من أجل حكامة جيدة في تدبير أرض الجموع بجهة الجنوب الشرقي - المغرب



لحسن ايت الفقيه
2013 / 7 / 12

نظمت جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي منتدى المواطن الأول تحت شعار«من أجل حكامة جيدة في تدبير أرض الجموع بجهة الجنوب الشرقي»، يوم 22 من شهر يونيو 2013 و23 بأحد الفنادق بمدينة الرشيدية، شارك فيه 150 مشاركا رجال ونساء. وارتأت الجمعية أن ينتظم في أربع فقرات، الافتتاح، والمداخلات النظرية ومناقشتها في صباح اليوم الأول، وعرض التجارب في المساء وفي صباح اليوم الموالي نظمت الأوراش وعرضت فكان اختتام المنتدى بعرض توصياته.
سطر المسير في جلسة الافتتاح أن لموضوع الأرضين الجماعية رهنيته، وبالتالي فقد خاله ذا حساسية ناتجة عن تداخل عدة عناصر وتقاطعها، العنصر القانوني، والعنصر العرفي، والعنصر الإثنوغرافي، والعنصر الأنثروبولوجي. وفي كلمة الجمعية ذِكْرٌ أن المنتدى يعد الأول من نوعه، لذلك خُصّ الأرضين الجماعية، بما هي موضوع مفكر فيه ساعته، بعد أن كان، قبل سنوات قليلة، واحدا من الطابوهات المسكوت عنها بعيدا، لذا شاب الفساد تدبيرها، وابتدعت أساليب عديدة من أشكاله [الفساد] خدمة لاقتصاد الريع الذي يضرب في العمق التنمية، ويعرقل مسيرتها. وأُفصح في الكلمة أن جمعية الألفية الثالثة كانت اهتدت إلى هذا الموضوع، لأنه ما برح الاهتمام به يتقاطع ومواضيع قضايا التنمية والديموقراطية، التي تبتلت الجمعية لمعالجتها تبتيلا. ولا غرو، فالجمعية ذات بصيرة قوية لما سطرت ضمن برامجها معالجة العلاقة بين الإنسان والأرض والتي اختلت مع بداية عصر التحولات القروية الذي انطلق مع متم سنة 1975 بالجنوب الشرقي. وما هي الصيغ الكفيلة لعلاج الاختلالات الحاصلة في هذا المجال؟ ذلك ما حاولت المداخلات والورشات الإجابة عنه.
« إن المقاربة السوسيولوجية لأرض الجموع تستلزم آستحضار المقاربة التاريخية، لأن التاريخ الاجتماعي هو مدخل أساسي، وضروري لكل الفاعلين من أجل تملك معرفة دقيقة ووافية حول الموضوع،والتي ستمكن من إيجاد أجوبة لإشكالات هذا الملف،وبالتالي الإجابة على تحديات الحكامة والتنمية». بهذا الكلام استهل الأستاذ فوزي بوخريص مداخلته، وزعم بالحق أن المقاربة المشار إليها ضرورية كذلك «لمعرفة مسار تكون هذا الإشكال منذ الحماية إلى مغرب الإستقلال»، وأضاف «أن أول شىء تجب الإشارة إليه هو أن مصطلح (أراضي الجموع)، تسمية استعمارية ذات حمولة قانونية، ولا وجود لما يوازيها واقعيا. فالأصل عند القبيلة هو تراب القبيلة الذي لا يتحدد إلا في مقارنته مع، وفي العلاقة مع قبيلة أخرى.فالنتيجة المحصلة هو ثنائية التراب والقبيلة،والتي تم إلغاء أحد طرفيها (أي القبيلة) وتم الاحتفاظ بمفهوم التراب مع إثقال حمولته». ولتأسيس المفاهيم ذات الارتباط بالعلاقة بين الإنسان والأرض سطر المتدخل الأول أن «الجماعة في مغرب ما قبل الاستعمار»، تشكل «الوحدة الأساسية للمجتمع، والمحددة لمجالها الترابي في حركيتها، وانقسامها، وكذا في تحالفاتها. فالأصل والأساس هو الجماعة/ القبيلة التي تنظم مجالها الترابي، وتمارس كامل سلطتها على هذا المجال، وتبرز من خلال هذه الممارسة قدرتها على الضبط والتنظيم من خلال الأعراف، وعلى كافة المستويات: عملية تقسيم الماء،استغلال الأرض،...إلخ، كما تعمل كذلك على تنظيم العلاقة مع المخزن والزوايا،....إلخ». لذلك «طلت تنهج كل السبل للحفاظ على الأرض بما في ذك إلغاء الشرع مقابل العرف»، ذلك أن تعامل القبائل مع الشرع بات ذا طابع براغماتي.
ومع التدخل الأوروبي حصلت تغيرات انجر عنها « تحويل أراضي القبائل من ملكية جماعية إلى ملكية فردية بتواطؤ العرف الشرعي والقضاة الشرعيين ذو الأصول المدينية، والجاهلين للمنطق الذي يسود البادية المغربية، وبالتالي تعرضت أرض الجموع لعملية استنزاف، تكونت على أرضيتها طبقة من الأعيان بناءا على هذا التحول من الملكية الجماعية إلى الملكية الفردية للأرض، وخاصة في الفترة الممتدة من 1912 و 1930».
تلك هي أسباب التحول الذي توج بالخضوع للوصاية بظهير 27 أبريل 1919، وبتقييد حرية القبائل في تدبير شؤونها في أرضيها، أجملها السيد فوزي في ست عومل: نزع الملكية من القبائل من طرف المستعمر، والتهيئة المجالية الجديدة، والتمييز الترابي بين الأرضين الفلاحية وأرضي العمران،.....، و دور القضاة الشرعيين في تحويل الأراضي من الشكل الجماعي إلى الشكل الخاص للملكية، وظهور النظام الاقتصادي الجديد، باعتباره اقتصادا رأسماليا قائم على السوق، وما يحمله من توابع :تجهيزات تحتية،طرق،.... وتسييج تراب القبيلة ودفعها نحو الهضاب والسهوب، وأخيرا الخضوع للوصاية.
وفي الختام أكد المتدخل «أن أهم عامل لهذه التحولات هو الخضوع للوصاية( ظهير 1919) كعامل حاسم في إخضاع القبيلة للوصاية القانونية، وبالتالي تجريدها من حقها وسلطتها على ترابها، وتقييد حريتها عموما في تدبير شؤونها كما يتجلى في مسطرة انتخاب نواب الجموع،...وإذا كان من مزية في ظهير 1919 فهو حماية الأراضي الجماعية من المعمرين ( خاصة بيع الأرضين)، لكنه وضعها في وضعية قصور دائم».
