِن رجال السياسية، و ممثلين/ ممثلات الشعب الفلسطيني يفكر بأبناءهن، و مستقبلهن.. من سيعوضهن في هذا المجتمع القابع تحت الاحتلال، و الذي تخضع فيه المرأة الفلسطينية لعادات، و تقاليد المجتمع الذكوري عن صبرهن؟

****
-هل سينهض المجتمع الفلسطيني بإنتفاضة فلسطينية ثالثة؟

هذه هي الفكرة البطولية، و الثورية لكل من يحب أو يشجع الحرية و العدالة، و لكني على أرض الواقع من غزة أرى أن الشعب الفلسطيني تحت الحصار، و قمع الحريات في غزة سيجد فشلاً ذريعاً في التنظيم لأي نوع من الحراك الشعبي، حتى أن أي جهدٍ تقدميٍ لأبناء الشعب الفلسطيني لن يكون له أي تواجد حقيقي، ليس بسبب التباعد عن أهداف القضية الفلسطينية؛ بل بسبب التناول الاستراتيجي لسياسة حماس في كل ما يخص القضية الفلسطينية، و أبعادها منذ الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، و منذ الحصار المفروض على غزة.. ليس حصار اسرائيل وحدها فحسب؛ بل قمع الحريات، و تجهيل الشعب، و السير به إلى العصور الظلامية المتشددة..
تكره بعض النساء الفلسطينيات أنفسهن؛ بسبب وجود رجال ساديين يعكسون نظرتهم التشاؤمية للمجتمع الفلسطيني في حال أخذت المرأة الفلسطينية منحى تقدمياً، ثورياً يختلف عن اتجاهاتهم الذكورية، و بلطجتهم العنجهية تحت اسم المقاومة، و الدين!

****
في آخر مقالتي أقتبس ما قاله أحمد فؤاد نجم:" مرسي تمكن من فعل شئ لم يستطع الصهاينة فعله علي مدي التاريخ وهو أن تكره مصر فلسطين "!! أقول باختصار و تمعن شديدين: حكومة حماس هي المؤهل الوحيد لترشيح مثل ذلك أيضاً..