الرقص خمرة المرأة ونشوتها !! ( 2 )



ليندا كبرييل
2013 / 5 / 7

- أخواتي .. بعد إذن الجميع .

الصرامة تتكلم . تحوّلت الأنظار إلى أم الشهيد . هذا أول تواصل لي مع إحدى منجزات الصحوة ، لا روايةً أو سمعاً عن العنعناتيين والعنعناتيات .. وإنما بثّ حي مباشر .
- تطرّقتن إلى مواضيع شتى هي من مشاكل مجتمعنا الراهنة كالرياضة . الأفراح . النقاب . وعلينا تقديم النصيحة الصادقة ليستقيم أمرنا .
اهتزّت الرؤوس مؤمنة على كلامها .
- أما الرياضة .. فلستنّ غافلات أيتها المحترمات عما تسببه الحركة من إثارة وتهييج الغرائز . غايتنا أخواتي الجسم السليم لا بطلات يحملْن الميداليات ، وليس من أهدافنا أن نغلب أحداً في البطولات العالمية ، فالغلبة لله وحده ، والجهاد في سبيله فحسب . نحن نشجع المرأة على ممارسة الرياضة في بيتها ، لا في النوادي التي تخلق المفاسد ، ولا في المدارس حيث يمكن لأي عين سرّاقة تصوير فتياتنا من بعيد .
المرأة في خرقها الحرام تشجع الرجل على الفاحشة . سؤال سيداتي : ألا يمكن للرياضيّة أن تجري في ( الماراطون ) إلا بالبكيني ؟ والرجال ماشية حلاوة معهم وهم يبحلقون بالمؤخرات المكتنزة والصدور المهتزة . حسبنا الله ونعم الوكيل ، هذا فساد يتضافر مع قوى الشياطين لإلهاء الناس عن واجبهم الديني . انحلال مخيف .
{ زلزلْ يا قدير أقدام تلك القردات الماراثونيات اللواتي لا يميّزن بين الحلال والانحلال . }
أمسكتْ عن الكلام وهي تنقل نظراتها بين وجوهنا الصامتة حتى استوفتْ نفسها قوة من اهتمامنا فعادت لتكرّ علينا بحملة انقضاض أخرى ، ما رأيكِ أنت ؟
وكانت مليكة الأقرب لها عندما باغتتها بالسؤال فأجابت في لجلجة :
- نعم ~ يا أستاذة .. ولكنهم في الغرب رغم انحلالهم المزعوم .. ناجحون منتصرون ، ونحن رغم محافظتنا .. وأخلاقنا المزعومة ، متبجّحون منكسرون . كانت لدينا سبّاحة مهيّأة بامتياز لاحتلال مراتب رفيعة في البطولات العالمية فلم تظفر إلا باتهامات شرسة في عرضها حتى اضطروها للاعتزال .
رمتْها أم بلال بنظرة مسربلة بالتهكّم ثم ردّت عليها بلهجة ممطوطة منطوية على سخرية :
- أي نجاح هذا يفيد الإنسانية مع استهتار الغرب بالقيم الأخلاقية ؟
ثم بلهجة جدية : هاتي ، اشرحي لي : كيف تفسرين ارتداء نساء التنس قطعة واحدة كاشفة تماماً عن الصدر والرجلين بعكس الرجل الذي يرتدي تي شيرت وشورت محتشمَين ؟
فقالت مليكة :
- الإنسان يعجز نفسياً عن تقبّل صورة مختلفة لما استقرّ في عرفه ، فيلجأ للرفض .
- نعم ، نحن لا نعرف هذه الصورة ونرفضها . إنها الهجمة الغربية لإفساد النساء تحت مسمى رياضة وحرية المرأة ، هذا مسيره إلى الإباحية والفجور .
والدليل استطابتكم أفراح اليوم وهي حرام شرعاً ، ومن عمل الشياطين التي تنزلتْ عليكن وملأت عقولكن بالخيالات ، فتشعرْن بالبهجة الزائفة بما يتخللها من عربدة وفحشاء ورقّاصات ماجنات أموالهن حرام جاءت من لصوص ومرتشين .
قالت ابتهال :
- إن كان كذلك فالمبالغ التي يتقاضاها الدعاة من التلفزيون والكاسيتات أيضاً حرام لأنه عمل مأجور ، والمفترض أن تكون دعوتهم تطوّعية إرشادية لوجه الله ، الرقص عمل تعيش منه الراقصة أما ..