وعلى المستوى المحلي تناولت المداخلة الثانية الحركة الاحتجاجية بأرضي قبيلة أيت ازدك التي قص وقائعها السيد محمد شريفي علوي وهي التي انطلقت سنة 1997. ذكر المتدخل امتداد المنطقة، من فم زعبل بجبال الأطلس الكبير الشرقي، إلى تاردة، ومن مطار الرشيدية إلى حدود مدينة كلميمة. وتهدف الحركة النضالية المذكورة إلى وضع حد «لمشروع الاغتناء الفاحش وخلق الثروة على حساب أرض الجموع». لكن في مواجهة هذا المنطق طرحت إشكالية « العمل المنفرد للجماعات السلالية، والقصور [الدواوير]، في مواجهة عملية نهب الأرضين الجماعية» مما نتج عنه ، في نظر المتدخل، «فشل ذريع على مستوى تدبير هذا الملف، وفتح الباب على مصراعيه أمام عدة إشكالات استغلتها السلطات الوصية لتجميد هذا الملف، وإذكاء التناقضات الموجودة في التنوع الإثنوغرافي للبنية الاجتماعية». ورغم ذلك، رأى المتدخل أن الجماعات السلالية توفقت في «بلورة تصور موحد لتجاوز تلك التناقضات». كيف ذلك؟ عملت على تحديد ذوي الحقوق في السكان المنتمين لقصور الجماعة وفق قاعدة «أبا عن جد». وتفيد هذه القاعدة أن كل من ينحدر من أحد قصور الجماعة، وينتمي للجيل الثالث فهو مستفيد. وقد مكنت هذه القاعدة من تجاوز ضبابية مفهوم ذوي الحقوق وقطع الطريق لتلاعب السلطة حول معنى ذوي الحقوق. كما مكنت من «تكريس حق الاستفادة من التوسع السكني. وحسب المتدخل، فقد «شكل اللقاء التواصلي حول أرض الجموع المنعقد بتاريخ 16 ماي 2010 تحت عنوان :( أراضي الجموع كأساس للتنمية القروية وإكراهات الواقع) نقطة التحول في المسار النضالي لقصور الجماعة السلالية ايت ازدك الذي انطلق منذ 1997». ذلك أن اللقاء المذكور أفاد في «الإجابة على سؤال عريض: لماذا فشل مشروع التوسع السكني القروي بالجماعة؟». ويعد هذا السؤال الذي فرضت الإجابة عنه، الإجابة، أولا، عن الأسئلة الفرعية التالية: هل النصوص القانونية النتعلقة بأراضي الجموع قادرة على حل هذه المشاكل والإكراهات العالقة؟ ما سر مشكل تحديد ذوي الحقوق؟ ما هي شروط الاستفادة الموضوعية التي تحقق العدل والمساواة بين الجميع بعيدا عن المحسوبية والزبونية؟ وما مدى قدرة البنية التنظيمية والإدارية المشرفة على تدبير أراضي الجموع على تصحيح الوضعية القائمة؟ وهل تشكل صمام أمان أمام عدم إعادة إنتاج نفس الأوضاع خاصة، وأمام استمرار تحكم سلطات الوصاية في مصير أراضي الجموع؟. وعرج المتدخل إلى انتقاد قانون التعمير الجديد وكل الترسانة القانونية المرتبطة به والتي «ضربت في الصميم مفهوم السكن القروي ببعديه السكني المحض والزراعي»، وتساءل «هل كل القرى الفلاحية - يمكن أن- تشكل حلا للتوسع السكني القروي، ولمعضلة البطالة المتفشية بين شباب الجماعات السلالية وتحقيق التنمية المنشودة؟»
هنالك استشهد المتدخل بتوسع مدينة الرشيدية والذي حصل على حساب أرض الجموع بشكل فوضوي، ودون أي تدابير واضحة تؤسس لعلاقة تكاملية واضحة المعالم بين المجالين، وتساءل «ما الدور الذي لعبته وتلعبه المجالس القروية لتنمية المجال القروي؟ وما دورها في وضع المشاريع المقامة على أرض الجموع التي تشرف عليها؟ وما علاقتها بصندوق الجماعات لإنجاز المشاريع المقترحة؟». ولم يغفل المتدخل ذكر التحولات الاجتماعية «التي طرأت على التركيبة الفئوية والطبقية لساكنة القصور، وقسمها إلى ثلاث شرائح: شريحة منسلخة عن الوسط القروي بحكم المهنة همها الوحيد هو الحصول على بقعة؛شريحة ثانية متفرجة انتهازية ومتواطئة، وشريحة ثالثة معرقلة نظرا لامتيازاتها الناتجة عن قربها وارتباطها بالسلطة والأعيان».
أما فيما يخص استفادة النساء السلاليات فقد أشار المتدخل إلى ضرورة «وجود نخبة نسائية قادرة على رفع هذا التحدي. وأشار إلى أن الجماعات السلالية لا تفتأ تنشئ البدائل، وقد عملت على إنشاء إطار تنسيقي يجمع 39 جماعة سلالية لتوحيد المساطر والخطوات الإدارية، كما أنها عملت على الانتظام في إطار وداديات سكنية على مستوى كل قصر لوضع حل لمشكل السكن وإطلاق عجلة تنمية حقيقية وشاملة قائمة على تلبية حاجيات المواطنين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية والخدماتية، والتي تراعي الخصوصية الواحاتية». واختتم المتدخل بتجديد مطلب الجماعات السلالية بعقد جلسة حوار متعددة الأطراف على أرضية المذكرة المطلبية التي تقدمت بها.
ولقد كلفت من جانبي بإلقاء مداخلة حول «المجالية والهوية الثقافية بالجنوب الشرقي». انطلقت من تحديد إشكال الأرض الجماعية من خلال تصورين ثقافيين، الشريعة الإسلامية والثقافة الأمازيغية غير العالمة.
انطلق تحويل الأرض إلى جماعية في عهد عمر بن الخطاب. ذلك أن كل جماعة ترفض الدخول في الإسلام تحول أرضها إلى أراضي خراجية، وهي ملك لجميع المسلمين. ولقد حصل ذلك في مصر والعراق ثم انتقل إلى أفريقيا الشمالية، واستمر الوضع على هذه الحال إلى عهد الموحدين لما أقدم عبد المومن بن علي الكومي على تسليم الأرض الحراجية إلى الجماعات السلالية. وفي عهد الدولة السعدية ظهرت مؤسسة نواب أرض الجموع العرفية. وفي العهد العلوي حافظ السلطان على الوصاية على أرض الجموع بما عي مِلْك للمسلمين. ولقد حدث أن رفض السلطان تسليمها للتمثيليات الأجنبية لإقامة القنصليات، إلى حدود توقيع اتفاقية الجزيرة الخضراء، وبعدها صدر ظهير 1919.
