حفيدتي تمردى لتُبدعي.



محمد حسين يونس
2013 / 3 / 23

لا أعرف لماذا أوجه خطابي دائما لحفيدة (مُتـَخَيَلة ) ينجبها الابن (عمرو) ..لقد أهديت لها مع مطلع القرن الحادى والعشرين كتابي (طلسمات مصرية ) ومنحتها اسم ربة العدل والاستقامة (ماعت ) والان أخاطبها باسمها الجديد (كارما ).
هل يشير هذا الي يأس أصابني من قدرة الاجيال المتتالية من الابناء والاحفاد علي إحداث التغيير، أم هو رجاء أن يأتي القادم حاملا أملا في فكر وتوجهات متصالحة مع الحياة، أم هي ثقة في (عمرو ) بأنه القادر ( دون جميع أخوته) علي تربية وتنشئة وتدريب إبنته طبقا لأسس معاصرة نفتقدها.
عموما، هذا الخطاب ليس موجهاً ضد الآخرين فهم نتاج زمن أرجو أن ينحسر سادت فيه الجهالة وغياب المقاصد ويحدوني الأمل أن تشهد الانسانية قريبا إشراق شمس المعرفة المُبَدِد نورها لظلمات تغلفنا كبشر، تستعبدنا وتمنع أو تعطل إنطلاقنا نحو غد أفضل.
حفيدتي العزيزة كارما
جاء إسمك كما (إختاره لك والديك) من عقيدة سائدة بين ناس الشرق الاقصي والهند ترى أن أعمال الانسان (الصالحة والطالحة) تشكل ماهيته في حيواته القادمة إن أصحاب هذه العقيدة يعملون بجد من أجل توافق أفعالهم مع معطيات الطبيعة وقوانينها وتناغمها في اتساق مع أرتام الوجود ..هم يعيشون في تبتل وسلام ومحبة واتزان نفسي مع الكائنات المحيطة حتي لو كانت ضارة أو مغيرة ليحظوا بكارما طيبة، و في الغالب فان والديك وجدك يأملون (مثلهم) أن تأتي كارمانا جميلة ورائعة علي قدر أعمالنا (التي نعتقد انها طيبة) فتتجسد فيك روح الجديد الذى نرجوه للاسرة والوطن والبشرية.
وجد الانسان كنتاج عاقل لتجارب الحياة عبر ملايين السنين .. لقد كنا يا بنيتي مثل باقي أفراد المملكة الحيوانية الفقارية ولكن عندما إنبثقت داخلنا شعلة الوعي أصابنا زعر لا حدود له .. فلقد أصبح علينا أن نعيش بعقلنا بالاضافة الي غرائزنا لقد كنا الكائنات الوحيدة المرئية والمحسوسة التي تعي تاريخها وتراكم خبراتها وتجاربها فتعرف أن معالجة الطعام بالحرارة يجعل مذاقه أفضل وأن الحياة تجبرنا علي الصراع الدائم الذى يسقط فيه الضعيف أى من لا يقوى علي المغالبة أو التخفي أو الهروب و ينتصر من يمتلك الحيلة والآلة المناسبة (حتي لو كانت فك حمار كما فعل شمشون اليهودى مع اعدائه) والقدرة علي التعاون بين أفراد القطيع للايقاع بالفريسة، ولكنها (اى الكائنات البشرية) كانت تقف محتارة امام ظواهر الوجود والطبيعة مثل تعاقب الفصول أو التجدد وشروق وغروب الشمس المنتظم أو النوم والموت والمرض. و كانت لا تستوعب سببا لوجودها او للحياة من الاصل و لا تفهم أبسط المعلومات التي ستتعلمينها في المدرسة خلال سنوات عمرك الأولي عن المجموعة الشمسية والمجرات والكون.
الانسان البدائي (الهوموايركتوس) كان أقرب للقردة منه لبشراليوم لقد تطور خلال آلاف السنين من حيث الشكل تطورا بالغا ولكنه لم يتطور بنفس القدر في فلسفته ومجموعة قيمه الاخلاقية ومنطقه، لقد تغيرت حياته تماما وأصبح يعيش في مجتمعات تختلف عن الغابة أو البرارى يوظف الطاقة بصورها المتعددة والموجات السلكية واللاسلكية واستغنى عن الجهد العضلي باستخدامه الآلة التي تتطور بسرعة مذهلة كل دقيقة خصوصا خلال القرن الماضي ولكنه فيما يخص القيم والاخلاق او قضايا الميتافيزيقيا فما زال يؤمن بمعظم الافكار التي طورها (الهومواريكتوس) خلال العشرة الاف سنة الأولى من تاريخه دون تعديل يذكر( عند عامة الناس )فحتي الآنأغلب البشر لازالوا يرددون (بإقتناع ) ما كان أجدادنا المصريون القدماء يعلمونه للابناء في أروقة المعابد في أون وطيبة وسايس ثم الاسكندرية بأننا و كل الموجودات على الارض نخضع لارادة عليا (غير موصفة ) تتحكم في وجودنا ومصائرنا وأرزاقنا و كل تفاصيل حياتنا حتي الصغيرة مثل أن نخسر في البوكر لأنها (أى الارادة العليا ) وهبت المنافس ورقا أفضل.