- الفنون حرام ، والرقص خلاعة ، ليس شيمة بل شتيمة لخلقنا وسجايانا .
فقالت ابتهال وكأنها أرادت توجيه غمزة إلى إقبال التي يملك زوجها شركة لتنظيم رحلات الحج :
- وماذا تقولين يا أستاذة في الميزات المغرية الخاصة التي تقدَّم للحجاج في الفنادق الفاخرة ، كمقابلة المشاهير من الدعاة والفنانين التائبين ، أو حجز أماكن للصلاة في الصفوف الأولى من الحرم مقابل تسعيرة معينة كأنهم في سينما ، ألا يحمل هذا شبهة التكسّب والإتجار بالدين ويدل على تفوّق الغني على الفقير ؟
- هذا منطق جاف ، ديننا نجح في التوفيق بين تكاليف الحياة وأوامر السماء في وحدة منسجمة لا تنفصل ، والسعي إلى الرزق وتعمير الدنيا أمر إلهي ، هم لا يسرقون ولا يكذبون بل يقومون بخدمة المؤمنين ، والكل يصوم ويزكّي ويحجّ وباب المغفرة يتّسع للجميع حتى لكنّ أنتن اللواتي يفترض أن تكنّ ضمير المجتمع وضابط تحضّرنا ورقينا .
أصبح الحديث محصوراً بين الصقور أم بلال ، ابتهال ، راوية .
لكن صوتاً من الحاضرات خرج يؤذن بأن معارضة ما في طريقها للظهور . خرق الصوتُ حجابَ المنديل المغطّي للفم كما تخرق الرصاصة دريئة الرمي وقال :
- أين نتلمس بالضبط تحضّرنا ورقيّنا ؟
هنا ، كانت إقبال الأسرع في الجواب :
- ليس كخصوصيتنا الثقافية ما يضمن للإنسان العدل والشرف والكرامة . البعد عن ثوابتنا الدينية أبْعدنا عن روح الحضارة الزاهية التي عاشها أجدادنا فسادوا العالم وفضّلوا عليه بعلمهم .
احتجّ الصوت الرصاصة :
- لكننا الآن في ذيل العالم ، أين ذهبت منجزاتنا ؟ هل يرضيكِ أن نعيش على منجزات الغرب ثم نعترض على غزوهم الثقافي لنا ؟
- لماذا لا تبالون بحقوقكم ؟ مجدنا الذي شعشعتْ أنواره في تاريخنا وامتدّ إلى أرضنا الأندلسيّة ، الفضل لنا في علوم أوروبا ، ومنجزاتها العلمية التي توصّلت لها بضاعتنا الأصلية وتُردّ إلينا الآن .
{ سقطتْ إسبانيا ! }
تحدّى الخرقُ في المنديل الأسود قائلاً :
- داخلكِ ينطق بالاشمئزاز من الأجنبي ، ومع ذلك ذهب ابنكِ ليدرس في أميركا المنحلّة الكافرة . لِمَ هذه الازدواجية في سلوككِ ومظهرك الغربي ونصوصنا المقدسة تنهينا عن التشبّه بالضالين ؟
{ أيوه .. لمَ ااا ؟؟؟ }
تريّثتْ إقبال لتعمّق وقع كلامها على الحضور ، ثم قالت بهدوء يوحي بغضبٍ كامنٍ :
- مثلكِ سيدة محافظة على مظهر الحشمة في نقابها نأمل منها أن تكون أكثر رشداً في تقدير كلامها .
أجاب الصوت المنقَّب :
- إنه إرادة أبي وأخي ، شخصياً أفضّل الحجاب العادي وكفى .. وبدون ماكياج العينين والشفايف المعيب ومظاهر الزينة المخجلة التي ترافقه وتفسد المعنى الذي شُرِّع لأجله ، فأصبح فاضحاً لجمال المرأة وفتنتها لا ساتراً لها !
تدخّلت أم بلال بلطف قائلة :
- أوافقكِ على ملاحظتك الرشيدة ولكن .. هل سألتِ نفسك أيتها المؤمنة عن الغاية من فرض والدك النقاب عليك ؟ ألا تتفكّرين ؟
- لماذا لم يفرض عليّ وأنا في الحج ؟ هاتوا برهانكم !
{ هاتوا !! }
ثم أزاحت المنديل عن وجهها وتابعت :
- كان يمكن أن أفكر لو لم يختلف أهل العلم في الإفتاء بأمره . حتى صانع القبقاب أفتى في الحجاب والنقاب !!
