المرأة و الدين ...الخطيئة و الکمال



نزار جاف
2005 / 4 / 13

عديدة هي الاشکاليات التي تواجه المرأة في بلدان العالم عموما و في الشرق خصوصا، بل و لانغالي إذا قلنا أن المرأة في حد ذاتها وفي نظر کثير من المجتمعات الشرقية تعتبر إشکالية. إلا أنه مع ذلک لامناص من أعتبار إشکالية المرأة و علاقتها بالدين من أهم و أكثر الاشکاليات إثارة للجدل و الاختلاف. ولاغرو أن ماأرتکب من جرائم فظيعة تقشعر منها الابدان بحق المرأة بذرائع تستند قوتها و شرعيتها من الدين(خصوصا في أوروبا) لفترات زمنية خلت، تدعونا لمراجعة هذه المسألة و الخوض في غمارها سيما وأن الاديان قد تکون فيها الاختلافات بشأن العديد من المسائل و الاشکاليات واردة، غير أنها تکاد تکون على شبه إتفاق تام بخصوص المرأة من حيث النظرة السلبية حيالها. وسلبية نظرة الاديان عموما تنطلق من زاوية الخطيئة التي إقترفتها حواء و ذهبت و تذهب بجريرتها حفيداتها الى ماقامت الدنيا. هذه الخطيئة کانت سببا موجبا کي يقال في وصف المرأة في سفر الجامعة:(فوجدت امر من الموت المرأة التي هي شباک وقلبها شراک ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها. اما الخاطئ فيؤخذ بها)، وليس هذا فحسب، وأنما نرى الامر يأخذ بعدا ومنحا واضحا وأدق في سفر اللاويين بالکتاب المقدس حين نقرأ:(اذا حبلت المرأة وولدت ذکرا تکون نجسة سبعة أيام) ونستمر في قراءة السفر حتى نصل الى(وان ولدت أنثى تکون نجسة اسبوعين)!! ولادة المرأة للطفل الذکر تجعلها" نجسة " لسبعة أيام، في حين ولادتها للأنثى تجعلها نجسة لإسبوعين، أما لماذا فلاسبب إلا لأنها أنجبت أنثى!! بل وأن اليهودية ذهبت أبعد من ذلک حين حرمت المرأة من الميراث. ولست أرى سببا مقنعا واحدا يجمع بين هذا التزمت و المبالغة بتصوير المرأة على هذه الصورة المشوهة التي وردت في النصوص المقدسة الآنفة، سوى ترسيخ مبدأ سيادة الرجل ومنحه بعدا مقدسا يبرر عملية سلب الماهية الانسانية للمرأة ووضعها في إطار ممسوخ غير إطارها الصحيح و الواقعي. والحق أن النظرية الدينية قد بنيت في الاساس على السعي الانساني لحالة معينة من الکمال. وهذا الکمال يحتاج قطع أشواط عديدة کي يناله الانسان، ومنها ترفعه عن الملذات و الشهوات و حبائل الشيطان. وتتفق الاديان برمتها(مع إختلاف طفيف لايؤخذ به من حيث المبدأ) على أن أهم شرک وفخ للشيطان ينصبه للرجل(المسکين المغلوب على أمره) يتجلى في المرأة!! ولذا فأن الاديان برمتها(ومن ضمنها الاسلام أيضا) تدعو الرجل للإحتراز و الحذر الکامل من المرأة(فکلها شر و شر مافيها أنه لابد منها) وقد يواجهنا البعض بإختلاف الدين الاسلامي في نظرته و تعامله مع المرأة قياسا بالاديان الاخرى عموما و المسيحية خصوصا، ولاغرو أن التعامل مع المرأة في المرحلة التأريخية التي أعقبت ظهور الاسلام شهد تحسنا نوعيا بالامکان تسميته بالطفرة من حيث إيلائها مساحة أکبر و أوسع من الاهتمام الايجابي في النصوص الدينية. إلا أن هذا التعامل الايجابي للإسلام لم يرقى الى المستوى الذي يختلف فيه إختلافا جذريا عن باقي الاديان الاخرى من حيث خصوصية مکانة المرأة قياسا للرجل، ذلک أن الاسلام قد سوغ مسألة سيادة الرجل بشکل أکثر منطقية من باقي الاديان الاخرى، وبهذا فهو قد إختلف في الاتجاه لکنه لم يختلف في الهدف(وهو تبعية المرأة للرجل). لکن واقع الامر و التداعيات الناجمة عنه، يدعونا لعدم الاکتراث بهذا التحفظ "الذي هو إعتراض في حقيقته" والسير قدما في البحث عن جوهر هذه الاشکالية و خصوصياتها. ونحن حين نراجع النصوص الدينية المختلفة بشأن المرأة من المنظور الاسلامي، فأننا سوف نترک مسألة "التأويلات" و "التبريرات" و "المسوغات" التي تسوق عادة للدفاع عن النص ونأخذ الخط العام للمعنى. ولاغرو أن الاية القرانية الکريمة34 من سورة النساء والتي مطلعلها:(الرجال قوامون على النساء) هي من النصوص الواضحة في معناها التحديدي، إذ أن هذه الاية الکريمة تحدد بصورة لالبس فيها مسألة القيمومة للرجل وهي تنطلق من الاعتبارات المستندة الى:
1 ـ الاعتبار البايولوجي لتفوق الرجل على المرأة من الناحية العضلية.