إن ظهير 27 أبريل 1919 فصل الأرض الجماعية عن وصاية السلطان كأمير المؤمنين حسب البند الثالث منه، وبالتالي تحققت علمانية الأرض. لكنه بالمقابل حافظ على الوضع السائد منذ الموحدين والسعديين.
وبعد هذا التقديم جذذت المداخلة – انسجاما مع العنوان- إلى ثلاث محاور:
- المحور الأول حول المجالية: هناك تمييز واضح بين مفهومي المكان والمجال، ذلك أن المجال مرتبط بالضرورة وبالقوة بإدراك الذات العارفة وتمثلها. إنه الفضاء الذي يصنعه التمثل وترسمه الذاكرة. وبالتالي، فالمجتمع هو الذي يشكل المجال (التاريخ، والإرث الثقافي، والروابط). وبمعنى آخر، لما يغلف المكان بالثقافة يتحول إلى مجال سوسيوثقافي قائم على علاقة الإنسان بالأرض، وهو ما يعطي المجال الثقافي هوية (أسيف ملول كمثال). وهناك الأرض النجسة بجوار أسيف ملول، أي: تلك الأرض التي لم تُطهر بالحرب، مثل أقا نوانين. ولا تنج الأرض المطهرة بالحرب من اللباس العشائري والإثنوغرافي. ومن جانب آخر فأثناء التوتر بين الإنسان والأرض يكتسب المجال هوية إثنوغرافية مثال: أسرير بإقليم ورزازات أصبح يحمل أسرير ن إلمشان بعد احتلاله من لدن أيت عطا، وأضحت قرية سعد الله بتولال تحمل اسم أيت مومو بعد احتلالها من لدن أيت ازدك في القرن التاسع عشر، وأما واد حيبر فأصبح يحمل واد أيت عيسى بعد نزوله من لدن هذه القبيلة. ويمكن أن يفقد المجال هويته الإثنوغرافية أثناء الحرب أو بعده، حالة تادرت- تيدرين- إحنضار- أسرير- تازروت، ويمكن أن يفقدها في حالة تواجده بين قبيلتين، حالة تماگورت بين آيت ازدك وآيت حديدو.
المحور الثاني يدور حول معاقل هوية المجال الثقافي: هناك معاقل الهوية الثقافية للمجال. ذلك أن للهوية الثقافية معقلين اثنين، معقل الثقافة ومعقل الإثنوغرافيا. ولأن الثقافة لا تصمد أحيانا أمام طغيان اللإثنوغرافي فإن الإثنوغرافيا تكاد أن تلتهم كل شيء، لذلك ترحل العشيرة هويتها الخاصة لتجعلها ذاكرة للمكان الجديد، مثل عشيرتي أيت يسومور وأيت موسى وعلي، لما رحلت أسر منها إلى أوطاط أيت يزدك بميدلت أطلقت الأولى اسم سمورة على المجال الذي عمرته من جديد، وأطلقت الثانية تموسوعليت على مستوطنها الجديد.ولما تكون القبيلة ذات قوة حربية فإن اسمها يلتصق بالمكان ويشكل ذاكرته. وعلى سبيل المثال لا يزال أحد قصور أوطاط أيت يزدك يحمل اسم كروان، ولا يزال قصرا بمحيط مدينة الرشيدية يحمل اسم أيت وارين، وهناك بحوض زيز الأعلى قصر ولال نسبة إلى أيت ولال العشيرة الكروانية التي استوطنته من قبل في تاريخ يصعب تحديده. ومن العشائر التي تسعى دوما الحفاظ على نقائها الإثني فتحافظ على اسمها أينما حل أبناؤها وارتحلوا كأيت يسومور، وأيت عمرو.
المحور الثالث: المعقل الثقافي للمجال: ومن معاقل المجال الثقافية نجد الدين، والأسطورة، والمزارات، والزوايا. فالمنطق الديني حرم اليهود اليهود من الاستفادة من الأرض الجماعية، ولو الذين أسلموا منهم، لأنهم مدعوون لدفع الجزية وواجب الحماية. وبالمقابل تحولت أرض القبائل إلى أرض خراجية لا لشيء سوى أن إسلامها كان عنوة. وحسبنا أن المغاربة ارتدوا عن الإسلام 18 مرة، لذلك كانت أرضهم خراجية بمرجعية دينية. وأما الأسطورة فغالبا ما تؤسس لملك الأرض كعلاقة قبيلة غمارة بزيارة النبي موسى أرضها قرب طنجة، وفق بعد التفاسير التي ترى أن مجمع البحرين المذكور بسورة الكهف ليس إلا مضيق جبل طارق. وهناك قبائل ترى أعلى واد سبو مكان سقوط النبي سليمان بعد موته وتكسر عصاه. ومن الزوايا التي تؤهلها إمكانياتها الرمزية لا متلاك أرض واسعة كالزاوية الوزانية، والزاوية العياشية. وفي المقابل هناك زوايا تحتاج إلى لباس إثنوغرافي فتقعد محرومة من المجال الوظيفي أو تعاني من مضايقة الجيران لها كزاوية أيناسبإقليم زاكورة.
فالعلاقة بين الأرض والإنسان هي علاقة دموية تقوم على الحرب بالدرجة الأولى، وبالتالي لا حقوق للذين لم يحاربوا في أرض مسيطر عليها بالقوة. لذا فظهير 1919 يهدف إلى تفكيك البنية التقليدية في «المغرب النافع»، وأما المناطق الأخرى فالأمر مختلف.
ونظرا لاستنفاذ الوقت المخصص للمداخلة فقد توقفت عند هذا الحد، مع الإشارة إلى الشق المتبقي والمتعلق بالمجالية الوظيفية.
وأشار صاحب المداخلة الرابعة، وهو ممثل الوكالة الحضرية إلى أهمية موضوع المنتدى، وخاصة على مستوى الجنوب الشرقي، وحسبه محطة لتبادل النقاش، حول موضوع الأرض الجماعية الذي يحاله ذا أهمية لكونه يمس مكونا يحتضن ما هو ثقافي.
قسم مداخلته إلى خمسة محاور: «تقديم عام حول أراضي الجموع»، و«الإطار القانوني والمؤسساتي لتدبير أراضي الجماعات السلالية»، و«الإشكالات التي تطرحها أراضي الجموع أمام تنظيم المجال وبرامج التهيئة العمرانية»، و«الإجراءات الحمائية للرصيد العقاري العائد للجماعات السلالية»، وأخير «نحو توظيف أمثل لأراضي الجموع في المشاريع السكنية».
