المرأة السورية ومزيد من المعاناة في ظل الأزمة



علاء جوزيف أوسي
2013 / 4 / 18

انعكست الأزمة التي تعيشها سورية منذ خمسة وعشرون شهراً على المرأة والطفل، لأنهما الأكثر تضرراً. صحيح أن القسم الأكبر من المعتقلين والضحايا كانوا من الرجال لكن العبء الأكبر يقع على كاهل المرأة. الأمر الذي يصيبها في كل منطقة يحدث فيها نزاعات. وسورية لا تستطيع أن تخرج عن هذا النطاق، فعلى المستويات كافة، النفسي والاجتماعي والعمل.. إلخ، المرأة الآن هي الأكثر تأثراً في سورية إضافة لمن استشهد أو اعتقل أو هجر داخل البلاد وخارجها.

ومن ناحية أخرى عززت الأزمة الصور النمطية للمرأة، وكرست التمييز بحقها. وعن ذلك تحدثت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل عليا أحمد: (من المعروف عالمياً أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً أثناء النزاعات المسلحة في أي بلد. والأزمة في سورية منذ اتخذت شكلها المسلح وبطريقة عنيفة وقاسية، بدأت الأضرار تتوالى على النساء يوماً بعد يوم، فمن فقدان أب أو أخ أو زوج أو ابن... إلخ، إلى ألم المصيبة وصدمتها وآثارها النفسية، إلى ما يتبعها من نتائج ترتب على المرأة أن تحل محل الرجل الغائب أو المفقود أو الشهيد، فتزداد مسؤوليتها وتثقل أعباؤها، فتغدو الزوجة في الوقت عينه أماً وأباً لأطفالها، والبنت معيلاً لعائلتها، ما عدا المعاناة التي تعيشها المرأة بعد اضطرارها وعائلتها للنزوح عن بيتهم واللجوء إلى أماكن غير مناسبة للعيش وما يرافق ذلك النزوح من مصاعب).

أدت الأزمة لفقدان الكثير من النساء لأعمالهن، واضطررن للعمل بأعمال غير لائقة بهن، كنبش النفايات أو فرزها أو العمل ضمن المنازل وغير ذلك. فعملت على تغير الأدوار وتغيير أنماط العمل التقليدية التي كانت سائدة، الأمر الذي أثر على جميع النساء، سواء أكانت ربة منزل أم عاملة بالقطاعين العام أو الخاص. فالأزمة تؤثر تأثيراً كبيرأ على تغيير الأدوار التي كانت تلعبها المرأة في ظل المجتمع الذكوري.

وعن انعكاس الأزمة على الاقتصاد وسوق العمل قالت: (نلحظ فقدان الكثيرات لوظائفهن، وخاصة في القطاع الخاص الذي أغلق أبوابه نتيجة لأعمال العنف التي طالته -كما طالت كثيراً من القطاعات العامة- وتسببت في إيقاف حركة العمل فيه. أما من لم تفقد وظيفتها فهي تتعرض يومياً لمشكلات ومضايقات نتيجة الظروف الأمنية وصعوبات التنقل، الأمر الذي جعل المعاناة اليومية التي كانت النساء العاملات يعشنها سابقاً تتضاعف في ظل الخوف المسيطر والرعب الذي يُرخي بثقله في كلِّ لحظة، خشية سطو مسلح على المكان الموجودة فيه، أو في الطريق من العمل وإليه، ولا يخفى على أحد عمليات الخطف والقتل التي دفع ثمنها كثير من النساء العاملات).

وتابعت تقول: (من ناحية أخرى أدت الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع الأسعار، واختفاء العديد من الضرورات المعيشية، الأمر الذي زاد الأمر صعوبة على النساء المعيلات لأسرهن واللواتي ازداد عددهن، الأمر الذي اضطر كثيرات بالفعل إلى مزاولة مهن غير لائقة اجتماعياً. وهذا ما زاد من شدة الضغط النفسي وظهور الاضطرابات النفسية والسلوكية والاجتماعية عليهن، الأمر الذي يتراكم حالياً وسينفجر في وقت لاحق بشكل أكثر حدة، مما سينعكس سلباً على أسرهن وعلى أطفالهن بالذات. فالمرأة التي تمارس عملاً غير مُرضٍ بالنسبة لها ستعاني من ضعف تقدير الذات وتقدير المجتمع، الأمر الذي يخلق نساء فاقدات الثقة بأنفسهن وبالمجتمع حولهن، ويولد نقمة تجاه كل ما تسبب لهن بذلك، في الوقت الذي هن غير قادرات على تغيير واقعهن فإنهن سيلجأن لاشعورياً لآليات دفاعية ستكرس الصور النمطية السلبية الموجهة ضد المرأة، فتدفع بذلك الثمن مرات ومرات للعنف والقهر الذي يتعرض له المجتمع).