أجابت أم بلال وهي تضغط على نهاية بعض الكلمات كأنها جرس منبه لشدّ الانتباه :
- أختي الكريمة .. النقاااب هو الأساس ، وتحرص عليه كرائم النساء اقتياداً ن ن بقول سيدتنا عائشة ( ر) عن صفوان بن المعطل : ( كان قد رآني قبل الحجاب فلما سمعت صوته خمرت وجهي ) ، كذلك ابن تيمية لا يجيز كشف وجوه النساء . ولكن ن .. بعيداً عن الأقوال القدسية وتفسير الفقهاء ، هناك سبب يدعو للنقاب ، هل يخفى عليكن ن ن ن ؟؟
ثم أشارت بسبابتها إلينا واحدة واحدة وهي تقول بصوت يستعر حماسة : كان يجب أن تتوصّلن بأنفسكن ن ن .. للغاية الحقيقية من النقاب .
وراحت السيدة في صمت الترقّب تنقل نظراتها المسربلة بمعانٍ موحية تخترق عيوننا المتسائلة ثم قالت في صوت مسرحي خفّتْ شدّته :
- منْ منكنّ تشك أنه بدءاً من النهدين فصعوداً حتى الرأس يشابه مكاناً آخر في الجسم ؟
تطلّعت الوجوه المقطبة ببعضها حيرة .
{ حاشاك .. وهل .. هناك .. إلا ذاك ؟؟! }
استرعى انتباهي منظر المنقبة الرصاصة وأكتافها تهتز بتأثير ضحكة محبوسة .
قطعت أم بلال الصمت وقالت بلهجة قاطعة مانعة :
- النهدان وما فوقهماااا يماثل الفخذين وما بينهما !!
مرّت لحظات كأني لم أستوعب ما سمعتُ : النهدان وما يعلوهما يماثل الفخذين وما بينهما ؟؟ !!!
بدأتْ غمغمة تشقّ طريقها على الألسنة باستحياء ، ثم أصبحت همهمة تعبّر عن بعض ارتياب وقد غلب الخجل نفوس النساء .. ما لبثتْ أن تبدّلتْ دمدمة واحتجاجاً تفجّر وتشظى في داخلي ، فاعترتْني رجفة وأنا أرى إحدى السيدات تخاطب زميلتها وهي تشير دون صوت إلى وجهها وبطنها ثم تجمع سبابتَيها وتجحظ عينيها متسائلة ، فتجيب الأخرى بإيماءة تأكيد صامتة من رأسها .
وإذ بها تهمس لصديقتها : لعنَ الله هذا الزمن الذي جاءنا بهذا الابتذال والوقاحة الأخلاقية ، ثم صاحت وعيناها ترميان الغضب :
- كيف نفهم هذا الكلام الغريب يا حاجة ؟
قالت أم بلال :
- لنتمعنْ في تركيب القسم الأعلى من جسم المرأة . لن نندهش من أن الوجه وما يحيط به من شعر وأذنَين وفم وعنق يذكّرنا بتطابق اللفظ والمعنى في القسم الأسفل منه ، بل إن .. الكاشفة فيكن ن ن .. عن القسمة الأبرز والأهم م م المميّزة للوجه وهي الأنف .. كأنما كشفتْ عن عورتها ذاتها !!!
تحجّرت العيون . جمدت القسمات . انسطلت الوجوه . تسمّرت الأطراف .
عندما تجنح التفاهة وتطيح في الهلوسات بهذه الصورة المؤذية تتخشّب الألسنة وتنزوي الحكمة ، ولعل إدراكي في لحظاتٍ تخدّر ، ولما استعدتُ نفسي ، شدّني إلى الزمن الحاضر صوت سهير وهي المدافعة عن الكثير من توجّهات أم بلال تقول بشجاعة :
- اسمحي لي يا أستاذة .. هذه مبالغة لتفسير النقاب . لماذا لا يشرّع للرجل ؟
أجابت أم بلال من موقع منْ لم يكتوِ بنار الفتاوى والتفسيرات :
- قال تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) و (يا أيها النبي قلْ لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ....) و ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ) ورسولنا الكريم ( ص ) قال : ( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) . ولم يقلْ ذلك في الرجل .
نفهم مما أكده أهل العلم أن ستر المرأة بالنقاب واااجب ب ، اقتياداً ن ن بسيدتنا عائشة التي خمرت وجهها بما يدل على أن الوجه عورة . أين علمكِ يا سيدة سهير ؟
فردّت راوية :
- لكن لا يوجد آية صريحة في النقاب كما لم يبيّن الله حكماً على الممتنعة عنه .
