مدينة يحكمها الشيطان



سونيا ابراهيم
2013 / 3 / 30

ليس غريباً على الرجل المدّعي أن يصنع من امرأته إنسانة غاضبة جداً، و إلى أبعد الحدود، حتى يستطيع الرجل من بعد ذلك أن يلومها على كل هذه التضحيات ..
لا يستطيع أحد أن يخمد صوت امرأة محقة، ويصطنع منه هدوءاً خاصة عندما يدرك المواقف التي مرت بها امرأة حرة أحبته في يومٍ ما. لا يستطيع رجل أراد أن يتلاعب بمشاعر امرأة أن يجعلها تسمح لأي شخص آخر– و إن ظل يعتبر نفسه أفضل من غيره و لا يوجد بينهما مجال للمقارنة - بأن يساعدها . قد تجعلنا أمهاتنا، اللواتي تدفعننا بكل قوتهنّ خارج الباب، نمزق السوار حول معاصمنا و نحن نحاول أن نفك القيد، و لكن لسوء الحظ فإن ذلك قد يساعدهم أيضاً على أن يقودونا نحو مزيدٍ من الخوف أو الجنون؛ فنقسى على أنفسنا أكثر من اللزوم! ومن ثم نجد أن الكثيرين من " الهؤلاء " يفسرون احترامهم لمشاعر رجل مجنونٍ، وينثرون الزهور في طريقه، و هم يدفعونه للأمام، أما في حال وصلت امرأة حمقاء ترتكب مجونها بطريقة لطيفة فإنها تُقابَل بإستنكارٍ من الجميع ..

كيف يسمح مجتمعنا العظيم لنفسه بخطاياه – التي نستطيع أن نقدر من هواها أنها غير متزنة – بأن يقابل المجون الذكوري بهذا الكم الغريب من الترحيب؟ هذا غير مقبول على الاطلاق في حال كان يهتم أحدهم بالعدالة– و إن كانت كلمة جديدة عليهم كي يستوعبوا معناها !

لا أستطيع أن أتفهم دوافع الأمومة التي يُكونها أو يحفزها مجتمع فقير لا أهمية فيه لمدرسةٍ تُسمى الأم، و لا أستطيع أن أتعاطف مع مسئولين يستغلون عائلاتٍ فقيرة- بأبناء مرضى، و جوعى يتمنى فيها الآباء موت أبنائهم-بسبب الجوع و المرض؛ من أجل حشد الجماهير في صفهم لزيادة العدد–فقط. لا أستطيع أن أعطيهم سبباً واحداً واضحاً لهذه الوحشية الغير مبررة! لا أستطيع أن أكوّن صورة مُشرِفة عن حركات " تحررية " في وطن مستعمر ( بفتح الميم ) لا تحترم ذاتها، و تقدس فيها دور الرجل الذكوري دون أن يكون لذلك داعٍ أو لزومٍ تقتضيه وطنيته من أجل القضية! لا أستطيع أن أقدس شوفينية أي رجل في حال أعطى وعوداً كاذبة، ولا أستطيع حتى أن أتعاطف مع والدته، و هي تعيد تنشئته؛ ليحصل من جديد على مباركة العائلة، التي كونت فيه البذرة من أساسها، و صلبها!

قد يجعل أي رجل متصابي و جبان زوجته غير مكترثة بزيادة وزنها، وبخسارة ثقتها بنفسها، و هو يضمن تواطؤ ثقافة مجتمعه المتخاذل معه؛ فهي مجرد وعاء للانجاب بالنسبة لهم ..
كما أني لا أستطيع أن أتفهم ظلامية امرأة مضطهدة–و إن اضطر بعضهم على أن يفسر ذلك بسبب قلة الوعي، والفقر–في حق نفسها، و عائلتها. إن الحب الذي يقتلونه في قلب المرأة، و رفضها لنفسها، وهجومها ضد كل من يختلف عنها، و عدم تقديرها لنفسها، ترثه امرأتنا العربية، وتعلمه لبناتها المقموعات في ظل غياب حقيقة واحدة؛ و هي أن الايمان بربهم الذي يدّعونه أنفسهم هو نفسه الكُفر بعين ذاته!

