تشغيل المرأة بين المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة (2/2)



خالد ديمال
2013 / 4 / 16

إلغاء الفوارق الإجتماعية بين الجنسين حتمية تمليها صيرورة مجتمعية تخضع للحركة، في صلبها، وهي شرط للوجود (الذي يساوي موقفا في قضية معينة)، بل محمول ثقافي/ مفهومي، لأنه معتاد التنمية، دون تصنيفات نوعية، وهي في عمومها، الصيغة الوحيدة للتشارك الإجتماعي. فالتغيير يرفض بطبيعته، التستر والكتمان، لأن ملامسة الواقع كإشكال ومعاودة في تفكيك النسق الإجتماعي، يدخل الإحتكارات الموجودة، كمتناول اجتماعي، في صلب التحليل، لفك الأغلال/ الطابو.
هكذا، فمشكل المرأة هو شمولية إنسانية، أي حمولة متراكبة تجد مداها في الإرتباط البيني، أي البنية الإجتماعية بما هي خاصية ثقافية، بالضبط في المجتمعات المغلقة التي يسير فيها التغيير ببطء، ثم في تماهيها الجوهري بالتراكم الكوني، كمنطق موحد.

المساواة الجنسانية محرك دينامي لتحقيق التقدم

إن المخاض / المغامرة، هو التعامل مع الجديد بعقلية استكشافية تعيد قراءة القضية من جوانب متعددة، وبوتيرة متسارعة أحيانا، بحكم ضغط مفاهيم عدة، متحركة، مثلما هو الحال مع استقدام الشأن الكوني، وإدراجه كتثاقف محاذي للمواقف السائدة، وفي التبلور الناظم للسلوك الإجتماعي، ولكن في تحوله كمستوى ملموس، وبالخصوص في لزومه كصفة دالة على تداخل جنساني متقارب (المرأة والرجل). فالتحول هنا، يعني، اعتبار المشكل بحد ذاته استعادة لسؤال المساواة مع استبعاد المؤثرات السيكولوجية من دائرة المقاربة، والتعلق بالتالي بالمتحدد الحركي (ضد السكوني)، مع تبني الإفتراض العادي (كون المرأة كائن إنساني بدرجة أولى)، في سياق التعقيد (اعتبار التقاليد والقيم بمثابة حاجز للإدماج). فالتنمية منحى ممكن، ولا ضرورة لوضع تبريرات ثقافية، كإدخال مسألة "التخوين" عند تفكيك العامل الخصوصي في مستواه الجنساني (بمجرد الإقتراب منه بالنقد أو الفضح"، ولكن بإعمال مفهوم التواتر / النزاع إلى التخلي عن مراكمة / أو مراكمات ثقافية مربكة أو متآكلة تحت ضغط السيرورة.

أ‌- التمييز بين المرأة والرجل سلوك ثاو في الثقافة الإجتماعية
الإقصاء إذن، عنف ذكوري سياسي، ووصاية بطريكية (أبوية) مفروضة، لكنها متحللة كظاهرة، يمكن رصدها من التحليل المقارباتي الممنهج، لأن التحدد له انتماء، بمعنى التأليف العددي (نظام الكوطا نموذجا) المحصور برقم معين للمشاركة، وقد يكون ثقافيا كما أشرنا، لكن التجدد سياق موضوعي ذي فائدة، فسمات الإدماج قد تكون ظاهرية، أما الباطن التشاركي فقد يكون استنباطا نصيا ليس إلا، وبالتالي ديماغوجية تلتبس بالتوليف السجالي المألوف في صيغة الخطاب، وفي بداهته الإيديولوجية، مثلا: التعليم، المشاركة السياسية، العلاقة مع الإدارة، الفقر، البطالة، نسبة الأمية..
فهاته المتوالية المنظمة لبعضها، قد تكون مجرد إثارة غير مباشرة لحقيقة الإشكال، وصلبه الإجتماعي الواضح، وربما قد ينفي لزوم الصفة، التي هي الإدماج الجنساني الإحتكاري (الذكوري خاصة)، ولكن هذه المرة بصيغة التعميم المحصور، أي الإقصاء المفتعل، كشامل إجتماعي متعمد، يمس المناحي الإحتمالية المعممة، التي قد تطال المرأة والرجل على حد سواء. من هنا، فالتعاطي المفهومي للتنمية، وإحالاتها الإدماجية، قد يشكل تحديدا استحضاريا لعمق الإشكال الذي قد لا يكون جنسانيا بالفعل، ولكن تراكميا في التراكب، وبالضبط عند إدخال التحقيب كعامل مساهم في الإزاحة (كتاريخ ذكوري حامل لفكر الإقصاء، بما هو موروث ثقافي)، وهو تحقيب كرونولوجي بالضرورة، يدخل في التشكيلة الإجتماعية، والإقتصادية، والسياسية، هو إشكال يثبت فيه استحقاق مأزوم بذاته، وفي ذاته.

