الطمع مشكلة العالم من جديد



سونيا ابراهيم
2013 / 8 / 22

Over and Over again!

لطالما أصابني الاستياء من الطرق التقليدية لتكوين العائلة في الشرق الأوسط؛ خاصة بينما تكون العائلة فقيرة جداً و الأم تنجب الكثير من الأبناء.. و لا يهم بنظر زوجها- غالباً هو من يصرف على العائلة- في تلك اللحظات استخدام ما يمكن منع انجاب المزيد من الأطفال.. و لا يهم المجتمع أن يزيد من وعي كلا الشريكين على أهمية تنظيم انجاب الأطفال.. لا يهم الزوجين إن كانوا معدومي الحال، و معظم أطفالهم المكدسين في منزل ضيق- من الجحيم- ميتين من المرض و الاهمال أو جوعى.. كل هذا الوعي غير مطلوب، وليس متعارفاً عليه بينهما- أقصد الكثير من الأزواج.. لأسباب التخلف، و المرض، و الاهمال حتى نصل إلى فساد أجهزة الدولة، و دوائرها الحكومية نجد أن الضياع وحده سبيلاً للوعود التي تبذلها رؤوس الأنظمة، و ممثليها..
و كل ما وجدتُ حفلة زفاف، أو خطوبة أو موعد قران شعرتُ أن المجتمع الشرقي- بكل عيوبه- يخدم ما ترهل من المنظومة الاجتماعية التي تأثرت بالفساد السياسي و الاقتصادي.. من السهل جداً أن نقرر كما يفعل غالبية المثقفين أو المفكرين.. نمسك القلم و نكتب، نقرأ آخر الدراسات و الأبحاث و نقرر.. و لكن الغالبية- مفترض جزء منها متعلم- من الفقراء أو المهمشين في الشرق الأوسط يخشون الحديث عن أهمية تربية الأطفال بحيث ينضج الطفل و يصبح فرداً مسئولاً عن حياته.. في النهاية لا يرى الآباء و الأمهات أن الطفل خُلق ليعيش حياة نفسه، و ليس ليكون منتوجاً يرثونه و يتوارثونه بالمشاطرة فيما بينهما.. هي تريده أن يحلم مثلما نجح في عمله نسيبها، و هو يقارن بين منتوج ابنه و ابن أعز أصدقائه.. ليست الحياة كلها هي حسابات في حسابات.. هذا ما هو غير قادرين على الوصول إليه باقتناع، بل يعملون على اقناع غيرهم- و جنون العظمة يركب رأسهم- أنهم دوماً على صواب.. هؤلاء الآباء و الأمهات الملائكة غير موجودين.. لا يقتنعوا إلا أنهم يستحقوا أبناء أفضل.. أو أبناء يستبدونهم لأنهم في طفولتهم أو حتى فترة لاحقة حُرموا من كل الأشياء التي كان يحلم بها الشباب من هم في سنهم..

إنه الطمع الذي يدفع الأب الشرقوسطي لدفع ابنته للزواج بالاكراه، و إنه الطمع ممزوج بالغيرة الحمقاء من باقي الأخريات؛ أو الجهل- الذي يدفع الكثير من الشرقيات لانجاب أعداد كبيرة من الأطفال بقلة ذوق أو حنان.. و إنه الطمع الذي يدفع هذا المجتمع، و الذي يحبذ انجاب المرأة للأطفال- حتى دون أن يكون لها رأي في ذلك- يطمعون في جسدها، في ترهل جسدها و الجهد الذي تبذله للانجاب كل مرة.. يطمعون بالرجل لذلك يدفع المهر، و يقابله طمع جنسي آخر بمواصفات المرأة؛ لاستهلاكها.. الطمع الذي يجعلهم يرثون الدين و كل ما هو ذكوري أيضاً في تشريعاته- إن لم يكن العنف هو العنصر الأساسي أيضاً-؛ و إنه الحقد و الغيرة، قبل الاكتفاء – بالطمع- الذي يجعلهم يتجنبون المرأة الذكية الطموحة بل السطحية التي تكتفي بالقليل من غبائهم الذكوري المتطفل.. كلهم يعلمون أو يعتقدون أنه الغباء.. و لكن صدقوني إنه الطمع؛ و ليس الجهل أو الغباء كلاهما المشكلة الوحيدة! إنه الطمع الذي يجعلنا حقوديين، أغبياء.. لا نميز بين الصواب و الفضيلة و بين الخطأ و الرذيلة- صدقوني يا أعزائي! و الطمع هو السبب الأساسي؛ بالاضافة لتشويه الدين - نفسياً و جنسياً لطاقة الفرد-، لتعدد الزوجات، كما يدعو الدين!

