ضلع ادم ... خلق المرأة في التراث الديني



أحمد القبانجي
2013 / 4 / 4

إذا أردنا البحث في الرواسب التاريخية للفكر الديني التي تقف موقفاً سلبياً من المرأة، فلابدّ من التوغل إلى حيث الجذور واستجلاء موطن الخلل في هذا النمط من التفكير، وأول شيء يطالعنا في الموروث الديني حول موقع المرأة ومكانتها من الرجل هو الروايات المتعلقة بكيفية خلق «حواء» فجميع الروايات الواردة في المصادر الحديثية من الفريقين تنتهي إلى فرضية مسلّمة وهي أنّ الله تعالى خلق «آدم» أولاً ثم خلق «حواء»، (وهذا أول الوهن)، وهناك اختلاف في كيفية خلقها على نحوين:
1 ـ طائفة من الروايات تصرّح أنّ الله تعالى خلقها من الضلع الأيسر لآدم (وهو ما ورد في التوراة أيضاً) ومن ذلك ما أورده البخاري في صحيحه:
«استوصوا بالنساء فإنّ المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه فان ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل اعوجاً، فاستوصوا بالنساء».
وذكر صاحب المنار أيضاً في ذيل تفسيره للآية 189 من سورة الأعراف أنّ ابن حبان روى عن أبي هريرة: «أنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج».
2 ـ ما ورد في المصادر الشيعية وعليه جلّ علماء الشيعة أنّ حواء خلقت من فاضل طينة آدم، وهو ما رواه عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال «سألت أبا جعفر»: من أي شيء خلق الله حواء؟
فقال: «أي شيء يقولون هذا الخلق؟».
قلت: يقولون إنّ الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم.
فقال: «كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟»
فقلت: جعلت فداك من أي شيء خلقها؟
فقال: «أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلقها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء».
وهذه خلاصة ما ورد عن خلق حواء في المصادر الروائية وكتب التفسير، وكما هو معلوم فإنّ العنصر الذكوري وتفضيل الرجل على المرأة في هذه الروايات لا يخفى على أحد، فكون آدم هو الأصل والمخلوق الأول من البشر وحواء هي الفرع والمخلوق بالتبع يلقي بظلاله وتداعياته الثقافية والنفسية على وعي الإنسان والمرأة بالذات وأنّها ما خلقت إلاّلغرض إيناس الرجل وإشباع غريزته وإخراجه من حالة الانفراد والوحشة كما ذكرت ذلك بعض الروايات، وبديهي أنّ مثل هذه المفاهيم بإمكانها أن تعبّد الطريق في حركة التشريع والتقنين على مستوى هظم المرأة حقوقها المشروعة والتعامل معها كإنسان من الدرجة الثانية.
والآن لنرى مدى صحة ومعقولية مثل هذه المضامين الروائية في معيار العقل والنصوص القرآنية..
أمّا كون المرأة (حواء) خلقت من ضلع آدم الأيسر فقد تكفلت الرواية الثانية بردّه وتزييفه، فهل أنّ الله عاجز عن خلقها من غير ضلعه؟ ولماذا الضلع وليس شيئاً آخر، وكيف أنّ آدم خلق من طين دخلت في تكوينه عناصر كثيرة من الماء والحديد والكلس والصوديوم والكربون وغير ذلك من عناصر الطبيعة، ولم تخلق حواء التي تماثله في الخلقة على مستوى العناصر البيولوجية والفسيولوجية، سوى من عنصر الكلس الذي في العظام؟
والأغرب من ذلك أنّ هؤلاء المحدّثين والمفسرين لم يتعبوا أنفسهم بالكشف عن زيف مثل هذه الروايات بالتحرك لإثبات الحقيقة من موقع عدّ أضلاع الجانب الأيمن في أبدانهم للتأكد أنّها لا تقلّ عن اضلاع الجانب الأيسر!!