أشار، كتقديم عام حول أراضي الجموع، إلى التحولات التي يعرفها المشهد المجالي الحضري والقروي، نمو ديموغرافي كبير، وتوسعات عمرانية متواصلة مما فرض تعبئة أوعية عقارية كافية لتلبية هذه التحديات الديمغرافية. وعرج إلى تعريفات أرض الجموع كالتالي:
إنها « أرض ترجع ملكيتها إلى جماعات سلالية، في شكل قبائل أو دواوير أو عشائر قد تربط بينهم روابط عائلية، أو روابط عرفية، أو اجتماعية، أو دينية، وتكون حقوق الأفراد فيها غير متميزة عن حقوق الجماعة ». وحسب الأستاذ بول ديكرو، فهي «أرض قروية تعود ملكيتها لمجموعات عرفية أو عرقية أي قبائل أو فخدات أو دواوير دون أن يكون هناك تحديد لحق الفرد فيها ». وبمعنى آخر،«هي تلك الأرض التي تملكها بصفة جماعية مجموعات من السكان المنتمين لأصل واحد وســلالة واحدة»، وبالتالي وبناء على هذه التعريفات، فأراض الجموع هي : أرض مشاعة، أرض موجهة للانتفاع العام والخاص، وهي أرض غير قابلة للتقادم أو التفويت أو الحجز . وأما فيما يخص مكانة أراضي الجموع داخل البنية العقاري العامة فحسب إحصاء قامت به وزارة الداخلية منذ سنوات فهي تقدرب : حوالي 12 مليون هكتار كمساحة إجمالية وطنيا. وعلى المستوى تشير التقديرات الأولية إلى أن حوالي 90% من البنية العقارية بإقليم الرشيدية، تعود لأرض الجموع. أما بخصوص التمفصل الحاصل في علاقة أرض الجموع والتعمير، فقد أشار ممثل الوكالة الحضرية إلى أن التوسعات العمرانية التي تعرفها المدينة تحتاج إلى مناطق جديدة للتعمير، وأن تحقيق سياسة عمرانية فعالة وناجعة يبقى رهين بالقدرة على التحكم في العقار، كما أن أراضي الجموع تشكل إحتياطيا مهما لتنفيذ هذه البرامج السكنية.
وبصدد الإطار القانوني والمؤسساتي لتدبير أرض الجموع، أحال المتدخل على ظهير 27 أبريل 1919 والذي كان الهدف من ورائه تأطير الأعراف القبلية السائدة، والخاصة باستغلال الأرض الجماعية. وعن الأجهزة المكلفة بتدبير أرض الجموع وما يرتبط بها، فقد حددها في الجماعات السلالية، وجماعة النواب، ومجلس الوصاية والذي يتكون من وزير الداخلية ومجلس الوصاية. يتوفر هذا المجلس على سلطات واسعة على مستوى التحفيظ والإذن بالترافع والمصادقة على كل المعاملات العقارية. وبخصوص الإشكالات التي تطرحها أراضي الجموع أمام تنظيم المجال فحددت في أن أرض الجموع إن هي محل نزاع، وظهور نمط استهلاك غير عقاري، وغير رشيد للرصيد العقاري، لا بد في أن يكون تدبيرها الإداري عقلانيا، لأنه غير ملائم الآن، فضلا عن كون توزيع الأرض بات يجري في تعارض تام مع ضوابط التعمير، وبالتالي أصبحت أرض الجموع مرادفة للفوضى العمرانية والمضاربات العقارية. وأما الإجراءات الحمائية لأرض الجموع فتكمن في تحديـــد العقــــارات الجمـــاعية وتحفـــيظها، وممارسة التكوين والتكوين المستمر للهيئات المشرفة على تدبير أرض الجموع، وحث الجهات المكلفة بتحرير عقود التفويت، أو الإشهاد على التقيد بالقوانين.
وفي الأخير ركز المتدخل على أن التوظيف الأمثل لأرض الجموع في السكن يفرض انخراط ذوي الحقوق في إطار تنظيمي: وداديات سكنية،...والانتقال من صفة ذوي الحقوق إلى أعضاء جمعية أو ودادية، وتفعيل مسطرة الاقتناء (الفصل 4 من ظهير27 أبريل 1919) والدوريات التالية: عدد 343 الصادرة بتاريخ 23 أبريل 1992 (الخاصة باشتراط المنفعة العامة)، الدورية 404 الصادرة في غشت 1993 (الخاصة بضمان حقوق الجماعات الأصلية والدفاع عن مصالحها)، الدورية 60 الصادرة في 25 أكتوبر 2010 (الخاصة بتمكين النساء من الاستفادة).
المداخلة الخامسة كانت بصوت امرأة السيدة رقية بلوط حول الحملة الترافعية لمساندة النساء السلاليات. ودت المتدخلة في مستهل عرضها أن تفصح أن إقصاء النساء المغربيات قائم منذ القدم، وهو ما يتجلى بوضوح في انتهاك حقوق النساء في الاستفادة من أراضي الجموع. وأضافت أن ذلك خلق إشكالا انطلق تعقيده داخل الجماعات السلالية، وخاصة بعد 1993. وقد كانت عملية الإقصاء تحصل تحت غطاء العرف. والعرف وضع وفق المنطق الإقصائي الذكوري، والذي يخترق كل المستويات التعليمية والعمرية، ويضرب الرشد لدى الكثير. ففي سنة 1993 حدث تفويت أرض الجموع في المجال القابل للتعمير لمدينة القنيطرة، وأقصيت النساء من الاستفادة من ذلك التفويت، وجرى التقسيم مما دفع السيدة رقية إلى العمل من أجل مواجهة هذا الإقصاء، وهو ما تحقق سنة 2005. وأثناء سرد تجربتها الشخصية، وهي تجربة تستحق التدوين، أشارت إلى أنها طرقت مجموعة من الأبواب دون أن تسمع السؤال: (من الطارق؟)، وظلت على تلك الحال، إلى أن اهتدت إلى باب الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، فتبنت ملف المتضررات جميعهن، وطفقت تعمل معهن وتصاحبهن، بالترافع حول هذا الملف.
إن حجم التفويتات الحاصلة فرض هذه المواجهة، حيث إن ظهير 1919 جعل وزارة الداخلية وصيا على أرض الجموع، وبالتالي فهي وحدها تتحمل المسؤولية الكاملة فيما اختل في موضوع الاستفادة من الأرض الجماعية. ذلك أن المادة الرابعة من ظهير 1919 التي تحدد النواب بما هم من يحدد ذوي الحقوق، ومن لهم حق الانتفاع، فضلا عن تعليمات سلطات الوصاية، تجسد السلطة الذكورية في التعاطي وشأن الأرض الجماعية. فالمنطق السائد منطق التعليمات والعرف. وإذا تمعنا في ظهير 1919 نلفى في متنه مصطلح «أفراد» وهم الرجال و النساء معا، وبالتالي لا يجب حصر الانتفاع في فئة الرجال وحدهم. وبخصوص الشرع، فإن الإسلام رفع من شأن المرأة. وبعد تأسيس حق النساء في الانتفاع عرجت المتدخلة إلى الحملة الترافعية التي قامت بها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب حول موضوع النساء السلاليات، لتعرب أنها اعتمدت المقاربة التشاركية في مواكبة ملف المتضررات، والترافع حوله.لذلك نظمت دورات تكوينية لفائدة المتضررات على كافة المستويات، وعقدت ندوات صحفية للتعريف بالملف، وتوج ذلك كله بوقفات احتجاجية وطنية، أتت أكلها ضعفين لما أصدر وزير الداخلية دوريات تؤكد أحقية النساء في الاستفادة من أرض الجموع، وهي دوريات صادرة عن سلطات الوصاية. وقبل ذلك فالسلطة مدعوة لتكوين مسؤوليها المحليين لمواكبة كل المستجدات، في هذا الشأن، والأهم من ذلك كله ضرورة الانخراط الجماعي في عملية تغيير العقليات،لأنها العقبة الكبرى أمام إحداث أي تغيير.