" أنا ألقنك.. و أنت تسمع"، هكذا يتربى جيل بعد جيل.. غالبية الشرق الأوسط يرددها.. نحن مجتمع لدينا عادات و تقاليد.. لأسفي لا تأتي هذه العادات لتكون اعتيادية مفيدة بقدر ما هي عقيمة و غير ناضجة.. بل مملة و مكدرة للأجواء لأبعد الحدود..
كنتُ و أعترف أني مضطرة لقول هذا- كفلسطينية الجنسية- في كثير من الأحيان، و أنا أتناقش مع زميلاتي عن قدر الحرمان و الاجحاف الذي تمربه حياتنا منذ أن وعينا على هذه الدنيا، أشعر بالغضب والحنق الشديدين.. حتى أنهم كانوا يصفوني -للمبالغة- : ثائرة.. أقول لزميلاتي بعدما يحتد النقاش: لماذا أنجبونا آباؤنا؟؟ ألكي نتعذب؟؟ هل يبدو هناك أمل في هذه الظروف التي تزداد سوءاً كل مرة؟؟ كيف خطر لهم أن يفعلوا هذا بنا- كنت أتساءل بعد أن يفاجئني التزامي بالهدوء بعد تمردي.. أشعرتُهم- زميلاتي- بالسوء عندما لم يفهموا أسبابي الشخصية.. كنت أقول: أنا لن أسامح.. وبعضكم يعلم ما هو السبب من باقي مقالاتي..

تمردتُ عندما فرضوا علي نظرتهم الغبية بفكرة المجتمع الشرقي، حتى المعلمات في المدارس كانوا مُعنّفات و عنيفات، بذيئات و يدعون للدين في آن واحد.. و إن كنتُ أشعر بالخجل من نفسي فإنه لظني بسبب ما تعودتُه من حرمان.. محرومة حتى من التفكير بأني محرومة..

الذكاء في طفولتي التي قضيتُها بين منزل عنيف، و مدرسة تقليدية- تربيتها دينية- كان معناه؛ أن أكون لئيمة، حقودة.. طمّاعة لا بأس.. ولكن في النهاية كان يجب على الواحدة منا أن تكون جبروت أو طاغية.. و هذا ما سبب لي صدمات متلاحقة.. من أنا و من هم؟؟ لماذا لا نهتم- كما تربينا سواء في المنزل أو المدرسة- سوى باطلاق الأحكام، العداوة في سبيل النجاح و المنافسة، طريقة عمل مجموعات بين ز ميلات مفضلات ضد مجموعة أخرى.. و هكذا.. إن أشد ما أثار استيائي كان عندما عدتُ إلى التدريب في إحدى المدارس الثانوية، و وجدتُ أن الطالبات ما زالن يتأثرن بكل هذا.. شعرت بكمية من الارهاق لمجرد الاستماع إليهن.. و وجدتهن صعبات المراس، ثقيلات الدم.. لديهن مفهوم خاطئ عن الخجل.. لقد قلتُ أقل ما في الموضوع من حقيقة.. كلهن كانوا أشبه بربات البيوت اللاتي اتحدن لنصب المكائد، و افتعال المشاكل.. و كان هذا ليس السبب الأساسي لكرهي للنظام التربوي.. بل كان أحد الأسباب المتكدسة بعد ما عانيتُه من قمعٍ في التربية في مدينتي.. وجدتُ بأعماق داخلي أنه لا شئ أجمل في هذا العالم سوى مقدرتي على الاختيار.. اخترتُ ألا تشبه شخصيتي؛ لا والدتي التي احتقرتني، و لا خالتي التي استغلتْ غيابها لتنهرني بشكل نصيحة لائمة.. و لا حتى المعلمة التي كرهتني لأني كنتُ أرتدي بنطالاً لا يعجبها لونه- جريئاً بالنسبة لها- .. و لا حتى شكل معلمتي الحنونة التي كلما نصحتني بوضع الحجاب جيداً على رأسي، بدلاً من تركه مسدلاً على أكتافي.. قلتُ لها: "ألا يوجد بيننا رجلاً.. إذا سأعدله و لكن ليس الآن.."

إن الطمع قد يؤدي في كثيرٍ من الأحيان لفصام الشخصية- لا أتحدث هنا بشكل عام- بل عما حدث لطفولة فتاة مثلي بسبب عائلتها.. قلته لكم سابقاً.. إن الطمع وحده قادراً على تحكم من بيده السلطة بمصير الآخرين.. و هو من أحد الأسباب الرئيسية في تدهور هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم..

أشكركم!