هل هي بداية موفقة لتصحيح مفاهيم الخطوبة والزواج والتحرش الجنسي في موسم سيدي أحماد المغني بجبال الأطلس المغربية؟



لحسن ايت الفقيه
2013 / 8 / 15

يكاد نصف قرن من الزمان أن يمضي على ضرب الحقوق الثقافية والهوية بجبال الأطلس الكبير الشرقي. ولقد كان الغرض في البدء جعل بؤس المنطقة وفقرها وتخلف التنمية بها واحدا من عوامل جلب السائح الأجنبي، في أحسن الأحوال، والسائح المحلي في المقام الثاني. فما أكثر الذين أنشأت الإشاعة لديهم دافع زيارة إملشيل فيكتشفون بأن هناك تراثا طبيعيا غنيا، وتراثا ثقافيا متنوعا، ووسطا سوسيواقتصاديا يعد فيه اكتساب زوج النعل من الكماليات، واللافت للانتباه أنه في ظل الفقر والبؤس ظل الحب أساس الخطوبة، ومعيارا لصدق العلاقات الزوجية. والحب أيضا أساس الخصوبة الطبيعية، والعلاقة بين الإنسان والأرض أوثق من العلاقة بين الإنسان والإنسان. فالأرض هي الأم الأولى والمرأة هي الأم الثانية، وهي الضامنة للأخوة، «تايمات» بالأمازيغية نسبة إلى الأم. ولئن كانت القرابة بين الإنسان والأرض تسقى بالدم فإن القرابة بين الإنسان والإنسان يسقى طعامها بحليب النساء. تقول الرواية الشفوية بأن عقد التحالف يقضي سقي الكسكس، وهو أكلة أمازيغية تعرضت للتعديل في الأندلس لتعود إلى المغرب بالشكل التي عليها الآن، بحليب40 امرأة ينحدرن من مختلف العشائر والقبائل. وكل من أكل من ذلك الكسكس مدعو لاحترام ميثاق الأخوة، والقاضي الدفاع الجماعي المشترك عن المجال الوظيفي، وما كان المجال يسمح لتفصيل القول في الرقم السحري الأمازيغي 40. ويعنينا أن للتحالف القبلي قواعد أخرى تتجلى في طقوس الدم والزواج اللاعشائري exogamie الذي شكل أساسا لإنشاء موسم سيدي أحماد المغني في بحر القرن السادس عشر، وشكل، فضلا عن ذلك، ميثاقا غليظا بين قبيلتين مختلفتين ثقافيا أيت يعزة وأيت إبراهيم. ويظهر أن الزواج اللاعشائري إبداع المنطقة لتجاوز الاختلاف. ذلك أن المرأة التي تضمن التحالف على ميثاق الأخوة بحليبها مدعوة لضمان تحالف آخر، أساسه تلاقح دماء الإثنيات (العشائر والقبائل) عن طريق الزواج اللاعشائري الذي كان يحصل بضريح سيدي أحماد المغني المتصوف الطرقي المحايد الذي نزل المنطقة دون أن يتناسل فيها ويترك ذرية هناك.
دفن المتصوف سيدي أحماد المغني في وسط محايد عشائريا بقلب مجال قبيلة أيت ابراهيم، وبات ينظم موسما بجواره لعقد القران اللاعشائري بين فتيان وفتيات كلتا القبيلتين أيت يعزة وأيت ابراهيم، وهو قران قائم على الحب والعرف، بعد مسلسل من المجادلة والمغازلة، بعيدا عن المدونات والقوانين الوضعية، وخارج مطالب الحركات النسائية المغربية.
ظل الوضع على ما هو عليه إلى حدود سنة1965 حيث طفقت السلطة الإقليمية بقصر السوق (الرشيدية حاليا) تتدخل في شأن الموسم. ومنذ وقتها سمي الموسم بالباطل «موسم الخطوبة !». هناك ظهرت أسطورة «إسلي» و «تيسليت» نسبة إلى بحيرة «إزلي»، و«تيزليت». وانتشرت الإشاعات والأراجيف، وكأن بجبال الأطلس الشرقي سوق النخاسة لبيع الفتيات، وافتقدت المرأة الأمازيغية قيمتها بما هي ضامن الأخوة والخصوبة والحب بدمها وثديها وشعرها[بفتح الشين]، لا بحسدها وفرجها. لقد تغير الوضع، وضربت القيم، وتضررت المنطقة من وقع الأراجيف والإشاعات إلى حدود نهاية التسعينات من القرن الماضي. ومنذ وقتها اهتدى أحد العمال بإقليم الرشيدية إلى الوقوف مليا لتقييم الوضع بموسم سيدي أحماد المغني الذي يسمى بالباطل موسم الخطوبة، فكان الرأي إطلاق اسم «موسم إملشيل» وتعجيل موعده ليصادف آخر شهر غشت بدل الاعتدال الخريفي. ولما انتفض سكان مركز إملشيل يوم 8 مارس 2003 مطالبين بتجهيز المنطقة بشبكة الكهرباء، وطالهم الاعتقال، تدخل مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث فأحدث تعديلا إضافيا يقضي بتنظيم مهرجات موسيقى الأعالي يصادف «موسم إملشيل»، والهدف منه تنمية السياحة الداخلية. ولا غرو، فقد مول المركز عدة دورات وأشهر المنطقة، لكنه لظروف ما لم يعد - المركز- وافيا بالعهد، لكنه سن سنة حسنة لا يزال أجرها يشهد على سلامة قصد المسؤول عن المركز، وحبه لأرض إملشيل حبا جما لا ريب فيه.
وبعد إحداث إقليم ميدلت في بحر سنة 2010 عاد الوضع إلى ما هو عليه في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وعلقت اللافتات لمدة ثلاث سنوات مرسوم عليها «موسم الخطوبة»، فكانت الردة والتراجع والنكوص. ومما يثلج الصدر أن خلافا قائما بين قبيلتي أيت ابراهيم وأيت يعزة أنجز عنه، هذه السنة، فصل مهرجان موسيقى الأعالي عن موسم سيدي أحماد المغني، حيث قررت أيت ابراهيم احترام الموعد الذي كان ينظم فيه الموسم من قبل، أي الاعتدال الخريفي. وتلك خطوة لتعديل الوضع بعد التوقيت. فهل ستعود التسمية القديمة للموسم؟ وهل ستموت أراجيف الخطوبة وإشاعات بيع النساء بثمن بخس دراهيم معدودات؟ وهل سيميز التواصل العاطفي الأمازيغي (تقفرفيت) عن التحرش الجنسي؟ سنعود إلى الموضوع بعد يوم 23 شتنبر المقبل.