لما انتهى عرض المداخلات، وبعد فاصل من الاستراحة، شرع في النقاش فكانت الخلاصات والآراء كالتالي:
- ملف أراضي الجموع قنبلة موقوتة في قلب المجتمع المغربي لا سيما وأنه مؤطر بظهير 1919 الذي فتح الباب أمام اقتصاد الريع. وعليه فالموضوع يستلزم تنظيم حوار وطني يشارك فيه كل المعنيين الحقيقيين. ويقتضي الحل الجدري الدفع برفع يد الدولة عن هذه الأرض التي استعملتها لإنتاج نخبة فاسدة.
- هل حمل الاستعمار تصورا لتدبير أرض الجموع، و جعلت ظهير 1919 وسيلة لحماية الأرض من الاستنزاف ؟ وهل القانون التنظيمي هو محدد الاستفادة من أرض الجموع ومؤطرها ؟ وعن الدوريات بدا أنها غير ذات أساس قانوني، مما يستلزم مرافعة قوية لاستفادة النساء من الأرض.
- أرض الجموع مؤطرة بقوانين استعمارية، بما هي تروم تفكيك بنية القبائل التقليدية، حسب ما أشار إليه الأخ ممثل الوكالة الحضرية ونعته بمراد التنظيم في وداديات أو جمعيات للاستفادة من السكن، وفي تنغير حصل تنظيم ودادية وسلمت لوائح المستفيدين لعامل الإقليم لكنه رفضها بدعوى أن ثلثها من النساء ؟ّ وما الرأي في هذه النازلة؟.
- المشاكل الحاصلة تكمن في غياب مُحاور مسؤول يعمل على حل مشاكل استفادة المرأة، وخاصة أمام تغليب العرف على حساب القانون، إضافة إلى أنه رغم تمتيع النساء بدورية وزارة الداخلية فطالما يحصل التغاضي عنها. وسجل تعارض الدستور مع الظهائر والدوريات المذكورة.
- المشكل قائم على مستوى وعي نواب أرض الجموع بما هو لا يساير مستوى النقاش العمومي السائد، فضلا عن عدم ملاءمة المساطر المنظمة للتعمير مع الظهائر المنظمة للاستفادة من أرض الجموع ، زد على ذلك، مشكل تحديد هذه الأخيرة بأصنافها.
- مشكل أرض الجموع ناتج عن القصور المرتبط بتأسيس مدينة الرشيدية سنة 1917 وبالضبط بعد معركة مسكي سنة 1916 واستقرار الجيش الفرنسي هناك. وفي البدء كانت المدينة مجرد مركز حضري صغير ثم توسعت فتناسلت المشاكل المذكورة.
- ملف أرض الجموع شائك، ويستدعي المرافعة ضد قانون 1919، ودراسة تأثير تدبير هذه الأرض في التخطيط الترابي.
- الحديث عن الإطار القانوني يرجع إلى ما بين سنتي 1912 و 1916 ويطرح مشكل البقع الأرضية التي منحت بعقود استئجار طويلة الأمد، دون تحديد الجهات التي ترجع إليها تلك الأرض، حسب ما ضمن في ظهير 1958. وفضلا عن ذلك لوحظ غياب توثيق أرض الجموع، وتعقدت إشكالية تداخل مجالات الجماعات الترابية فيما بينها. وهناك إخضاع اقتناء الأرض لمنطق سياسي. لهذا يجب رفع الوصايا عن أرض الجموع ونوابها، وبلورة شكل تنظيمي ديمقراطي لتدبير هذه الأراضي.
- الإشارة إلى أن الحروب هي التي تثبت أحقية الاستفادة من الأرض، مع العلم أن النساء هن من ناضلن وحاربن في التاريخ، وبالتالي فهن من يستحق الاستفادة. لماذا جرى إقصاءهن إذن ؟ما مصدر ضبابية الحدود بين أرض الجموع فيما بين المجالات الوظيفية للقبائل ؟ إلى متى ستظل البروتوكولات المقصية للمرأة قائمة ؟ إني أرى ضرورة تغيير عقلية المسؤولين والجهات الوصية .
- تدبير ملف أرض الجموع يفترض مقاربات متعددة. وهل لمصلحة الوكالة الحضرية إحصاءات دقيقة لأرض الجموع، خصوصا بعد صدور مشروع التهيئة الحضرية الجديد؟.
- مشكل أرض الجموع يغشى الجنوب الشرقي المغربي ككل إضافة إلى مشكل التحديد الغابوي على حساب أرض الجموع.
- منطق الاستفادة من أرض الجموع وتقسيم المغرب إلي نافع وغير نافع حرم المواطنين البسطاء والفقراء من الاستفادة، من الأرض ومن ثروات البلاد المنهوبة، وفضلا عن ذلك سادت الشيخوخة وتفشت الأمية في وسط نواب الجماعة.
- ما موقع المهاجرين من هذا الملف، وما بيان استفادتهم؟ وهل المجتمع المغربي مجتمع مركب كما قال بول باسكون؟ هل يحصل إشراك النساء في تدبير أرض الجموع؟.
- ظهير 1919 صدر وكانت القبيلة مسيطرة على الأرض. لكن بعد ااستقلال المغرب تدخلت الدولة لتنظيم الأرض السلالية، التي تقدر اليوم ب 19280 مليون هكتار عوض 15 مليون التي صرح بها الأخ ممثل الوكالة الحضرية.
- الدولة هي التي سيطرت على الأرض السلالية مستغلة جهل السكان، ونواب الجماعة والخلافات بين القبائل، ولا يجب ربط المشاكل بالمطالبين بالحق في أرض الجموع بل يجب الحذر من الذين يذكون نار العداوة، وكذلك وجب استحضار النساء السلاليات بما هن معنيات بهذا الملف.
- موضوع المنتدى مهم جدا ، وكنا نتمنى حضور ممثل عن سلطات الوصاية. ولما نقول الوصاية فإننا نستحضر في أدهاننا أنها تكون على القاصر الذي يفترض التفكير له في جميع نواحي حياته. وذكرنا الاستثمار باعتباره ضروريا ومهما، لكن، أي استثمار نريد؟ ويجب استحضار البعد الاجتماعي التنموي.