وعن السبل الكفيلة للارتقاء بوضع المرأة السورية في مجتمعنا قالت الناشطة في مجال المرأة عليا أحمد: (لابد من التأكيد أنَّ المرأة السورية هي جزء من المجتمع السوري، وحل أزمتها لا ينفصل عن حل الأزمة السورية بشكل عام، وذلك بالعمل بجميع السبل الممكنة لتحقيق السلم الأهلي، والمصالحة الوطنية، وتأكيد دور المرأة وضرورة مشاركتها الفعلية -لا الرمزية- في جميع النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للنهوض بالمجتمع بالشكل الصحيح والمتكامل. ولكن هذا لا يقلل من ضرورة البدء حالياً بخطوات وإجراءات هامة تحمي النساء، وخصوصاً النازحات، من أي استغلال، وتؤمن لهن ولأسرهن بدائل آمنة للسكن، إلى حين حل مشكلتهن والعودة إلى بيوتهن وإعادة إعمار المدمر منها، وتأمين مستلزمات العيش الضرورية لهم و لمعوقين والمتضررين من العنف خاصة، لتخفيف العبء عن النساء المتكفلات بإعالة أسرهن).

سورية والاتفاقيات.. لا يتفقان!

أفرزت الحركات النسويّة والنضالات الحقوقيّة الدوليّة قوانين واتفاقيّات وإعلانات من بينها: اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، الصادرة عام 1979. وعززتها عشرات المؤتمرات والمواثيق التي تهدف إلى خدمة قضايا المرأة، كالحملة العالمية التي أطلقت سنة 1991 حملة سنويّة للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة. ثم كان إصدار الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في ،1993 وأعقبه بعد ست سنوات إقرار البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وقد وقعت سورية أسوة بغيرها من الدول على العديد من هذه الاتفاقيات الدولية، ووافقت على الكثير من القرارات والإعلانات. وحول وضع المرأة السورية في ظل الأزمة الحالية وانعكاس هذه القرارات على أرض الواقع أكد الأستاذ المحامي وسام جلاحج، الناشط في مجال حقوق المرأة والطفل، وجود نظرة ذكورية في مجمل دول العالم. وقال: (أغلب الدول التي حدثت فيها صراعات يعتقد رجال (الثورة) أو رجال الحكم أنهم ينصفون المرأة -بغض النظر عمن هم. فرجال النظام يعتقدون أنهم كانوا ينصفونها، ورجال الثورة يعتقدو بأنَّ هذه (الثورة) ستوزع خيراتها على الجميع بالتساوي)، وفيما يتعلق بالوضع في سورية قال: (أظهر الواقع في سورية أن فئة قليلة هي المستفيدة من هذه (الثورة)، والفئة الأكبر هي التي تهمش وتعاني). وتابع قائلاً: (يجب أن نأخذ ذلك بالحسبان، ونربطه مع اتفاقية سيداو والقرار 1325 الذي له علاقة بالمرأة والنزاعات المسلحة).

وعن دور الاتفاقيات الدولية قال: (إذا عددنا اتفاقية سيداو والقرار 1325 البوصلة لأي عمل أو نشاط نريد القيام به بأي وثيقة أو قانون أو مشروع إعمار أو غيره، فيجب أن يكونا موجودين لدينا. فالقرار 1325 الصادر عن الأمم المتحدة يلحظ كل ما يتعلق بأمور المرأة في الاتفاقيات والحروب،. واتفاقية سيداو تركز على موضوع المساواة وإلغاء جميع أشكال التمييز، فربط الاثنين معاً هو المخرج الوحيد لهذا الموضوع).

وعن أسباب عدم تطبيق هذه الاتفاقيات على أرض الواقع قال: (نحن ملزمون حسب اتفاقية جنيف بالاتفاق لأننا وقعنا عليه، ولا يجوز أن نتذرع بأن قانوننا المحلي يعارضها، أي أن نترك قوانين الاتفاقية لأنها تتعارض مع قوانيننا الداخلية. فنص اتفاقية سيداو واضح، ولكن المشكلة الأساسية في سورية هي موضوع التحفظات التي ألغت الاتفاقية عملياً. فجوهر الاتفاقية (المادة الثانية) التي لها علاقة بالتعديل الدستوري وقانون العقوبات، أي التي لها علاقة بالبناء القانوني كاملاً، تحفظت سورية عليها، وهي لب الاتفاقية).

