واقع المرأة بين الخصوصية والكونية: -نحو تجاوز التوظيف الإيديولوجي لسلطة الشرع- (2/2)



خالد ديمال
2013 / 4 / 18

مشكل المرأة لا يمكن أن يخرج عن إطاره العام / الإجتماعي، فتعالقه بالبنية الإجتماعية هو السياق الصحيح، كمطارحة، تندرج أساسا في المنهج الفكري الواجب تبنيه للنظر في المسألة في مجملها. فالحرية إما أن تكون حرية الإنسان، أي حرية الرجل والمرأة، وحرية المواطن، كاتبا ذا رأي، ومفكرا، ومجتهدا، ومبدعا، وعاملا، أو لا تكون حرية، بل امتيازات. من هنا فارتقاء المرأة وتحررها شرط لازم لتحرر الأمة وارتقاؤها.

المشاركة النسائية أداة فاعلة في تحقيق التنمية وتأسيس دولة الحق

إن إدماج المرأة في التنمية على قاعدة المساواة هي شمولية اجتماعية، يدخل فيها السياسي والثقافي، والإقتصادي، فلا يمكن للمساواة أن تحدث بين المرأة والرجل دون دمقرطة النظام السياسي نفسه. إذ لا يمكن لأي نظام غير عادل أن يكون منطقيا، والنظم الظالمة لابد تنتج عنها ظواهر غير معقولة، ومتناقضة، وإن الحضارة الذكورية التي يعيشها العالم الحديث نتجت عنها ظواهر غير معقولة. وإذا أخذنا قانون الأحوال الشخصية كنموذج، نجد اللامساواة بين الرجل والمرأة، الرجل يساوي ضعف المرأة، فصحة عقد الزواج يشترط فيها "حضور شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين عاقلتين بالغتين سامعتين الإيجاب والقبول، فاهمتين المقصود بهما". تعليل ذلك، أن المرأة كثيرة النسيان. من برهن على ذلك؟..
إن مختلف العلوم المهتمة بالإنسان، تفند هذه الطروحات. إنه رأي ينبع فقط من علاقات اجتماعية قديمة حاصرت المرأة بالقمع والنبذ. إن هذا الحيف الإجتماعي، والميز الجنساني، يهدر مواطنية جماعة لا بأس بعددها وتأثيرها ومساهمتها في بناء الوطن. وإذا أضفنا الإرث نموذجا، فنعثر على التوزيع غير العادل، وهو ليس في صالح النساء إطلاقا، "للذكر مثل حظ الأنثيين"، فهذه لامساواة أولى، تعقبها لامساواة أخرى كلما تشعبت القرابات العائلية، يمارس فيها الحيف على النساء. وإذا تناولنا الجانب المتعلق بالولاية، نجد المرأة مسلوبة الحق في الإدلاء برأيها تجاه الخطيب / أو الزوج، من حيث تنعدم لديها إرادة الإختيار. يقول قاسم أمين "والمرأة التي يسوقها والدها كالبهيمة إلى زوج لا تعرفه ولا تعرف شيئا من أحواله معرفة تسمح لها بأن تتبين حقيقة أمره وتحصل لنفسها رأيا فيه لا تعتبر حرة في نفسها، بل تعد في الحقيقة رقيقة..".. ثم يتابع قوله في فقرة أخرى: "ليس مرادنا أن نقول إن المرأة اليوم تباع وتشترى في الأسواق، ولكن ليس الرقيق هو الإنسان الذي يباح الإتجار به فقط، بل الوجدان السليم يقضي بأن كل من لم يملك قيادة فكره وبإرادته ملكا تاما فهو رقيق".
فالمرأة إنسان، قبل كل شيء، الإنسان الفرد، المتميز، الذي لا يتكرر في غيره، فالتحرر يأتي في هذا السياق، بمعنى الإنعتاق من القيود التي تكبل الحركة، والإسهام، بالتالي في تكوين الشخصية المتزنة، المملوءة إحساسا بالعزة والكرامة، عبر المساواة الفعلية.. ومن هنا يأتي الكمال الإنساني، كفعل يتحقق بالمشاركة في البناء والتغيير، وبالتالي تقويض الأوضاع الجائرة، ومعاداة الطغيان، بإعلاء قيم العقل، وتمجيد الإنسان، رجلا كان أو امرأة..