- الله سبحانه وتعالى أعطانا العقل لنفكر ونتلمس المعاني التي أرادها وها أنذا أفعل .
{ نعم .. ولكنك يا ست أم بلال وجّهتِ عقلك المفكّر إلى طريق يقطع جسور التواصل الإنساني .
لا يمكن للفعل الأخلاقي الإنساني إلا أن يكون نابعاً من ذات حرة غير مرهونة لخصوصيةٍ خانقة لقيمة وجود الإنسان . }
وبينما أم الشهيد تراقب ردود الفعل المتضاربة ، حضرتْ صديقتنا " فاديا " - جدّة عروستنا اليوم - وكدنا ننسى أمرها ! جاءت ترحّب بالحضور وتدعونا إلى الصالون لتهنئة العروسين ، وخصّت السيدة أم بلال بتحية تقدير وصحبتها إلى صالة الاستقبال .
قالت تغريد :
- يبدو أننا نعيش في زمان عجيب ، فكلما شذّ الإنسان عن المألوف وغالى في أفكار تطفح بالقبح ، كلما زاد الإقبال عليه .
وقالت إلهام :
- لا جدوى من مناقشة منْ لا تجمعك به لغة مشتركة .. إنه موسم الحصاد للبعض والكساد للبعض الآخر وزمن فساد للجميع .
وقالت سهير بصدق :
- أنعتبرها مثالية دينية متطهّرة من الاستهتار شابها دروشة أو سذاجة غرقتْ حتى التعصب فأذهلتنا ؟

دخلنا الصالة الذهبية للتهنئة ونحن نتأمل الأبهة والإبهار .
انضمّتْ إلينا فاديا وكانت تبدو سعيدة ودَعتنا إلى بيتها بعد انتهاء مراسم التهنئة لمتابعة الاحتفال .
كانت الشمس حادة تنعكس على ما تغصّ به الصالة من مرصعات فيغمر بريق المعدن المشهد ، ليختفي البشر من دائرة النظر تحت هذا الوهج الشديد ، وليدلّ على افتقاد المصمّم الحس الجمالي والإنساني رغم الإمكانيات المادية الواضحة .
أعشى الأصفرُ المتّقد عيني .. فغاب الحضور وغابت عني العروس ولم يعدْ يظهر منها إلا السلاسل والطوق حول رقبتها والقيود في معصمها وقد أغرقتْها في بحر الذهب والألماس !!
مجتمع بأسره .. نساؤه قبل رجاله لا يستنِمْن إلا إلى بريق قيود الذهب في أياديهن .
فهل من الغرابة أن تطالب المرأة شاريها ( بوثاق ) من معدن نفيس مقابل وثاق الزواج ؟ فتؤمّن لها الأسواق إغراءات شتى من أغلال مجوهرة تُجَرّ بها المرأة إلى حظيرتها راضية .
فعلامَ التعب وصناعة بطلات يتقافزْن طمعاً بذهب الأوليمبيك ؟؟
إيـــــــه سيدي نابليون !
إن كان الطفل العربي لا يأنس إلا إلى وسوَسة الذهب بيمين أمه وهي تهزّه ، فهل يسارها المحمّل بالأغلال قادر على هزّ العالم ؟؟
وإن كانت يد واحدة لإمرأة عربية محلّاة بالجواهر تلبّس عشراً من نساء غربكَ المرّيخيّ ، فكيف ستطفو سفينة العرب المثقَلة بكل هذه المراسي الذهبية لتنطلق إلى الفضاء ؟؟
ولما فطن أحد مسؤولي القاعة إلى إسدال الستائر اللمّاعة لراحة عيون الحاضرين ، عمّ الصالة جو أصفر بارد كئيب !
فعلمتُ أن الذهب معدن مظلم بذاته ، لا يتلألأ إلا إذا استأدى الشمسَ الشعاعَ !!!
وأن الإنسان معدن مضيء بذاته ، لا يخبو إلا إذا استأدى الذهبَ البريقَ !!!
ليس بالأصفر الرنّان يحيا الإنسان .
مرّتْ عيوننا خلال التهنئة على العريس الكهل وضحكته إلى شحمتيْ أذنيه .
وجه أحمر ، يحمل صلعة لماعة تتناثر عليها شعيرات رمادية وقد كرّم قانون الكروش بطنه بسخاء حاتمي . أما العروس ، فرائعة القدّ والجمال .