ب‌- الحداثة نفي لسيكولوجية الإقصاء
هل الإقصاء مفهوم ذكوري، أم أنه ناظم إجتماعي سائد كثقافة إحترازية تشكك بالقدرة الجنسانية / الإختلافية (للمرأة) على صياغة منظومة اجتماعية تكاملية في التوحد التآلفي بين المرأة والرجل؟.. كيف نقوم هذا السلوك الإحترازي، هل بمبدأ الكفاءة المادية، الذي يساوي القوامة الذكورية، أو ضدها، والذي يعني المساواة في حالة تكافؤ الفرص بصيغة مضمرة؟.. وهل يمكن للتكامل أن يوحد القدرات رغم الإستمرار البطريكي (الأبوي)، الزاحف كنمط ثقافي وقيمي متمركز حول نفسه في الثبات والرسوخ؟.. كيف يمكن التأثير في البنية الإجتماعية، كمتناول ثقافي / إقصائي تحت طائلة، عامل الجنس (النوع)، يقوم بالقوامة (الإمتياز)، ويقول بها في الإعتقاد المؤمن بقوة جنس معين / ومحدد (الرجل)، على حساب آخر يراه ضعيفا (المرأة)، سيكولوجيا، وربما باستحضار العامل الفيزيولوجي أيضا؟..
هي أسئلة لا يمكن الهروب منها، ما دامت شأنا إنسانيا في الإنتاج والتلقي الثقافي أولا، ومنهجية واثقة، من أحقية الإثبات في الوجود الإجتماعي عن هذا التساؤل العميق (الباطني)، بحد ذاته.
وعلى سبيل الإستئناس، فذاكرة قارئة للرموز الثقافية (المدنية)، لا يمكن أن تسلم من المداهمات الفكرية، لأنها حلقة وثقى في تشخيص رؤى الآخر وآرائه في آليات الضبط والتقويم، على اعتبار أن البنية الإجتماعية هي تشكيلة موحدة، تنفث منها ماهيات أخرى لا يمكن التغاضي عنها، وإلا سقطنا في التعتيم، والهروب إلى الأمام، وبالتالي فهي مقاربة تحتل حيزا أكبر عند مقارنتها بالتحديات الداخلة في بؤر التجديد المتاخمة للبنية الإجتماعية السائدة في الرسوخ والثبات.
لكن الشيء الذي يثير الإنتباه، أن النمطية السياسية هي التي تحول دون متاخمة الحقيقة، لأن المؤثرات هي ثقافية / اجتماعية بالضرورة، متعلقة بمخيال جماعي جموح / وراكد، والتجديد فيه نفي للذات الجماعية، وقفز على الماهية الثقافية السائدة. والتحرر الذي يعني التجاوز، كمعبر عن نفس جديد يقبل التحول، قد يصير إلتباسا إذا لم يتم ربطه بالمتغيرات السوسيولوجية كقدرات أو عادات أخرى قد يكتسبها الفرد (الإنسان)، كعضو في مجتمع مرن، أي قابل لأن يتغير بتغير الذهنية السائدة، أي تحويل الذكورية / والأبوية إلى شكل جنساني له القدرة على التآلف / والتعايش مع المختلف معه (كجنس / نوع)، والمختلف فيه (كخطاب / وثقافة مغايرة)، أي تجل لحقيقة قائمة بذاتها تورط الحقل السائد في حوار مفروض بمنطق جمع الإنشطار، ورأب صدعه، لأنه يدرج / ويدمج تمايزا ثقافيا جديدا (كخطاب مساواتي)، وقديما (كجنس موجود بوجود الرجل)، في النسق السائد، دون النظر إلى طبيعة الزوج المناقض في بنية هذا النسق (كالخطأ والصواب، الجائز والممنوع، مثلا.. كقيم لم تعد ذات موضوع / أو مضمون)، وإدخال آليات أخرى مغايرة، كمفهوم المصلحة، وتفعيل مقتضياته، في إطار من المماثلة التوسطية بين المرأة والرجل، وفي حدود الربط الوظيفي بينهما، يحمل دلالات التكامل المرصوص القائم في المكون الإجتماعي، كارتباط تاريخي، واجتماعي معمم، تقتضيه الإستلزامات (الحاجات) المفروضة تحت حتمية التنمية.