تجريد الانسان من إرادته باسم (القدر، المكتوب، النصيب، إرادة السماء ) هي الجزء الأكبر والأهم من عملية الخداع الاستراتيجي التي يقوم بها الكهنة منذ عصر ما قبل التاريخ لتعطيل قدرة رعاياهم علي المغالبة، التعديل والتطور إنها الكلمة السحرية التي يسوسون بها رعيتهم علي أساس أن السماء منحتهم تفويضا غير قابل للالغاء لادارة شئونها علي الارض ..الحكام ايضا مهما كانت درجة تطورهم أو تحضرهم يهمهم أن تظل شعوبهم علي قناعة بأن ما يحدث لها من إجحاف وظلم وجور وطغيان إنما هي إرادة أشمل وأكبر لمن هوأقدر علي إدارة الكون لأهداف مجهولة للعامة والخاصة وما على العبد الا طاعة سيده والامتثال لقدره.
حفيدتي كارما
ستشكل عليك جدتك وامك وخالاتك وعماتك وجيرانك ضغوطا كي يتم صكك علي نمطهن وقد ينساق الأب منعا للمشاكل، ولكن الجد لن يجاريهم ابدا في هذا السلوك إنه يريدك حرة متمردة كمهرة غير مقيدة منطلقة في البرارى محبة للحياة نافرة لا يقف في طريقها أى إرادة سوى إرادتها النافية لفعل القدر، أمك ستزعق وترغي وتزبد وقد تقول لاتستمعي الي خرف هذا الشيخ فالحياة لها قوانين من يتجاهلها تهرسه والمجتمع لا يرحم والعلاقات بين البشر لا تتغير وتتعدل طبقا لهواك، ولكنني اقول لك واثقا هذه القوانين بكاملها تحتاج الي تعديل يصل بها الي مستوى التدمير المطلق و إحلال قيم المستقبل مكانها. أنت إنسان كامل، لست عورة ولست ناقصة ولست اقل من زميلك وجارك واخوك، تستحقين أن تمارسي حياتك وتستمتعين دون رقيب بكل لحظة من لحظات وجودك لا تقف امامك قوانين او دستور أوعرف أو تقاليد، أنت لازلت في البداية والحياة قصيرة تستهلك البشر في تفاهات وتحرمهم ان ينطلقوا الي أعلى الآفاق،التعليم يابنيني لا قيمة له مالم يجعلك تستطيعين التوافق مع الحياة ورغباتك واحتياجاتك وتحقيقها بصورة أفضل ، التعليم مهمته تنمية مهاراتك لتصبحي عضوا فاعلا في المجتمع البشرى، الفلسفة، المنطق، الفن، إحترام انسانية الآخر، الايجابية في التعامل مع معطيات العصر كلها ادواتك لتحقيق ذاتك و الفكاك من أسر ما أنتجه القدماء من قيم وأفكار كانت صحيحة في زمنهم وأصبحت اليوم معوقة عن التقدم و الارتقاء رغم أن البعض لازال يزاولها( بعناد) كما كان يفعل الاجداد .
كارما العزيزة
فكرة أنه مكتوب عليك الذلة والخضوع والمسكنة لانك أنثى فكرة مغلوطة لم تعد تناسب العصر، إنه في مقدورك أن تغيرى هذا المكتوب وتحققين أصعب الاحلام بالعلم والعمل والتدريب، والطريق الآن أصبح ممهدا بصورة أفضل عن زمن أجدادك أو والديك فالسماوات المفتوحة والمعلومات المتيسرة بواسطة شبكات التواصل والبيئة المتطورة التي أرجوأن تنشأي فيها كلها عوامل تجعل الحفيدة كما يراها الجد طفلة كالفراشة المنطلقة وكالزهرة المعطرة وعندما تصير شابة فالجمال والذكاء والتحضر والتمرد والغضب والسعي للتغيير والتعديل، وعندما تصبح سيدة تتقن عملها وتتفوق وتنافس الرجال ولا يقف أمام احلامها عائق.