بدا العريس إلى جانب ( لعبته ) كجملةٍ موسيقيةٍ شاطحة في النشاز والإغراب في ثنايا لحن فائق العبقرية يحلّق بسامعه في نشوة الجمال الساطع !!!
وُزعتْ علب الحلوى الفاخرة هدية العرس ، وانطلقت زغاريد خجلى تكشف عن مكنون النفوس للاحتفاء بالحياة رغماً عمّنْ سهّلوا لقبضة التزمت من الإطباق على عنق الفرح .
وأطباق الإيطالي والفرنسي ؟
وجاء جواب هازئ من تغريد : لو تذكّر العريس الخيمة .. لو ~ كل ما يخطر في بالكنّ يصبح تحتها حلالاً .

توجّهنا إلى منزل فاديا التي دعتْ أكثر من عشرين صديقة للاحتفال ، والكل يمنّي النفس بالأطايب التي اشتهرت بصناعتها بمعلمية مشهود لها فيها .
هل رأيتم فصلَيْ الشتاء والصيف يأتيان معاً ؟ هنا تنوّع المناخ الأنثوي في شوارعنا وبيوتنا سيتيح رؤية هذه الأعجوبة .
الفاصل بين الموسمين عتبة البيت !
فقبل اجتيازها يخيّم الشتاء ، حيث تغيب شمس الحريم تحت طبقات الألبسة في الطرقات ، وما أن تخطو عتبة الدار وتلقي صاحبة المانطو يمين الخلع عليه ، حتى تشعر أن الخط البياني قفز عمودياً في سرعة خاطفة ليشمل طول الحريم ، فتجد نفسك وكأنك دخلت صيفاً خفيفاً جداً وبلا مقدمات !
كاسيات .. ولكنهنّ عاريات .
منذ لحظة دخول منزل فاديا ، انشغلتْ سيدات باختيار الموسيقى المرقِّصة ، في حين كانت الأخريات يتهيأن بعقد الأحزمة المشنشلة على الأوراك .
الرقص في التجمعات النسائية كالعلامة الفارقة في الجسد ، تتميّز به .
ساهمتْ هامات الفن والإبداع في خلق لوحة راقصة قادتْها إقبال .
نعم نعم .. إقبال لا غيرها .. العارفة جيداً كيف تتنقّل من حارة الدين إلى حارة الدنيا بمهارة . إذا وقفتْ في الحلبة انزوتْ المقدرات الفذة الأخرى صاغرة أمام مشهد زاخر بالتألّق .
حوار بالأجساد رائع .
بدأت إقبال الرقص بمفردها وحولها البطانة . هي تؤدّي وصْلة ترتفع فيها سرعة أدائها لتصل بالتدريج إلى ذروتها ، فيهتزّ جسدها على إيقاع الطبلة السريع ، بينما البطانة تؤدي لازمة متكررة ، فإن أعطتهنّ الإشارة ائتلف المشهدان في لوحة فنية واحدة ، تتعمّد الراقصة إظهار براعتها في هزّ كل جزء من جسدها بموجات متواترة ، فيصطفق جسدها في نشوة غير مرئيّة ، وتغيب عن واقعها كمنْ وقع تحت سطوة رغبة باطنية دافقة في الانفصال عن عالمٍ لا رجاء يُعقد عليه ، وقف لها بالمرصاد حتى في خلق الأحلام !!
أما المشاهِدات فقد شاركْن في صنع إطار هذه اللوحة الفاتنة بالتهليل والتصفيق .
الرقص خمرة المرأة ونشوتها !!
ساعة رقص وهزّ بألف ليلةٍ ذهبيةٍ رشيدية !!!
حتى الطفلة الصغيرة التي لم تكفّ عن البكاء منذ وصولنا وكادت أمها تفقد أعصابها ، غمرتْها الدهشة وهي ترقب مشهداً مفعماً بالحرارة والسخونة ، تتنشّف له مكامن الدموع وتغلي الأشواق بين الضلوع !!!
وما أن توقّفت الموسيقى وتحلّقنا حول الطاولة العامرة بالمشهيات ، حتى عادت الصغيرة تنقّ وتنوح ، وأيقظت بزعيقها المزعج طفلين نائمين فبدأ صياح بمختلف الطبقات الصوتية الرفيعة الحادة ، شاركت فيه الأمهات اللواتي لم يجدْن حلاً ينفع مع أولادهن إلا الحمل والهزّ ، وأظهرتْ إحداهن قدرتها على حمل طفلها بيمينها وصحن الحلويات بيسارها وآخر على رأسها وأخذت تهزّ خصرها الرشيق ، مما استدعى ثناء الحاضرات .
