المرأة بين المنطق الذكوري والمنطق الأنوثي



عذري مازغ
2013 / 3 / 30

يطرح الحوار المتمدن موضوعا للنقاش شيق هو موضوع التحرش الجنسي، وبغض النظر عما إذا كان الموضوع هو موضوع ثامن مارس، اليوم العالمي للمرأة أو ليس كذلك، فإنه من زاوية أخرى هو موضوع مفعم بالحيوية، وهو أيضا موضوع مشترك بين الجنسين، إلا أن موضوع طرحه أخذ سياقا في المعالجة، من خلال طرح إشكالياته التي تتسق بوضع مناقض فيه الرجل في قفص اتهام، تطرح معالجة من وجهة نظر انثوية أكثر منها تنحاز إلى الإشكالية الفيمينية التي تؤسس للمساوات الإجتماعية، في الثقافة الغربية (في إسبانيا على وجه التحديد) مثلا هناك إشكالية في المفاهيم بين نسقين مختلفين: الفهم النسوي لقضية المرأة (el feminismo) والفهم الأنثوي لها (Hembrismo) وطبعا يحيل الفهمين ايضا إلى التمييز بين فهمين في ما يخص قضية الرجل، بين الفهم الرجولي وهو فهم خاص يستعمل كثيرا في السوسيولوجيا العربية والفهم الذكوري، فإشكالية الموضوع تأخذ كل هذه المناحي في تناقض المفاهيم وهذا يعود طبعا إلى مستوى علاقة الجنسين في محيط وبيئة معينين فيهما يتخذ مفهوم الفيمينيسم اشكالا متميزة من الفهم الإجتماعي في نسبته إليهما، فهو إذن مفهوم متحرك ومتفاوت وليس جامدا. يتخذ مفهوم تحرر المرأة في المجتمعات العربية بشكل عام صفة مجردة عن طابعها الإجتماعي تختزل الإشكالية في علاقة التضاد بين الجنسين بشكل يميل إلى ذكورية قضية التحرر: الرجل يمنح حقوقا للمرأة، فيما أن المسألة في جوهرها تمتد في اعتقادي إلى التحرر بمعناه العام، اي بالمعنى الإجتماعي، الإقتصادي والسياسي، وكذا بمعنى آخر سوسيولوجي: تحرر الإثنين: الرجل والمرأة معا من السائد الموروث. وهكذا نجد اختزالا للقضية اتخذت معالجتها عندنا فهما سطحيا هو إشراك المراة في الوظائف العامة وهو عادة حل ميكانيكي لقضية نسوية المجتمعات العربية وهو من وجهة نظر خاصة فهم انثوي hembrimismo يختزل مشكلة المرأة في الرجل بينما مشكلتها الأساسية في البناء الإجتماعي بشكل عام، فلو أخذنا نموذج الفهم النسوي الفيميني كما نجده عند دول الشمال الأوربي (فينلاندا والنرويج مثلا ولا أقول الدول الأوربية بالتعميم لانها لم ترتقي بعد إلى هذا المستوى الذي وصلت إليه فنلاندا) حيث تقاسم المهام بين الجنسين أخذ هذا الفهم الذي ندعوه لمجتمعاتنا في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهو تساوي الجنسين من خلال تقاسم المهام بالتساوي، إن هذا التساوي ليس فقط دعوة الرجل للتنازل عن سلطته الأبيسية، بل دعوته أيضا أن يتحمل وظائف كانت متخصصة للمراة، بمعنى أن يتحرر هو الآخر من سطوته الذكورية. ان يكون فيمينينيا Feminista