- ضرورة استحضار الحق والقانون، ورفع الوصاية عن الأرض السلالية. وهل وزارة الداخلية وصية على أرض الجموع أم على نواب هذه الأرض؟ هل من حق البلديات، بناء على نص قانوني، الترخيص بالبناء فوق أرض الجموع ؟ وهل الدراسة الطبوغرافية حجة قانونية لملكية الأرض؟.
- سنظل نطالب بحقنا كنساء في الاستفادة من الأراضي السلالية.
- كيف نحفظ أرض الجموع؟ وما مصير الهوية الثقافية لأرض القبائل التي سيطر عليها الاستعمار؟
- المطالبة بإلغاء الظهير 1919 والاحتكام إلى الدستور، مع إنشاء مجلس وطني أعلى لتسيير الأراضي وثرواتها.
- هل يمكن الاعتماد على الدولة لحل مشكل أرض الجموع، وما هو الدور الذي ستلعبه؟ ما موقع المواطن من ذلك؟.
- استنزاف الأرض من المقربين من السلطة، مع الإشارة إلى البناء العشوائي بتواطؤ مع السلطة بشكل مباشر، مستغلة أمية النواب وتغاضي الوكالة الحضرية والسلطة عن هذه التجاوزات.
- بناء على تجربة نضالية دامت 4 سنوات توجت بتكوين فاعلات مكونات للترافع على ملف النساء السلاليات. تساؤلي هو: ما دوركن في الدفع بالنضال النسائي السلالي لإيصاله إلى الهدف، وهو الاستفادة من الأرض"
- لازالت النساء ترزح تحت وطأة عقلية ذكورية، ولا نزال نعيش وضعية مزدوجة تتمثل في كوننا من ذوي الحقوق ونقصى من طرف ذوي الحقوق أنفسهم .
- ملف أرض الجموع مقاربة متعددة يتقاطع فيها السياسي بالاقتصادي، والثقافي والأنتربولوجي..... ومحور المشكل على أرض الواقع يتمثل في سلطة الوصاية وملحقاتها المحلية ، ولهذا يجب فك ارتباط سلطات الوصاية في شخص وزير الداخلية عن أرض الجموع وإلغاء مجموعة من الظهائر الاستعمارية كظهير الشرفاء، والتفكير في صيغة لجعل أرض الجموع في صلب العملية التنموية، وكذلك استحضار الاستنزاف الذي تتعرض له أرض الجموع في الاستثمارات الفلاحية وخاصة الدعامة الثانية المتعلقة بالاستثمارات الكبرى، وكذا التفويتات المتعلقة بالمشاريع السكنية في تغييب تام للمقاربات البيئية........هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب إلغاء جميع الأعراف السلبية والحاطة بالكرامة .
- الإشارة إلى كون 90 في المائة من نواب أرض الجموع أميون، وكون الترسانة القانونية مطاطة وقابلة للتلاعب، كذلك وضع المرأة يفترض ملاءمة الأعراف للقوانين واستحضار ما وصلت إليه المرأة اليوم على مستوى القانون والدستور.
انتهت فقرة الصباح بالرد والتعقيب على أسئلة المتدخلين واستفسارهم، وكانت حصة المساء لعرض تجارب الجمعيات، والنساء السلاليات:
- تجربة جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي
أسند عرض تجربة جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي للسيدة سميرة البناني. ولا غرو، فقد واكبت فعل الجمعية منذ المنطلق، وهي تقوم حاليا بمهمة المدير التنفيذي لمشاريع الجمعية، بعد وفاة مؤسس الجمعية فجأة محمد بلكوح الذي تحضر روحه دوما، ويُتذكر في حدث من نوعه.
تمحور تدخلها حول مسار تجربة الجمعية في علاقتها بملف النساء السلاليات باقليم الرشيدية خاصة والجنوب الشرقي عامة. حسبت السيدة سميرة أن موضوع أرض الجموع من المواضيع المسكوت عنها «الطابو»، ولم يرفع عنه الطوق والستار حتى سنة 2005 لما نشأت الجمعية تتناولته ، وتنظم له بعض اللقاءات أو تعرج إليه لتدرجه في هوامش اللقاءات الأخرى. وتعد سنة 2009 محطة أساسية ومنعطفا رئيسيا في علاقة الجمعية بملف أرض الجموع، وضمنه ملف النساء السلاليات. ففي تلك الأثناء بدأ جدار الصمت يضرب، والطبول تقرع من لدن النساء السلاليات في بعض المناطق. أُسمع صوتهن، وقلن لا للصمت، فكانت بداية خوض معركة المرافعة من أجل رفع الحيف والقهر عنهن. ويمكن تلخيص العمل في ملف النساء السلاليات انطلاقا من تحديد المفاهيم، والتوضيح المنهجي والمعرفي حول المقصود بالنساء السلاليات. إنهن نساء، أمهات، وزوجات، ومعيلات أسر، أقصين من الاستفادة من الأرض الجماعية لأنهن نوع. وإن من حقهن الاستفادة من أرض الجموع لكنهن أقصين باسم العرف، مما ترتب عنه معاناة اجتماعية واقتصادية، وكان إقصاؤهن بتواطؤ مع نواب الجماعة، كان بغير وجه حق، إذ أن أرض الجموع، لم تكن في الأصل قابلة للتفويت، ولا للتمليك بل كانت للانتفاع فقط، من لدن أرباب العائلات. إلا أن للانتفاع أصبحت مفاهيم أخرى، فتحت الباب أمام تجاوز العرف بمقتضى نص قانوني تارة وتارة أخرى بدون أي سند قانوني ، وفتحت الباب أمام التماطل، وعدم المسؤولية من مجلس الوصاية، ليحصل تفويت أرض الجموع لفائدة القطاع العام، والقطاع الخاص أيضا، بل الأكثر من ذلك يمنح حق الاستفادة من أرض الجموع حتى للذكور غير المتزوجين ابتداء من سن 16 سنة. وأشارت المتدخلة إلى أن أرض الجموع تعرف استنزافا خطيرا مما يهدد حقوق النساء السلاليات، لذلك جددت مطالبة الجمعية، ومن خلالها مطالبة النساء السلاليات محليا ووطنيا بما هن صاحبات حق في أرض الجموع، بتوقيف تفويت الأرض، والتعويضات المخولة للجماعات السلالية، إلى حين إيجاد حل ينصف النساء. وطالبت بالبحث عن حل قانوني ينظم الاستفادة من التعويضات عن الأرض السلالية. وبخصوص مراحل تناول الجمعية لملف النساء السلاليات، أفصحت المتدخلة أنها أدرجتها في مجال التعبئة والتحسيس، وهمت بتنظيم اللقاءات، والاجتماعات مع النساء السلاليات من أجل التعرف على مشاكلهن مع أرض الجموع بإقليم الرشيدية، والنواحي كرامة، وايت هاني، وأسول، وحنابو، والخنك، والوقوف عليها. وقبل ذلك وقفت الجمعية عند عدة مشاكل: الزبونية في تحديد المستفيدين والمحسوبية، والتقسيم العشوائي للأرض في ظل غياب تدخل للسلطة،....إلخ. كما نظمت الجمعية حملتين تحسيسيتين على صعيد الجنوب الشرقي في إطار اليوم الوطني للمرأة 10 أكتوبر سنتي 2009/2010، وتطرقت المتدخلة إلى محور تقوية القدرات ، وإلى محور المرافعة، من أجل إنشاء قيادات نسائية، وتطرقت إلى أن جمعية الألفية الثالثة حرصت على العمل بطريقة تشاركية مع باقي الديناميات الوطنية، في ملف النساء السلاليات، وقد تجلى ذلك عبر مشاركة 20 من سلاليات إقليم الرشيدية، في الوقفات التضامنية مع النساء السلاليات من مختلف مناطق المغرب، بتنسيق مع الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب خلال سنتي 2009-2010،لتخلص إلى بسط المطالب الإستراتيجية للجمعية والتي أجملتها في خلق شبكة النساء السلاليات، والمرافعة من أجل إشراك النساء في الهيئة النيابية، ومراسلة السلطة لتفعيل الدورية 17، وتنسيق مع جميع الجمعيات التي تترافع علي ملف السلاليات، وتجميع الوثائق الضرورية، وتكثيف الوقفات الاحتجاجية محليا ووطنيا، وتكوين النساء السلاليات وتحسيسهن بشكل مستمر بالمساطر القانونية والعرفية .
