المرأة الواثقة



جواد طالب
2005 / 4 / 12

أخبرني أحد رفاقي من السعودية في دورة الإعداد والتأهيل للعمل الصحفي أن ما يراه كلّ يوم في هذا البلد لم يكن يحلم به في وطنه الأم. الانفتاح والتحرّر والانطلاق حتى في الملابس شيء نحسد عليه نحن ففي السعودية لا يسمح للشاب ما يسمح له هنا، هناك في السعودية ما يسمّى لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تملك الصلاحيّة لجلب الشبان المرتاب في أمرهم إلى مكان العبادة وتلقينهم درساً مؤلماً إلى حدٍّ ما في الأدب وحلق شعر الشاب وإعادته إلى الطرقات.

أخبرني أيضاً أن لا يجب أبداً أن تكون التهمة صحيحة في بعض الأحيان، يكفي فقط أن يحمل المنفذ بعض الغضب أو الانزعاج من أمر خارجي ليقوم بإلقاء غضبه على من لاقاه من شبان تبدو عليهم ملامح الاختلاف. أو يكون المنفذ نفسه متغيظاً من أحدهم فيلتقطه وتكون الحجة في هذه الحالة من أسهل ما يكون.

لطالما حلم الإنسان بالعمل المثالي. العمل الذي يحمل لصاحبه متعة في القيام بعمله. منسّق الأزهار يفرح كل يوم إذا أنبتت لديه زهرة. عامل التنظيفات يشعر بسعادة بالغة إذا وجد قطعة نقود في السلة يشتري بها سيغارة بالمفرّد ويستمتع بها قبل أن يدخل بيته. العالم في مختبره. السائق ومرآته الأماميّة. الآذن في مدرسته والمقشة الملقاة على جانب الباب تصطاد المتأخّرين. حارس الباب ومن يرسلهم إلى بيتهم حزينين. حارس السجن في مخدعه. والجلّاد مع سيفه يقطع به ((أنبوب)) الرذيلة المقرّر.

في إحدى الصحف ذُكر أن شخصاً عربيّاً سعوديّاً لا يخجل أن يكون اسمه يشابه شخصيّة كهذه، بل يحترم، ويفخر أن يكون اسمه صدّام حسين في الهويّة. فهو زعيم عربي مناضل وشخصيّة بارزة.

عندما يعاني الإنسان من بعض الفراغ في حياته يتحمّس لبعض الأمور التي يظن أنّها سبب نجاحه. كأن يقوم أحدهم أنا أتعلق بجورج وسوّف جداً ولا أسمح لأحد أن يتكلّم عنه. وأن يقول آخر لا يمكن أن تجد في العالم أبرع من ميخائيل نعية في كتابة القصّة القصيرة.

في مقابلة مع رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط، ذَكَر أن السعوديّة تتمتّع بالاختلاف، الرياض تختلف عن جدّة، وجدة تختلف عن الدمام، والدمام تختلف عن الخُبَر، والاختلاف يعطيك قوّة. فلعلّ قسماً من جيل السعوديّة الناشئ يحمل بعض العيوب التي نشأت معه في مجتمعه، وما يتولّد عنه من كبت وشهوة زائدة في بضع الأحيان. وفي الوقت نفسه تنشأ عقول وأدمغة سعوديّة مبدعة، ومصادر للمتعة الخالصة تصل من السّعوديّة، فنحن لا نزال نستمع لأغنية شبيه الريح، ونعجب بجواد العلي، والمغنيّة السمراء الجديدة بين الذّكور، ومقدّمة برنامج كلام نواعم، التي تتمتع في المناسبة بطلة مريحة وجمال خلاب.

ومما يتصل بالموضوع، عندما طُلب من أحد رسامي الكاريكاتير أن يرسم موضوعاً عن رأيه في المرأة المحجّبة أن تكون واثقة من نفسها. فقال سأرسم ما رأيته الأسبوع الماضي وأنا عائد من العمل. رأيت من نافذة الحافلة التي كنت أسير فيها حافلة أخرى تسير بالقرب منا تماماً. كان شابّان يجلسان بجانب السائق، أحدهما في مقتبل العمر والآخر يبدو أكبر قليلاً، وفي المقاعد الخلفية تجلس إمرأة وحيدة بدت خائفة قليلاً ومخفضة رأسها تسوّي حجابها.

فإذا كان الحجاب فريضة من الله تعالى فما الحل لنخلق إمرأة محجّبة وائقة من نفسها وقادرة على الحصول على ما تريد بالطرق التقليديّة التي سرقت منّي الدّور أمام موقّع المعاملات في الشركة في كثير من الأحيان.