يعني مفهوم الفيمينيسم في الحقل السوسيولجي المساوات بين الرجل والمرأة، يعني تقاسم المهام في كل جوانب الحياة خلافا للتقسيم التقليدي في الوظائف بين الرجل والمرأة بينما الفهم الانثوي hembrimismo برغم أنه مفهوم تأسس كمفهوم سوسيولوجي إلا أنه لم يتأسس بعد في القواميس اللغوية الإسبانية، لكنه يتشكل من خلال فهم خاص للممارسة النسوية تراكمت بشكل مدهش في المجتمعات الغربية، فهو يؤسس لسلطة الأنوثة، على الرغم من ان هذه السلطة لم تتأسس بعد كنمط اجتماعي إلا انه لا تلبث بعض المظاهر تبرز للعيان خصوصا في محاكم الأحوال الأسرية.
لا شك ان التحرر لا يعني اي سطوة سلطوية سواء لهذا الجنس او ذاك، لا يعني الإشتراك فقط في الوظائف العامة للدولة بل يعني تأسيسا بنيويا للمساوات ياخذ بالإعتبار توزيع وظائف الجنسين بالتساوي هذا التوزيع في نظري هو ما يسمح بتهذيب الحياة العامة وتحضرها.
لا شك أن المراة سبقت عمليا الرجل إلى التحضر من حيث أن المجتمعات الأولى للمدنية، مجتمعات الإستقرار كانت تسمها بصمة المرأة باعتبارها مؤسسة وقاطنة للمدينة،كانت تختص بالأعمال المستقرة ذاتها: أعمال المنزل، أعمال الزراعة والتربية، بالإضافة إلى أعمال الحضانة، وهي أعمال تتصف بالعمل الجماعي من جهة والعمل الإجتماعي من جهة ثانية كما هي اعمال تستلزم التعاون وبالتالي تستلزم علاقات اجتماعية متطورة قياسا على العلاقات التي كانت تميز العمل الرجولي التي كانت في طابعها العام اعمال خارج سياق الإستقرار: الرعي، الصيد، الحرب، الغزو، التجارة وما إلى ذلك وهي أعمال تؤسس لطبيعة التوحش كما أفرزها بجلاء ابن خلدون، اعمال تؤسس لغريزة القوة، وطبيعي أن الإستقرار يفترض مجتمعا متفهما لضرورات الإندماج والتعاون والتعايش التي تفترض بدورها تذويب الإختلافات بين افرادها، استنادا إلى هذه الأرضية يمكن القول وبدون خجل محتمل، أن المرأة هي مؤسس المدينة الأولى في التاريخ البشري وبالتالي هي مؤسس كل ما نجم عن هذه المدينة من قيم مدنية وحضارية أي أنها تمثل جوهر التهذيب الذي يطبع الحياة المدنية. استنادا إلى هذه الأرضية أيضا يمكن اعتبار المدينة هي ايضا موقع اصطدام بين طبيعتين مختلفتين للبشر، بين ثقافتين مختلفتين ومتناقضتين تماما: تقافة ذكورية محضة وثقافة نسوية ولا أقول ثقافة أنثوية، ثقافة همجية متوحشة وثقافة مهذبة، ولا أدري هل تسمح موضوعيا هذه التوطئة لاقتحام موضوع الجنس والتحرش الجنسي، على اعتبار أن الترحش الجنسي ينتمي إلى ثقافة مابعد المدنية، ينتمي إلى مابعد التهذيب الحضاري.
وطبيعي جدا أن العلاقات الإجتماعية التي ما زالت تعرف توزيعا للأدوار يأخذ في مظهره هذا الشكل من التمييز، لاعتبارات فيزيقية او ثقافية او دينية موروثة عن زمن مابعد التهذيب الحضاري، طبيعي جدا ان تبلور هذه العلاقات مظاهر عامة تنتمي إلى هذا الموروث على الرغم من تبدل الأحوال المادية لشكل توزيع تلك الأدوار، بمعنى أنه، في ظروف علاقات الإنتاج الجديدة، استنادا إلى التطور الهائل في وسائل الإنتاج، الإنتقال الكبير من العمل الفيزيقي إلى العمل الآلي الميكانيكي وصولا إلى العمل الذهني، صاحب هذا التطور في العمل بشكل تفاوتي تخلخل هام على مستوى الوظائف أفرز على مستوى نمط الإنتاج الرأسمالي انقلابا جزئيا في توزيع الأدوار ساهم في احتلال المرأة مكانة متطورة تبقى على الرغم من ذلك مثقلة بالأحكام الموروثة السابقة، ويمكن استخلاص ذلك من مقارنة عامة للأجور في اوربا بين ما يكسبه الرجل وما تكسبه المرأة في نفس العمل، حيث أجور العمال تفوق اجور العاملات بنسبة 10 إلى 10 ونصف أجور العاملات في نفس الوظيفة، وعلى الرغم من بروز نساء في هرم السلطة السياسية مثلا، نجد أغلب البرلمانات في العالم وليس في أوربا فقط يسودها الرجال (حتى حين تحتل المرأة هرم السلطة كأنجيلا ميركل مثلا نجد في البرلمان الألماني نسبة 40 في المائة من النساء، أغلب مستشاري انجيلا ميركل من الرجال...). وعموما فإشكالية المساوات ليست في توزيع المقاعد كما اشرنا سابقا وليست أيضا في احتلال هرم السلطة السياسية، بل في طابعها الوظيفي الإجتماعي الذي يستند كما أسلفنا إلى الموروث الذكوري، فحضانة الأطفال مثلا لازالت حكرا على النساء( في فنلندا مثلا نجد استثناء يحسب لها، نجد تشريعا يحد من هذا الإحتكار بسن 6 أشهر خاصة للرجل لأجل الحضانة ويؤدى له عنها كما يؤدى للمرأة على عطلة حضانتها أثناء وبعد الولادة)، ومعنى هذا أن مفهوم المساوات لن يأخذ شكله الحقيقي إلا في تكريسها من خلال التوزيع والتقاسم المتساوي في الحقوق وفي الواجبات ايضا، أي في خلق مجتمع فيمينيني تتكلف فيه الدولة بتحقيق وضمانة هذا التوزيع، أي في إجبار الرجال جبرا قانونيا وتشريعيا بالقيام أيضا بوظائف كانت حكرا على المرأة والإجبار هذا، من وجهة نظر خاصة، نفسية إذا شئنا، هي ما يؤشر على تغيير العقلية الذكورية تجاه المرأة من حيث أن احتقار المرأة يمر بالضرورة من احتقار وظائفها التي لها طابع الأنوثة المحضة ما قبل نسوانيتها(أي انها كانت تختص بما تختص به أي أنثى في الحيوان) إن هذا التمييز الوظيفي طبعا يستند إلى عقلية سابقة على العقلية الفيمينينية هي العقلية الأنوثية أو الأنثوية من جهة المرأة والعقلية الذكورية من جهة الرجل وهما عقليتان تنتسبان إلى ماقبل العقلية المتمدنة التي بدورها، وعلى مسار تاريخ طويل، هيمن فيها المنطق الذكوري (الذي وصفناه سابقا بكونه منح ذكوري للمراة)وليس المنطق الأنثوي (الذي هو استعادة للدور الطبيعي المحض للأنثى الذي ينزع إلى منح حقوق متميزة للأنوثة) ليتبلور أخيرا المنطق الفيمينيني الذي تبلور من خلال دعوات المساوات، حقوق المرأة، تحرر المراة... وهي في الحقيقة مفاهيم كانت إلى عهد قريب غاية في التلبس بنزعتها الأنثوية ولم تأخذ بعد شكلها التحديدي الذي هو تأسيس المجتمع الفيمينيني أو المجتمع الأنسوي إذا صحت الترجمة.