المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت



نزار جاف
2005 / 5 / 15

لاتضرب المرأة ولو بزهرة، مثل ياباني في غاية الرقة و الجمال، ينم عن فهم و تقدير ذو بعد رومانسي لطبيعة المرأة وتکوينها النفسي و البايولوجي. ولکن لماذا النصح بعدم ضرب المرأة؟ لامراء من أن هکذا نصيحة ذهب مثلا لم يأت إعتباطا و لا من مجرد هرطقة کلامية بحتة من دون أي هدف معين يرمي إليه. إذ کما قال المسيح في مريم المجدلية" من کان منکم بلا خطيئة فليرمها بحجارة" بدواعي من حمايتها لا من مجموعة من البشر المندفعين للقصاص من تلک المرأة، وإنما للوقوف ضد إرث إجتماعي ـ فکري موجه ضد المرأة. أو حين نطالع الحديث النبوي"رفقا بالقوارير"، فإنه کان دعوة صريحة من رسول الاسلام الى المجتمع العربي في الجزيرة للکف عن إضطهادها و المساس بکرامتها کإنسان. وحين نطالع الفصول المأساوية من التأريخ الانساني و نقلب أوراق المعاناة الانسانية على مر الحقب الطويلة المختلفة، نجدها المتضرر الاکبر و الخاسر الاعظم بدون منازع. إذ کانت في کل المراحل التأريخية مجرد تابع و ظل بعيد عن روح و جوهر الامور برمتها. لقد کانت المرأة بالنسبة للرجل مخلوق يشبع حاجته الغرائزية بين الفينة و الاخرى، وتقوم الى جانب ذلک بخدمته و رعايته و تربية أطفاله مقابل حماية يؤمنها لها. ولکن الرجل"ومع کل ماتقدمه له المرأة" کان يرى فيها نقطة ضعف دائمة في خاصرته أمام أعدائه. إذ کانت المرأة قديما جزءا من الغنائم التي يحصل عليها الرجال في الحروب المثارة بينهم لأسباب و دواعي شتى. من المفيد أن نشير هنا الى الخلفية الفکرية للمجتمعات القديمة بخصوص تقييم المرأة و تحديد أساس معين للتعامل معها، والمستمدة أساسا من أسس إسطورية و من ثم دينية أسبغت على الموقف بعدا مقدسا کان بمثابة الاطار الذي حوصرت فيه المرأة من قبل نظرية فکرية ـ إجتماعية تستند على مفاهيم إشتقت کلها على وجه الاطلاق من الزاوية التي تعکس المفهوم الرجولي لکل الامور. وقد کانتا نقطتا الاشباع الغرائزي للرجل و المتوفر عند المرأة و إحساسها بالضعف أمام الرجل، أساسين مهمين في التکوين الجنسي للمرأة. ومن هنا کان دوما المبادر في العملية الجنسية هو الرجل، في حين کانت المرأة دائما في وضع المدافع أو المنقاد الذي لاخيار آخر لديه سوى الانصياع. هذا الارث الانساني الموغل في السلبية و الرداءة بالنسبة للانثى، رسم البعد النفسي"السايکيولوجي" للمرأة فيما يتعلق بالعملية الجنسية بحد ذاتها. وإذا کان التفوق الرجولي" وفق مفهوم بروز العضو الرجولي و ضمور الانثوي" دافعا للمفاخرة و المجاهرة"کما هو سائد في العديد من المجتمعات التي تسود فيها القيم القبلية، فأن هناک على الضد من ذلک إحساس بالتضاؤل و مايشبه الشعور بالحقارة و الاستصغار واللذان هما العماد الذي شکل أساس مبدأ "العيب" الذي صار سوطا إجتماعيا مسلطا بوجه الانثى. ومما ساهم في إذکاء و تقوية مبدأ"العيب"، هو أن مجرد ذکر العملية الجنسية أو مايدل أو يشير إليها في الاساطير و الکتب المقدسة، کان يأتي وفق سياق يستدل منه على الخطيئة أو الجرم الذي من الافضل عدم الوقوف طويلا عنده و المرور عليه مرور