2 ـ الاعتبار الاقتصادي لکون الرجل مصدر الاعالة الرئيس للعائلة و المرأة لاتزيد عن کونها مجرد تابعة ترقى في بعض الاحيان الى معينة رئيسية للرجل.
3 ـ الاعتبار الاجتماعي الذي يمنح صفة الزعامة و الريادة للرجل.
لقد کانت الاية الکريمة أعلاه حين نزلت کانت لها مبرراتها و أسبابها الواقعية آنذاک وقد کان السند الاقوى لها کمسوغ شرعي هو الحديث النبوي(النساء ناقصات العقل و الايمان)، هذا الحديث الذي يحاول الکثيرون من المسلمين المتنورين إيجاد تبريرات و تفسيرات مقنعة له من دون جدوى. لکن هذا الحديث الذي يطرح علنا تخلف المرأة عقليا قياسا للرجل، لم تؤيده أبحاثا علمية، أو بکلمة اخرى لم يثبت العلم أن الرجل أفضل عقليا من المرأة بل وعلى العکس هناک بحوث علمية تذهب الى أن المرأة تتمتع بمميزات عقلية أفضل من الرجل من حيث سرعة التلقي و الاستيعاب و الاستجابة. لکن هل أن الوضع قد بقي على ماکان عليه لحد يومنا هذا ؟ أو لنحاول أن نطرح السؤال بصيغة أقرب للفهم و القصد، هل أن المرأة المسلمة المتواجدة في بلد صناعي متطور و لها مصدر عيشها و محمية بموجب القوانين المرعية ناهيک عن أنها تعيش في مجتمع يرى في المرأة ندا و شريکا کاملا للرجل" برغم بعض التحفظات و المؤاخذات التي مازالت قائمة". من هنا فأن منح القيمومة للرجل في وضع يفتقد للمبررات التي تستوجب ذلک، يصبح مسألة منتفية. وإذا کانت النصوص الدينية تطارد المرأة دوما على أنها کائن عاطفي تتحکم في تصرفاته المشاعر، فلاأعتقد أن الرجل بمنأى عن التأثر بمسألة المشاعر و الاحاسيس، فمسألة العاطفة هي من أکثر المسائل أصالة في الوجدان الانساني بشکل عام. صحيح أن المرأة بحکم تکوينها الفسلجي تخضع للمسألة العاطفية أکثر من الرجل، لکن هذا لايمنع من کون الرجل أيضا متأثر بالمسألة العاطفية و خاضع لها في کثير من الاحيان. إلا أن الاديان تبرر خضوع الرجل للمشاعر التي تحرکه بإتجاه المرأة، بأنه شرک شيطاني منصوب من خلال إمرأة. وحين يتحرک هذا الرجل المتحرق شوقا بإتجاه المرأة، فأن الاديان تصور تحرک الکمال صوب الخطيئة التي تعني الإنتقاص! والغريب في الامر أن الاديان نفسها تمني الرجل الذي يصمد أمام( إغراءات و إغواءات) المرأة و لايکترث لها بالحوريات الفائقات الجمال في الفردوس. أي يمنعون الرجل عن المرأة بالمرأة نفسها! ولکن في ذات الوقت تقوم الاديان بمنع المرأة لامن الرجل فحسب وإنما حتى من نفسها و إنسانيتها حتى لاتصبح من شراک إبليس المنصوبة للرجل. أن الواقع يدعو للتمعن أکثر في هذه المسألة و محاولة الخروج بالمرأة من دائرة النصوص الدينية التي تکبل و تمتهن ماهيتها الانسانية، إذ لامناص من الاقرار بأن النص الديني برغم الهالة المقدسة التي تحيط به، بات هو الاخر محاط بجدران الازمة و الانغلاق. ورغم أن صراع المرأة (دفاعا عن حقوقها) مع النص الديني، سيکون الصراع الاصعب في طريقها، إلا أنه لامناص من أن تخوضه، فقد بدأت المأساة من هذه النقطة و سوف تنتهي عندها !