السيدات المُذلاّت المُهَانات بسبب حكم الاخوان المسلمين اللائي سوف تقابلينهن يحتجن لنموذج مثلك ليثرن مطالبات بحقوق متساوية وحياة سوية.
الحياة تعيد سيرتها منذ البداية مع كل منا طامحة في النهاية للوصول للكمال فلقد كان الجنين في رحم الأم خلية وحيدة تم تخصيبها لتنقسم وتتشكل وتصبح كالاسماك ذات الخياشيم تسبح في مياة الرحم ثم برمائيات تشبة طور من أطوار نمو الضفدع ثم فقاريات فرئيسيات ثم تخرج من الرحم ثدييات تبحث عن لبن الام وتزحف ثم تنتصب واقفة علي ساقين لتبدأ رحلة الهومواركتوس. في كل منا رحلة طويلة يتصارع فيها الفناء مع الحياة في كل لحظة حتي ينتصر فيقفل كتاب هذا الانسان بحسناته و سيئاته ولا تبقي الا ذكرى عدد محدود من الذين كانوا سببا في خروجنا من الغابة وسكنانا للمدن .. هدف الحياة في النهاية هو الوصول الي الكائن المتكامل الأقرب للسوبرمان أو أرباب القدماء ..هذا الكائن سيمتلك ذكاءً متطورا يفوق ما لدينا اليوم بمقدار الفارق بين الانسان الحديث والغوريلا، إنه النتاج لتطور دائم للحياة أرجو أن يكون واحدا من احفادك، بعيدا عن هؤلاء الذين لديهم صفات لازالت عند المرحلة الحشرية يريدون العودة بمجتمعاتنا الي ما كان علية سلوك وتفكير البشر منذ ستة او سبعة آلاف سنة.
الصغيرة كارما
هناك سر لن يبلغه لك إلا جدك، فالجميع يتآمرون لإخفاء الحقيقة عنكم.
مع بداية العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين إنتكست بلدنا بعد أن تغلب على حكامها من العسكر مجموعة من أصحاب اللحى الطويلة والقصيرة والفكر الرجعي المتخلف الذى لا يرى فى الأنثى إلا موضوعا للهو ومتاعا يباع ويشترى وأيدهم وحش أمريكى أسود ، كان يسيطر على مشايخ الخليج ومصادر الطاقة هناك.
أصحاب اللحى بما إمتلكوا من أموال أسيادهم إستطاعوا تزوير إنتخابات برلمانية ورئاسية واستفتاء على دستور يؤبد سلطتهم ويعود بالبلاد القهقرى لألف سنة، فى هذا الظرف غير الملائم قرر والديك إنجابك ووضع جدك يده على قلبه فالتعيسات بسبب إنتمائهن لهذا المكان سيزددن واحدة .
الصراع على أشده لمقاومة مغتصبى السلطة والشباب يضحى بدمه وراحته وحريته ويعرض نفسه لبلطجية إستأجرهم أصحاب اللحى، ورغم الحرائق التى تشتعل فى مقراتهم والمؤسسات التجارية لأعضائهم وأتوبيساتهم ورغم الملايين التى تصيح في المقطم (( يسقط يسقط حكم المرشد ))، إلا أن لديهم جلد سميك لا يتأثر بالكره الذى يحيطهم من كل جانب، إنهم يشكلون أنفسهم على نظام أسر المافيا وقطّاع الطرق، ويتسللون الى كل مناطق الحياة بفكر أسود متوحش قد يدوم لعقد أو عقدين بحيث يقع على جيلك عبء مقاومتهم.
لقد كلفتكم الحياة بذلك فكونوا كارما حسنة لشعبنا، أساليب المقاومة يا بنيتي لها شعبتين أحداهما عملي بمعنى عدم توقف الثورة ضدهم وكشف مخازيهم ومطالبة من يحميهم أو يدعمهم ماديا أو معنويا بالتوقف عن فرضهم عليكم، والشعبة الأخرى تمتد لعشرات السنين، إنها تحصيل العلم الحديث والذى عندما تضيء أنواره تطرد خفافيش الظلام وتقضي على أفكارهم السوداء، فإذا ما نجت المنطقة من الصراع الذى تدبره الولايات المتحدة للسيطرة على بحيرة الزيت حول الخليج الفارسي ولم تدمر حرب طاحنة الحياة في منطقتنا خلال العقدين القادمين فسيكون على جيلكم أن يتعلم لغة العصر ويتفوق ويجاهد كى تصبح اللهجة السائدة بين المصريين لهجة حديثة علمية ليبرالية تحترم الاختلاف وتقدس العمل.