الکرام. ورغم أننا لانتفق کثيرا مع الاراء التي أوردتها الدکتورة نوال السعداوي في کتاباتها ولا سيما في کتابيها"المرأة و الجنس" و " الانثى هي الاصل"، لکننا لانجد مناصا من الوقوف عند آرائها التي تنطلق من الإحساس المتوارث بالإضطهاد لدى المرأة والاخذ بنظر الاعتبار لرؤيتها الخاصة فيما يتعلق بعدم أصالة الرجل و کون الانثى هي الاصل! وإذا کان الدکتور"فريدريک کيهن" لم يعر أهمية لمسألة الاصالة عند الرجل أم المرأة، فإنه قد وقف طويلا عند الخلفية الفکرية ـ الاجتماعية للمجتمعات و مساهمتها في بقاء و تعقد مسألة البرود الجنسي عند المرأة. وهذه النقطة بالذات قد إلتفت إليها أريک فروم و عزاها الى البعد الاجتماعي ـ الفکري مباشرة و من دون مواربة. وعلى الضد من ذلک يحاول دعاة التمسک بالموقف الاخلاقي و قيم الفضيلة المرتبطة أساسا بالمبادئ الکنسية من أمثال عالم الاجتماع الامريکي المحافظ"ديفيد بوبنو" أن يقلل من التأثيرات و التداعيات السلبية للخلفية الاجتماعية ـ الفکرية على المرأة، وذلک من خلال إضفاء مسحة رومانسية على جوهر المسألة حين يحاول أن يعزي المسألة الجنسية لدى المرأة الى عامل الرقة و رهافة المشاعر و ضعفها البايولوجي فيحاول أن يحلل مسألة خضوع المرأة للرجل بسبب من"حاجة المرأة الدائمة للإحتماء" متناسيا من أن حاجة المرأة الدائمة للإحتماء ينبع أساسا من التأثيرات السلبية للخلفية الاجتماعية ـ الفکرية عليها. أما العلامة الايراني"مرتضى مطهري" فهو أيضا يسلک نفس درب بوبنو في کتابه المعروف" نظام حقوق المرأة في الاسلام"، والذي مزج فيه بين القيم الاسلامية المتعلقة بالمرأة و المسائل الفلسفية و النفسية وحاول من خلال تلک التوليفة أن يقوم بفذلکة الموقف الاسلامي من المرأة فيمنحه بعدا أخلاقيا يجعله مختلفا عن بقية الاديان. المطهري و إن کان موفقا في سبک الکلام و دعم الحجج و إيجاد الدعامات المنطقية لما يراه من الرؤيا الاسلامية للمرأة، إلا أنه لا يستطيع أن يلغي مساحات شاسعة من موقف الفقه الاسلامي من المرأة و المشتق أساسا من المنابع الرئيسية"الکتاب و السنة"، وتلک المساحات ترى في المرأة کائنا تابعا و ليس متبوعا کما في السياسة و القضاء الذي لايسمح بتولية المرأة إطلاقا، و إمرأتان تعادلان رجلا کما في الشهادة، و مسائل اخرى عديدةکما في مسألة الارث . وکل ذلک يجعل المرأة أسيرة تلک المفاهيم و لاتملک خيارا غير الاذعان لها. إن العلامة المطهري يتغاضى عن ذکر ذلک الحديث النبوي الذي يجعل المرأة عرضة للعنة من قبل الله و الملائکة إذا لم ترضي زوجها في الفراش وذلک بأن تعرض نفسها عليه کل ليلة، فإن باشرها فلها الخير و الثواب و إن أعرض عنها فلها أيضا نفس الامر، أما إذا لم تعرض نفسها عليه و أعرضت عنه"مهما کان السبب" فعليها لعنة الله و الملائکة حتى يرضى عنها زوجها!! بيد أن ذات المسألة لاتثار فيما إذا تعلق الامر بالمرأة، أي فيما إذا أعرض عنها الرجل. إن الانثى إذا تزوجت فإنها الى جانب حاجتها لشريک لحياتها و الى بيت و أطفال و ماإليه، فإنها "مثل الرجل تماما" تحتاج الى إشباع غريزتها الجنسية و التمتع بهذا الجانب الغرائزي ـ السايکيولوجي من الحياة.