وعادت السيدة رقية بلوط لتواصل الحديث عن تجربتها بالقنيطرة لتضيف أن هوامش إقليم القنيطرة عرفت زحفا على أرض فلاحية شاسعة، مما يعمق الإقصاء الذي تناولته بالتفصيل فيما سلف، والتي كانت المرأة ضحيته الأولى. وبعد عملية البحث عن الصيغ القانونية التي تمنح للمرأة حق الانتفاع، وخصوصا ظهير 1919، تبين أن مسؤوليات سلطات الوصاية، في هذا الصدد حاضرة. ولم تغفل الإشارة إلى إشكاليات إدماج العرف بهدف إقصاء النساء من الاستفادة. فالعرف لكي يكون مقبولا، يجب ألا يتعارض مع القانون، وألا يكرس الظلم واللامساواة في الحقوق، وألا يعارض المقتضيات الدستورية الجديدة.
إن رفع تحديات هذا الملف قد يتطلب تكوينا عميقا وشاملا. لذلك فسرت عملية التواصل التي قامت بها لدى الجمعيات والمجتمع المدني، وشبه المدني المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، والوزارات المعنية، وزارة الأسرة والتضامن. وبعد ربط الاتصال بالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، بدأت عملية ربط الجسور بالنساء المتضررات، وتعبئتهن وتحسيسهن، والاتصال بالأسر التي تتواجد بها فتيات ونساء، وكذا الرجال المساندين لعدالة هذا المطلب وخصوصا من نواب أراضي الجموع القدامى، فكان الانخراط في القضية مشرفا، لذلك انتقلت القضية إلى طور آخر، طبعه حصر اللوائح. وتوجت الحملة بتوجيه رسالة في الموضوع رفقة عريضة إلى وزير الداخلية نيابة عن جهة القنيطرة،ونفس الأمر قامت به الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب،التي قادت حملة ترافعية وطنية. وجرى العمل كذلك، ولا يزال يجري على تعميم هذه التجربة على المناطق القريبة من مدينة القنيطرة.
وضمن المداخلات تجربة امرأة سلالية، السيدة نعيمة أمار، بحوض غريس، وهي تجربة محلية. استحضرت المتدخلة تجربتها مع أرض الجموع من خلال إحدى التعاونيات الفلاحية -التي انخرطت فيها- لما أقدمت على الاستعداد لإنجاز مشروع الزراعة البيولوجية. وأضافت أن التعاونية استلهمت الفكرة من الدورات التي حضرتها مع جمعية الألفية حول المشاريع المدرة للدخل. وكانت فكرة الاشتغال على أرض الجموع لما تطلب إنجاز المشروع وعاء عقاري لازم لإقامة المشروع، فجرى ربط الاتصال بجمعية الألفية بهذا الصدد. وأما مشكل أرض الجموع فقد كان محور لقاءات عديدة في جمعية الألفية، حيث تبين أنه مشكل بات خارج الحل القانوني، إذ يتعداه إلى نواب أرض الجموع. لذلك حصل التوصل إلى ضرورة فرض شخص متعلم مكان النائب المستقيل، في المنطقة المراد إنجاز المشروع فيها. وعقب ذلك بدأ البحث في صيغ التعامل مع القبيلة، فكان التركيز على البحث عن حل من داخل العرف نفسه لأنه مرجعية الإقصاء. وبفعل التحولات الحاصلة على مستوى البنية الأسرية، أصبح لزاما على النساء الخروج للمطالبة بالحق في أرض الجموع، حيث توفقت الحركة في جمع 575 شابا تحت اسم « شباب إيجابي لرحبة الشيخ»، وطالبت الحركة معرفة دقائق ملف أرض الجموع، وحق الجميع في الاستفادة منها. وأثناء ذلك أشهرت ورقة العرف في وجه تلك المطالب، وكان اقتراح الصيغة «العامة» كصيغة عرفية لتقديم التعرضات،...واستنادا على هذا العرف توفقت الحركة في استغلال مناسبة المولد النبوي كمحطة لانتخاب 12 فردا كتمثيلية «للعامة» بشكل عرفي، وكان الاعتراف بها من لدن الجميع. وأكدت المتدخلة على أن مطلب النساء السلاليات بناء مشاريع تنموية مبنية على معرفة الواقع، والخصوصيات، وإلغاء ظهير 1919، وتعديل الترسانة القانونية المنظمة لأرض الجموع، واستحضار المقاربة التنموية في هذه المشاريع. وأكدت على الدور الذي لعبته جمعية الألفية الثالثة بالتنسيق مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب. وذكرت باليوم الدراسي الذي سيجري تنظيمه مع النساء البرلمانيات، وتمنت حضور جمعية الألفية والجمعية الديمقراطية كمساعدتين، لتمكين النساء من حق الانتفاع من أراضي الجموع.