وبالنسبة لآلية تفعيل هذه الاتفاقيات في سورية كغيرها من الدول التي وقعت عليها قال: (كانت المشكلة في سورية ومازالت أن الدستور لم يتضمن مادة تحدد موقع الاتفاقيات الدولية من ناحية التطبيق، فنحن نحاول أن نجتهد اجتهادات قانونية لنلزم الحكومة السورية بهذه الاتفاقيات، كاتفاقية حقوق المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة جميع أشكال التعذيب، واعتقد أن ذلك النص لم يوضع عمداً. فحتى في الدستور الجديد لم يوضع نص واضح وصريح يحدد مكانة الاتفاقيات الدولية، فكان من المفترض وجود نص يقول إن كل اتفاقية تصادق عليها سورية وتوافق عليها تصبح جزءاً من القانون المحلي، وهي جديرة بالتطبيق).

وتابع قائلأً: (لا يكفي في أي اتفاقية أو قانون أن نكتفي بإصدار القانون، بل نحتاج إلى الآليات لتطبيق هذا القانون وضمان تطبيقه، فهي جملة متكاملة. وموضوع المرأة ليس موضوعاً جزئياً أو تفصيلاً صغيراً. ومن أراد أن يعمل عليه فعليه العمل بسياسة متكاملة تربط المواضيع جميعها بعضها ببعض، بدءاً من القانون إلى تطبيقه إلى ضماناته إلى عقوبات تطبيقه. فهناك الكثير من الأمور فيما يتعلق بهذا الكيان، أضف إلى ذلك أننا خلال العقود الماضية لم نعمل على موضوع تغيير الأنماط، بل عملنا على تكريسها وهذه كارثة كبيرة، فاليوم أصبح يوجد أدوار جديدة في البلد علينا أن نأخذها بالحسبان).

وشدد الأستاذ وسام على ضرورة تغيير الدستور، وأن تكون المادة الأولى الموجودة فيه هي المادة التي تعاني منها النساء والأقليات الآن في سورية، وهي المساواة، أي تكريس موضوع المساواة كما هو وارد في اتفاقية (سيدوا)، لا كما يعرفها واضعو الدستور، وذلك من خلال مقدمة الدستور التي لها علاقة بالحقوق والحريات، هذا النص الذي يفترض وجوده في بداية الدستور هو الملزم والناظم للجميع، فيفترض أن تكون الحقوق متساوية تماماً بين المرأة والرجل، وذلك حسب ما عرفته اتفاقية سيداو. وتابع قائلاً: (أضف إلى ذلك وجود نصوص تقول إن كل المواد والمراسيم والتشريعات التي ستصدر لاحقاً ينبغي أن تتوافق مع هذا النص، أو فلنلغِ القانون في حال تعارضه مع مبدأ المساواة).

أخيراً... مازال أمام المرأة السورية معركة طويلة الأمد حتى تنال حقوقها كاملة، وتمارسها على أكمل وجه ممكن، خاصة أن الكثيرين يستثمرون قضية المرأة لتجميل صورتهم، إضافة إلى وجود ثقافة تقليدية ترى في تحرر المرأة خطوة يفوق ضررها بكثير المنافع المرجوة منها.

وما كانت التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجارية في البلاد إلا انعكاساً للسياسات النيوليبرالية وما خلفته من فرز طبقي خلف منعكسات سلبية على الشعب السوري، وبضمنها حياة ومصائر شرائح واسعة من النساء في الريف والمدينة، وخاصة الكادحات منهن، وصولاً إلى الفئات الوسطى، مع انتشار الفقر وتفاقم ظاهرة البطالة وازدياد الهجرة من الريف إلى المدينة، إضافة إلى زيادة الأعباء الحياتية التي تثقل كاهل المرأة داخل البيت وخارجه وخاصة العاملة، فيجب تضافر الجهود للوقوف في وجه السياسات والأصوات التي تكبل المرأة، ونعمل على إزالة العقبات وجميع أشكال الاستغلال والعنف والتمييز وعدم تكافؤ الفرص التي تعيق تطور المرأة السورية وتقدمها على توسيع دورها ومشاركتها في جميع الميادين.