وعلى أية حال لا نطيل في مناقشة الروايات من النمط الأول رغم أنّ بعض علماء أهل السنّة تلقوها بالقبول وتوقف صاحب المنار في قبولها أو ردّها مع كونه من أصحاب الفكر النيّر، لا بسبب مخالفتها للعقل، بل لكون هذا المعنى وارد في التوراة وقد أمرنا نبينا(صلى الله عليه وآله) أن لا نصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم فيما لا نصّ فيه عندنا لاحتماله، فنحن نعمل بأمره(صلى الله عليه وآله) في هذا الخبر كما يقول صاحب المنار، وذهب بعضهم إلى تأويل الحديث بأنّ المراد منه أنّ المرأة ذات إعوجاج شديد بطبعها لا يمكن إصلاحه كما هو الحال في الضلع فان أراد الشخص تقويمه كسره، وهذا هو ما ورد في المصادر الشيعية أيضاً.
أمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية فنتساءل بدورنا كما تساءلت الرواية في ردّها على الاُولى، هل كان الله عزّ وجلّ يعجزه خلقها من غير فضلة آدم، كأن يخلقها من طين آخر؟ وهل كان هناك قحط في الطين حتى يضطر الله تعالى لخلقها من فاضل طينة آدم؟ ولماذا هذا التحقير للمرأة بأنّها خلقت من فاضل طينة الرجل؟ وهل يسري هذا الحكم على جميع الاناث في عالم الحيوانات والحشرات أو نقول بأنّها خلقت مع الذكر سوية؟
ثم ما عسى أن يكون مقدار الفضلة التي يمكن صناعة إنسان آخر مثل الإنسان الأول أو أقصر منه بقليل، لأنّ الفضلة عادة تكون قليلة كما في فضلة الثوب أو البناء وأمثال ذلك؟ ثم إنّ وجود الجهاز التناسلي في الرجل وعلم الله تعالى بأنّ الرجل لا يمكنه التناسل لوحده يقتضي القول بأنّ الله كان قد قرر أن يخلق المرأة من أول الأمر لا أن آدم استوحش من الوحدة وطلب من الله المؤنس، فعلى مبنى هؤلاء يكون الله تعالى جاهلاً بمقدار ما يكفي من الطين لصنع آدم، فلما صنعه زادت منه فضلة، وبذلك يقيسون الله تعالى على البنّاء من البشر الذي يبني البيت فيزيد عادة بعض الجصّ والآجر والاسمنت بعد تمامية البناء، وإلاّ فلو كان الله تعالى عالماً من أول الأمر بمقدار ما يستهلكه صنع آدم من الطين، فكيف تبقى فضلة؟ وإذا قلنا بأنّه تعالى قد تعمد ذلك ليخلق منها حواء، فلماذا نسميها فضله؟ وهل هذا إلاّ لغرض الاستخفاف بالمرأة وتحقيرها؟! إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي تواجه مدلول هذه الرواية لو سلّمنا بصحة سندها.
والآن لنعرض هذه المسألة على القرآن الكريم ليجيبنا على مسألتنا هذه، وهي كيف خلق الله حواء؟
إنّ أول ما يلفت نظرنا في أجواء الآيات الكريمة أنّها لا تقر مفهوم أولية خلق آدم وبعدية خلق حواء اطلاقاً، والشيء الذي يصرح به القرآن الكريم أن آدم هو أول خليفة لله تعالى على الأرض لا أنّه أول مخلوق من البشر، ففي سورة البقرة نقرأ هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً...).
أمّا من هو أول إنسان خلقه الله تعالى؟ هل هو آدم أم حواء؟ فالقرآن ساكت عن هذه المسألة.
وفي آية اُخرى نقرأ قوله تعالى:
(يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...).