حقوق المرأة بين التباس مستويات الإختلاف وإشكالية التوظيف الإيديولوجي

إن المدافع عن حقوق المرأة، ليس عليه أن ينافس سجل "الأحوال المدنية"، بل أن ينافس الواقع المفروض، واقع "الحياة"، تارة وهو يبدو أنه يخضع له، وطورا بتحويل هذا الواقع، للتنافس معه، ولا شك أن يوجد من يعتبرنا مخالفين للدين، فلا خلاف على أن الدين –وليس الإسلام وحده- يجب أن يكون عنصرا أساسيا في أي مشروع للنهضة، والخلاف يتركز حول المقصود من الدين: هل المقصود هو الدين كما يطرح ويمارس بشكل إيديولوجي نفعي، أم الدين بعد تحليله وفهمه وتأويله تأويلا علميا ينفي عنه الأسطورة، ويستبقي ما فيه من قوة دافعة نحو التقدم والعدل والحرية؟..
إن المشكل في جوهره يتعلق بأزمة حضارة تقوم على سلطة الرجل داخل الأسرة الأبوية، والتي إنتزع فيها الأب من الأم النسب، وأعطى لنفسه دور الإنتاج والخلق الفكري، وترك لها دور الخدمة في البيت وتربية الأطفال. لذلك، فالمعركة هي معركة قراءة النصوص الدينية –حسب نصر حامد أو زيد-، طبقا لآليات "العقل الإنساني التاريخي، لا العقل الغيبي الغارق في الخرافة والأسطورة". من هنا يأتي النقد، كأداة وشرط من شروط المعرفة، أداة لتأسيس الجديد، وشرط للتمييز بين الجوهري والعارض، في القديم أو السابق. فسلطان القيم والعادات وما طبعت به الناس، هو ما يفسر التناقض الفاضح في السلوك والمواقف إزاء كل ما يختص بالمرأة.
وإذا تعمقنا في التحليل أكثر، نجد أن المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، لا يمكن أن تتم إلا في مجتمع متفتح في علاقاته الإجتماعية، بحيث تكون للصيرورة الداخلية للتغير أهمية كبرى، بما يعنيه ذلك من حركة تواصلية لا متوقفة، لأن المجتمع المنغلق، كحالة المجتمعات العربية –والمجتمع المغربي على سبيل التخصيص-، فهو الذي تكون فيه آليات التغير الداخلي مقلصة بلا حدود، فالنزوع الأبوي ما زال يعاند الإقرار بصفة المواطنة للأفراد (بمن فيهم المرأة) والجماعات، والزبونية تشكل أحد المظاهر المحركة للعلاقات بين الناس، مشوشة بذلك على بروز معايير موضوعية توجه السلوكات المدنية. مع العلم أن التوسع الحضري للمدينة بدأ يخلخل النظام الأبوي، ويشقق نظام القرابة التقليدي، ويشجع على بروز مظاهر الفردانية، تمكنت المرأة على إثره من الإنفلات من وضعية الإرتهان، والسبب خروجها للعمل، كفعل ساهم في تغير تموقعها، إذ أصبحت عنصرا فاعلا في الحياة الإقتصادية والإجتماعية بشكل يعارض نسق القيم القائم، وهو معطى يوضح بجلاء التغيرات الإجتماعية، وموقع المرأة فيها، تكسر على إيقاعه نمط العائلة الممتدة، ليظهر في مقابله نمط العائلة النووية، بما يعنيه ذلك من تغير في توزيع الأدوار والمهمات.

التنمية والديمقراطية أساس مساواتي بين المرأة والرجل

إن حقوق الإنسان نسق شمولي لا يعرف التمييز، وبالتالي، فتقويض مجتمع الإستغلال الموسوم بصفة الإختلاف، إذا كان قائما على هذا الأساس، يستوجب القضاء على الحيف في مختلف تجلياته، خاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة. فالخلل القيمي الذي يركز التفوق الذكوري على حساب الدونية النسائية، لن يعرف طريق التوقف دون وضعه تحت المجهر لفحص مكامن الضعف والتململ المسنود بمثبطات السلطة والقهر الطبقي.
من هنا، فالبرنامج في حد ذاته، ليس آنيا، فهو في عمقه استراتيجي تحت طائلة الضرورة الملحة، وبأهداف قابلة للتحقيق، في أفق رسم معالم التغيير المجتمعي، وعلى قائمته قضية المرأة، فالأم الفاقدة للوعي بأساليب التدبير الموضوعي في التعامل مع مستجدات الواقع، تكون أول ناقل للخرافات والأساطير لأبنائها، الشيء الذي يؤثر سلبا على عمليات التطور، ويساهم، بالتالي في تكريس التخلف والتراجع..
إن القضاء على الإضطهاد في اتجاه التوعية، كمنهج وممارسة، وبارتباط موضوعي بين المرأة والرجل على أساس من المساواة، يسهم في توطيد معالم مجتمع، بل جيل، لا يخشى التفكير المستقل، والقادر على النقد بأسس عقلانية، تقدر قيمة الحرية والإنسانية، وتوسع بالتالي من هامش الإبداع الممهد لخلق مجتمع التغيير، بمعنى المجتمع الديمقراطي الحديث.