تجنيد الأصوليين للنساء: تلك الأحجية



لطيفة الشعلان
2005 / 5 / 6

ضع التضييق الأمني على كثير من الانتهازية، وستفهم كيف أصبحت فجأة (ناقصة العقل) الأسيرة لدى وليها، انسانا يملك إراداته الحرة، ليهاجم السياح في حادث انتحاري كما وقع في القاهرة يوم السبت الماضي، أو ليتمنطق بحزام ناسف ويفجر الناس في معبر أو موقف باص كما تفعل الفلسطينيات، أو في مسرح أو باحة مدرسة كما فعلت الشيشانيات.

بغض النظر عن كون الفعل إرهابا أو كونه مقاومة، فإن الآلية واحدة في الحالتين، وهي التي تنتهي بزج النساء في حرائق العمليات الانتحارية، التي تتعارض منذ الدقيقة الأولى للتجنيد ثم التدريب وصولا إلى لحظة التنفيذ الرهيبة، مع الفكر الأصولي السائد لدى هذه الجماعات فيما يتعلق بوجود المرأة وحريتها وهيئتها الخارجية ودورها وحركتها في محيطها.. الخ.

من الواضح ان بحث هذه الجماعات عن استراتيجيات مبتكرة لتخطي القيود الأمنية المتصاعدة، يجعلها تضحي بأفكارها، فتلجأ للنساء اللواتي يحظين بمعاملة خاصة عند نقاط العبور والتفتيش، أضف لذلك أنهن أقل إثارة للشكوك. تصبح المرأة المتفجرة (شيئا) أو (أداة) غير تقليدية في حرب تقليدية. عليك بعد ذلك أن تفض الإرباك بين التشيؤ والتشيؤ. هم يفتحون النار على من يوظف الجسد الأنثوي للمتعة والفرجة على مفاتنه، عليهم أن يحتملوا إذن من يأخذ عليهم توظيف الجسد نفسه للقتل ومن ثم للفرجة على أشلائه المتطايرة.

وحتى اللحظة التي تخرج فيها هذه الجماعات بـ (تأصيل شرعي) لإشراك النساء في العمليات الانتحارية، يحق السؤال عن مفاهيم تقليدية مثل: الستر والخلوة والمحرم والقوامة .. إلى أين ذهبوا بها ياترى ؟

حيث لا أحد يعلم أو يريد !

أين وصلوا بمطالب القرار في البيت والإنجاب وتربية الأولاد؟

وصلوا بها في يناير من2004 لحاجز ايريز حين كانت الانتحارية أمّا لصبية صغار.

أما إن لم تكن أمّا، فإن اللعب على أوتار القلب جزء من التجنيد. يصبح التنجنيد لعبة عاطفية خطرة .. بل أخطر لعبة على الإطلاق. التقرير الكامل للشاباك الإسرائيلي حول انتفاضة الأقصى المنشور بدايات هذا العام ، يضع إلى جانب الدافع الوطني بالنسبة لبعض الانتحاريات الفلسطينيات، دوافع أملاها الميل العاطفي لناشطين عسكريين في حماس أو الجهاد، أو معارضة الأهل للزواج من شخص معين. أما دراسة الصحافية الروسية يوليا يوزيك (عرائس الموت) التي استغرقت عاما وتتبعت فيها تاريخ27 انتحارية شيشانية فإنها قد ذكرت شيئا من ذلك الهيام بين بعض الانتحاريات والقادة الذي جرجرهن من رقابهن للموت انتحارا.

يال المفارقات والانتهازيات في هذه الرمال المتحركة.. !

إن من قد تجند للفكر الارهابي المميت بلا محرم ولا ولي ولا توقيع، هي من تحتاج في الوقت نفسه لمحرم حتى تركب طائرة بين مدينتين داخليتين في السعودية، أو من يطلب منها توقيع ولي أمرها، ولو كان فتى مراهقا حتى تلتحق ببرنامج في الدراسات العليا.

رئيسة سابقة لأحد تنظيمات القاعدة النسائية تفضح في حديث لصحيفة "الوطن" السعودية كثيرا من غواية التجنيد، قائلة: "تم افهامنا انه في حالة جهاد الدفع، تشترك المرأة والصبي، ولايجب استئذان الزوج". ثم تعلق على برامج القاعدة لإعداد المرأة للجهاد بقولها: " لاحظنا ان زوجات وبنات "المجاهدين" لم ينخرطن في البرامج التدريبية وكنت أول من طرح هذا الاستفسار، فكيف تقحمون بنات وزوجات الآخرين ولاتضحون بنسائكم".

حسنا،لم تقل أم أسامة بماذا أجابوها، لذلك أقول إن إحباط عملية انتحارية وإنتهاء (بطلتها المسلمة) في سجون إسرائيل أو روسيا أو حتى سجون بعض الأنظمة العربية، سيتناقض بما يمثله من هتك للحرمات مع أبسط مبادئ منظري هذه الجماعات في موضوع صون المرأة وعفافها.

الطريف ان قائمة المحرمات الأصولية تتراخى إذا تعلق الأمر بـ (المجاهدات)، إما تفعيلا كأحسن مايكون لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، أو لإن هؤلاء النساء (لسن كأحد من النساء)، وهذا ما أرجحه. مثلا النشاط الإلكتروني لحريم القاعدة وللمتعاطفات معها على أشده (يخزي العين) مع وجود فتاوى في تحريم دخول المرأة للإنترنت. ممارسة الرياضة للنساء فيها (شبهات) تطول، حتى صارت المطالبة بادخالها في مدارس البنات هرطقة، لكن مواقع الكترونية محسوبة على تنظيم القاعدة، فاجأت العالم في أواخر 2003 بعرض برامج في التمرينات الرياضية المتقدمة مزودة بالرسوم التعبيرية مخصصة لرفع لياقة (المجاهدات)، من دون إغفال ضرورة " الحرص على السرية وعدم إفشاء معلومات عن توجهاتهن الفكرية حتى لأقرب الناس وبالذات الأزواج".

أحجية بلا حل، ولو كنا أمام منظمات يسارية أو قومية، حيث تفهم المرأة في أدبياتهم وتطبيقاتهم، من حيث كينونتها وحريتها وأدوارها على نحو أكثر تقدمية، أو لنقل أكثر مساواة للرجل، لما جاز الإستغراب أو الرمي بتهمة الإنتهازية.

اختطاف طائرة لايقل عن الانتحار، لكن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي من جندت ليلى خالد ذات يوم من عام 1969.

لقد لعبت المرأة دورا ميدانيا في كل حركات التحرر العربية من ربقة الاستعمار، بل شكلت هذه الحركات فيما بعد قوة دفع للتيارات المطالبة بحقوق النساء، لكن هل هناك من يحتاج للتذكير بأن هذه الحركات لاتتقاطع في شيء مع التنظيمات الأصولية الحديثة.