أمّا من هو الزوج؟ هل هو آدم أم حواء؟ ونحن نعرف أنّ «الزوج» في العربية يطلق على الرجل والمرأة، فكما من المحتمل أن يكون المقصود بالنفس الواحدة هو آدم وقد خلق منها زوجها وهي حواء، فكذلك يمكن القول بأنّ النفس الواحدة حواء وقد خلق منها آدم ، رغم أنّ الأقرب إلى أجواء الآية والأكثر انسجاماً مع العقل أن يكونا قد خلقا سوية، بأن كانت هناك نفس واحدة ثم انشطرت إلى قسمين، أو كما يقول صاحب المنار: «إذا كانت جماهير المفسّرين فسّروا النفس الواحدة هنا بآدم فهم لم يأخذوا ذلك من نصّ الآية ولا من ظاهرها بل من المسألة المسلّمة عندهم وهي أنّ آدم ابو البشر».
ويقول أيضاً: «المتبادر من لفظ النفس بصرف النظر عن الروايات والتقاليد المسلّمات أنّها هي الماهية أو الحقيقة التي كان بها الإنسان هو هذا الكائن الممتاز على غيره من الكائنات أي خلقكم من جنس واحد وحقيقة واحدة ولا فرق في هذا بين أن تكون هذه الحقيقة بدأت بآدم كما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين أو بدأت بغيره وانقرضوا كما قال بعض الشيعة والصوفية أو بدأت بعدّة اصول انبثّ منها عدّة أصناف كما عليه بعض الباحثين».
هذا ولكن أقوى شاهد من القرآن على أنّ النفس الواحدة هنا لا يراد بها آدم هو ما ورد في الآية 189 من سورة الأعراف التي أوردت نفس هذا المضمون مع اختلاف يسير حيث تقول الآية:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فواضح من سياق هذه الآية الشريفة أنّها تنسب الشرك للأب والاُم «جعلا له شركاء» ولا يمكن أن يقصد بها النبي آدم، بل جنس الذكر والاُنثى كما قال صاحب المنار نقلاً عن صاحب الانتصاف الذي قال «وأسلم من هذين التفسيرين أن يكون المراد جنسي الذكر والاُنثى لا يقصد فيه إلى معيّن، وكان المعنى والله أعلم، خلقكم جنساً واحداً وجعل أزواجكم منكم أيضاً لتسكنوا إليها فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر الجنس الآخر الذي هو الاُنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت».
هذا وقد ذهب صاحب الأمثل إلى ما يقرب من هذا الرأي في تفسيره لهذه الآية من سورة الأعراف وأنّ النفس الواحدة هنا يراد بها الواحد النوعي، أي أنّ الله تعالى خلقكم جميعاً من نوع واحد كما خلق أزواجكم من جنسكم أيضاً، وهذا في مقابل من يقول بأنّ المراد منه هو الواحد الشخصي وهو آدم، كما عليه أكثر المفسّرين من السنة والشيعة تبعاً لما ورد لديهم من الروايات التي تصرّح بذلك، وأورد هذا المفسّر عدّة قرائن لتأييد أنّ المراد من الآية الواحد النوعي رغم أنّه ذهب في تفسير الآية (1) من سورة النساء والمذكورة آنفاً إلى أنّ المراد بالنفس الواحدة هو الواحد الشخصي لا النوعي، ونحن لا نرى فرقاً بين محتوى الآيتين في كلمة «النفس الواحدة» فلا وجه لهذا التناقض في الرأي في الموردين، وإن هو إلاّبسبب الروايات الواردة في هذا الشأن، وقد ذكرنا في أبحاثنا التفسيرية أنّ من الخطأ في عملية التفسير الاعتماد على الروايات الكثيرة المتضاربة في استجلاء المراد من النص، بل علينا التدبّر في نفس الآيات القرآنية عملاً بقوله تعالى:
(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا).
فتحصل مما تقدم أنّ القرآن والعقل لا يؤيدان خلق حواء من آدم ولا أنّها خلقت بعد آدم ولا أنّ الغرض من خلقها إنّما هو تسلية آدم وإزالة الوحشة عنه، بل الغرض من خلق المرأة هو نفسه الغرض من خلق الرجل وإنّهما خلقا سوية من نفس واحدة أي من جنس واحد.