همست ابتهال وهي تلتهم البقلاوة :
- تباً للنفاق .. ملثّمة عارية ، محجبة متزينة ، ألا ترَيْن في هذا الهشّ والبشّ ما يتاقض تقواهن ؟
وقالت تغريد وهي توزع علينا حلاوة الجبن :
- أراه قلباً يسأل التوبة والغفران لكنه يتستّر على افتنان بمقارعة الصبوات .. مغالاة في الواقعية دون تفريط بالمثالية الدينية .. التزام بمبادئ العقيدة إلا أنه لا يخلو من الشك فيها !
وقالت إلهام :
- نحن بحاجة للرقص ، ليس لأنه ضد التزمت بل باعتباره عاملاً للتواصل والتكامل الإنساني . والفصل الجنسي الحاد في مجتمعنا كفيل بأن يضمن للرقص الشرقي ازدهاره ، لأنه المنفس الوحيد الذي يتيح للمرأة الحرية والسرور ومجالاً لا رقيب عليه إلا نفسها . ما رأيكِ ؟
قلتُ لها :
- رأيي أنه ليس وقت إبداء الرأي ، فالطاولة بدأت تخلو من الأطايب ، هل تناولتْ إحداكنّ المبرومة بالفستق ؟ لا .. أنا ذاهبة لمغازلة القطايف بالقشطة أشهى ما على الطاولة قبل أن تتناولها يد الجرد بالتعسّف !
بدأ الجمع ينفرط عندما احمرّتْ عين الشمس منّا .
كنتُ في الطريق أتلفت حولي بحثاً عن تكسي وأنا مستسلمة لشريط أحداث الساعات القليلة الماضية ، بينما كانت الأعمدة السوداء المتحركة لنساء بلا وجه تطالعني بكثافة ، وشعرت أني كلما أسرعت الخطى إلى الأمام كلما تراجعتْ المناديل السوداء إلى الوراء بنفس السرعة .
اقتحمت أم بلال ذاكرتي بقوة وأنا في السيارة .
تلك السيدة المتخصصة بالأصل في الفنون الجميلة ، أيمكن اعتبار قولها الصادم كما قالت سهير شطحة مثالية تدروشتْ فشارف عقلها تطرّف السذاجة ؟
الفم . الرحم . الحريم . الحرام . وَيْلاً للغةٍ غير محايدة ، وشعب يلعب بها لعباً !
أطبقْ شفتَيْك على نهاية كل كلمة لتسدّ نافذة النور ويوصد مغلاق الباب مع النقاب .
أيكون قول أم بلال شطحة فكر نفعي يُيمّم راداراته نحو المثالية كما الواقعية ، والخير كما الشر ، والمعرفة كما الجهل ، ثم يستخدم رخص الدين لتكون معمودية للحرام ، فتنفرج الشفتيْن مع ( الحلال ) وينفرج النهار ويتمدّد ولو مع النقاب ؟
أم قد تكون شطحة خيال فنان أساء استخدام ريشته للتعبير عن رؤيته فأضحكنا ؟
تُرى ..
هل أرادت أم بلال أن تقول لنا إن الإنسان كلمة ، والعنق هنا طريق للكلمة . والإنسان حياة ، والعنق هناك طريق لصرخة الحياة الأولى .
وكما الرحم مركز إخصاب الحياة كذلك العقل مركز إخصاب الكلمة من التقاء السمع والرؤية ، وكلاهما : العقل والرحم الزارعان في قرار مكين ، حيث يترعرع النبت في ظلام حصن حصين قبل أن تُلفَظ الكلمة من هنا إلى النور والإنسان من هناك للنشور ؟؟
أياَ كان ..
الفكرة أخلاقية مهما أوتِي لها من قوة الحجّة ، فإنها تصاب بالضمور ثم العطالة بمجرّد تفريغها من المحتوى الإنساني .
إيــــه سيدي نابليون !
الأنثى العربية لا تعرف إلا هزّتيْن مسجّلتَيْن ماركة عالمية باسمها :
هزّ السرير لطفلها ، وهزّ الخصر لزوجها !
ولكنْ ن ن ن ..
للآلام ذاكرة ، تستتِر تحت الحجاب ، ويلاً له .. ليقين الرجل لو اهتزّتْ !!!