هل يقبل أي رجل ( دين ) أو تاجر ( سياسي ) أن يبيع زوجاً من الجوارب الضيقة لأحدهم؟ هل سيتخلى أتباع حركات الاسلام السياسي في أوطاننا العربية عن جهلهم وقلة وعيهم لأهمية دور المرأة في التاريخ العربي كله، و حتى في المواريث؟ هل سيقبل أي من رجال الحراسة الشخصية أن يقلع بدلته الفضفاضة، و هو يوزع الحلوى على جيرانه؛ ليعظهم بميعاد يوم جديد سيقضيه مع حبيبته الأم لأحبائه الأبناء، والزوجة؟

هل سنرى رجلاً وحيداً يخرج من غزة–بعد قمع دام لأكثر من خمس سنوات–وهو مستعدٌ لأن يأخذ بداية دور الطريق في النهاية؟ هل ستكف أمهاتنا، وعائلاتنا نحن النساء عن اصابتنا فيما تبقى من عقولنا، التي ترفض القيود كلها، وتسعى إلى التحرر الفكري و العقلي؟

لقد استعمر الأعداء في عقولنا، و سرقوا تاريخنا عندما نهبوا أرضنا ونسبوها إليهم، و لقد جاء بعدهم رجالنا؛ و من المصادفة أنهم من مخاتير العائلات المعروفة في مدننا–بعقلية رجل القبيلة–ليمنعوا النساء في غزة من الحصول على حقوقهن بالمساواة، ونبذ العنف الأسري، بل و معظمهم أيضاً انضموا إلى الفريق المساوم ..
لا نستطيع نحن النساء في مدننا المهمشة في قطاع غزة أن نطالب بحقوقنا الشرعية–التي لا دخل للشريعة الاسلامية فيها–و لا نستطيع نحن النساء في مدن غزة أن نحصل على نظرة رحمة من الجميع، و نحن نزور محاكم شرعية، يحكمها قضاة مرتشون، و يسكن في مبناها-الذي هو أشبه بمخزن قريب من سوق البلدة القديمة- محامون قَبِلوا أن تُداس كرامتهم بالعمل في القضاء، و القانون في ظروفٍ لا تليق بنزاهتهم .. لقد قبلوا لعبة الكبار، و هم يعترفون ألّا هموم لديهم إلا بالحصول على الطعام و الشراب، في آخر موعد النهار، وهم يحصون عدد القضايا، التي سيتاجرون بها لمزيدٍ من الوقت .. لا أعلم شيئاً عن بلدي، و لا أحب الحياة في المدينة، التي تناوب على اغتصابها كل المتوحشون في الأرض، و الذكور في بلدتي ما زالوا مقتنعون أن المرأة، التي فقدت عذريتها قبل الزواج، هي قحبة، و لا تستحق الحياة؛ لأنها لوثت شرفهم، و شرف عائلاتهم الذكورية، المنزهة عن الخطأ!!

في غزة تصرخ الأرض كل يوم، وتساندها حالة المدن المزرية على بكائها: لقد زنيتم بي، و تاجرتم بشرفي، أينكم الآن في غياب العدالة، والنزاهة، والانسانية؟ من أين ستكسبون تعاطف العالم أيها الفلسطينيون و أنتم تزنون بحقوقكم، و تروجون لها في دعاراتكم–محاكمكم الشرعية، وإسلامكم السياسي؟؟ مدينة غزة تتساءل بعد أن قتلوا الروح المعنوية لشعبها: هل يُعقل أن يكون غشاء بكارة فتاة عذراء هو من يحدد شرفهم، وهو من يجعلهم يحتفلون أو يحتدون على روحها في حال فقدانه؟ أن تعطى الحقوق على أسس بيولوجية، مستمِدة تشريعاتها من نصوص دينية عقيمة الرجل يربح فيها كل حقوقه سواء جاني أو مجنى عليه؟!

لم أرَ أي رجل دين يحتد على اغتصاب الأراضي من قبل السلطات المتنازعة أو حتى من الاستيطان الصهيوني، بالقدر الذي ينتقم فيه بعض الرجال بصمت-هنا في غزة- لشرفهم المحصور ببضعة سنتمترات .. هل تستطيع عقلية من هذا النوع أن تحرر أرض أو وطن مستعمَر بعد كل هذه الحروب، و الانتفاضات، التي دفع فيها الشعب من أبنائه و نسائه و أطفاله أضعافاً مضاعفة ؟ أتساءل و كلي أمل ألا يقول أحدكم شيئاً عن الاجابة، أو حتى يحاول أن يبررها!