فتح باب النقاش حول هذه الفقرة، وكان تسطير ما يلي:
- الإشارة إلى أن تجربة النضال النسائي السلالي تضمنت مشاركة نسائية فاعلة ومتميزة رغم تواضع مستواها التعليمي، وأن الجماعات السلالية خزان الطاقات النسائية القادرة على قيادة النضال النسائي السلالي. ومن المفترض في الجمعيات القيام بحملات تحسيسية على مستوى القصور للتواصل مع هذه الفعاليات النسائية.
- ملف النساء السلاليات بات يعرف إقصاء الجمعية الديمقراطية والجمعيات الراغبة في المساهمة في هذا الملف كجمعية أنفاق الطفل التي كانت تعتزم المشاركة في الوقفة الوطنية ب 60 طفل. ويبدو تجاوز العرف صعبا لتجدره في التاريخ.
- تسجيل حول مداخلة الألفية الثالثة، إذ حصرت الموضوع في تدخلها في عدم استفادة النساء من أرض الجموع. وإن المنطق التجزيئي في الملفات، قد لا يخدم هذا الملف على اعتبار طغيان إقصاء الرجال في مجموعة من المناطق، مثل بمنطقة أقدار بورزازات. لذلك بدا توحيد النضال في هذا الملف لضمان نجاحه ضروريا.
- سؤال حول كيفية تقبل مشروع المنتجات البيولوجية؟ وهل هو مشروع نسائي فقط؟ أم مختلط؟ وأسجل أنه منذ 2005 إلى الآن، لا شيء يذكر، ولا شيء تغير، بل على العكس تفاقم الترامي على أرض الجموع بشكل هستيري، مما يفترض استغلالا عقلانيا وشفافا لأرض الجموع. ونتمنى استمرار النضال النسائي السلالي إلى حين تحقيق الهدف.
- هناك ملاحظتان: الأولى أن مداخلة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، لم يميز فيها عن أي أرض جموع تتحدث؟ هل المتعلقة بالسكن؟ أو الموجهة للزراعة. والثانية أن إشكالية أرض الجموع هي ذات طبيعة قانونية ومؤسساتية مما يفرض نضالا طويل النفس.
خصصت الفقرة الأخيرة لثلاث ورشات نقتصر عن ذكر توصياتها.
سجلت ورشة أرض الجموع بين القانون والواقع التوصيات التالية:
- إلغاء ظهير 1919 وتعويضه بمدونة أرض الجموع .
- إعادة النظر في النظام العقاري المغربي بشكل يكفل تشجيع الاستثمار.
- تفعيل الاتفاقيات الدولية التي صدقها المغرب بخصوص أرض الجموع .
- إلغاء العمل بالأعراف المحلية السلبية والاحتكام للقانون الوضعي .
- رفع الوصاية على أرض الجموع .
- إلغاء مسطرة التعيين المنصوص عليها في الدورية 51 الصادرة يوم 14 من شهر مايو 2007.
- اعتماد نظام انتخابي ديمقراطي وواضح لانتخاب نواب أرض الجموع .
- منح الحق للنساء في تولي منصب نائب أرض الجموع على قدم المساواة مع الرجل.
- خلق وكالة خاصة تشمل جميع القطاعات الحكومية للتخفيف من وصاية وزارة الداخلية.
- تثمين أرض الجموع في حالة أي تفويت للمنفعة العامة، وإعطاؤها تقييمها الحقيقي.
- رصد ميزانية خاصة لتدبير النزاعات حول أرض الجموع .
- احترام الخصوصيات المحلية أثناء إعداد تصاميم التهيئة .
- مراعاة البعد الواحي الأخضر في تصاميم التهيئة .
- تحيين التحديد الإداري، و تحفيظ أرض الجموع على نفقة الدولة لفائدة الجماعات السلالية .
- اعتماد مبدأ المناصفة في انتخاب الجماعة السلالية .
- خلق صندوق خاص في اسم الجماعات السلالية يخصص لعائدات الأرض التابعة لها .
وأوصت ورشة «المجتمع المدني و دوره في تدبير أراضي الجموع» بما يلي:
- مأسسة مؤسسة نواب أرض الجموع.
- جعل المجتمع المدني شريكا في تدبير أراضي الجموع.
- الترافع من أجل تحيين الترسانة القانونية لتتلاءم مع الإصلاحات السياسية.
- إدماج المقاربات التنموية في التعاطي مع الملف.
- خلق شبكة مدنية تعنى بملف أرض الجموع.
- تقوية قدرات ذوي الحقوق.
- خلق نظم معلوماتية لتسهيل الولوج إلى المعلومات.
- خلق لجنة متابعة لتنفيذ وتتبع توصيات المنتدى.
- جعل محل مخابرة نواب أرض الجموع واضحة.
- تأسيس شبكة للجنوب الشرقي خاصة أرض الجموع.
- خلق أدوات تواصلية لتداول المعلومات المتعلقة بأرض الجموع.
- خلق لجنة تشتغل على هفوات وثغرات الترسانة القانونية لأرض الجموع.
- إصدار دليل مبسط حول مساطر وقوانين الأرض السلالية.
وأوصت ورشة النساء السلاليات وحقهن في الاستفادة من أرض الجموع بين القانوني والسوسيولوجي.
- ضرورة خلق نسيج جمعوي موحد بالجنوب الشرقي.
- إعادة النظر في هيئة النواب، لأنها لا تدافع عن حقوق الجماعة.
- ضرورة إشراك النائب لذوي الحقوق قبل اتخاذ القرارات.
- إيقاف التفويتات العشوائية، والغير قانونية المضرة بمصلحة ذوي الحقوق (الحد من استنزاف أرض الجموع).
- تفعيل الدورية 17.
- المساواة بين جميع ذوي الحقوق نساء ورجالا.
- ضرورة محاسبة نواب أرض الجموع قبل انتهاء ولايتهم والإدلاء بتقرير.
- ضرورة محاسبة المستفيدين بدون وجه حق (ملف المستثمرين والبناء العشوائي).
- إعطاء الأولوية في الاستثمارات لذوي الحقوق.
- عدم إقصاء النساء الراغبات في الاستثمار بمناطقهن.
- تعويض، ورد الاعتبار لذوي الحقوق المسلوبة أراضيهم.
- القيام بزيارات ميدانية وفق جدولة زمنية محددة مع التتبع.
- عقد لقاءات في كل منطقة على حدة، من اجل التوعية والتحسيس بالحق في الاستفادة من أرض الجموع (المساواة والإنصاف).
- تكوين لجنة مختلطة (نساء ورجال) من أجل دراسة أي ملف يتعلق بالتوزيع.
- إشراك النساء في الهيئة النيابية.
- تكوين النساء السلاليات، ووضع خطة عمل إستراتيجية بين الشبكات التي لها نفس التصور، والأهداف، والعمل على تفعيلها.
- سن قانون يتماشى وروح الدستور بشكل يحمي أرض الجموع، ويضمن حق الأجيال المقبلة.
- إلغاء ظهير 1919.