قوة الرجل .. وضعف المرأة .. وزوربا اليوناني



فارس حميد أمانة
2013 / 8 / 25

نحن نعيش في مجتمع شرقي .. وهو مجتمع ذكوري بغالبيته .. ذلك شيء مسلم به ..
خلقت المرأة أضعف بنية من الرجل عموما .. والرجل أقوى .. أو هذا ما نشأنا عليه رجالا ونساءا .. ان قانون التطور يفرض نفسه على الجميع .. فالرجل الرياضي أقوى جسدا وأمتن عضلات وأقدر على المطاولة مني أنا مثلا حيث لا أمارس الرياضة بسبب مشاكل صحية .. ولو امتنع جميع الرجال عن ممارسة الرياضة أو الاتيان بالأعمال الشاقة لأصبحوا ضعاف البنية .. هذا شيء معقول .. أشاهد كثيرا فتيات ونسوة رياضيات من مختلف دول العالم ولاسيما ممن يمارسن الرياضات الشاقة أو العنيفة كالملاكمة أو المصارعة أو رفع الأثقال أو ماشابه ذلك فأندهش لقوة العضلات وضخامة الجسد ولا أتصور لنفسي مباراة تنافس مع أية واحدة منهن بجسدي الضعيف وعضلاتي النائمة .. سأكون الخاسر الأكبر بالتأكيد ..
مرة تبخترت احدى زميلاتي المهندسات بقميص أرسلته لها عمتها من المانيا .. كان جميلا حقا .. زين صدره برسم كاريكاتوري يمثل امرأة منفوشة الشعر ساقطة على الأرض ونظرة الرعب تحتل كل تقاسيم وجهها .. بدءا من العينين الجاحظتين الى الفم المفتوع بسعة .. ويقف على رأسها رجل قوي البنية طويل القامة مفتول العضلات .. ترتسم نشوة النصر على محياه .. وقد كتب على القميص باللغة الألمانية العبارة التالية :
" Man ist schtark, als dame ist schwach "
وسألتها مشاكسا ان كانت تعرف ترجمة العبارة فأجابت بالنفي .. ولما كنت أتذكر الكثير من الكلمات والعبارات باللغة الألمانية بعد سفري الى المانيا لثلاث مرات أجبتها ان الترجمة بالعربية تعني : " الرجل قوي .. قدر ما تكون المرأة ضعيفة " .

هل حقا ان المرأة ضعيفة ؟ وما مقدار ضعفها قياسا بقوة الرجل ؟ هل هناك مجالات تكون فيها المرأة أقوى وأقدر من الرجل ؟ هل هناك أعمال " ذكورية " وأعمال " أنثوية " ؟
لقد عشت بداية سنوات عمري في مدينة المشخاب الغافية على شط الفرات وسط العراق.. ولمن لا يعرفها فهي مدينة الرز العنبر ذي الرائحة الزكية والنخيل بأشهى أنواع تمره .. ومن الطبيعي ان يعمل أغلب الساكنين في مجال الزراعة ما عدا النسبة الأقل ممن يعمل بوظائف حكومية لا سيما في مركز هذه المدينة .. وهذه حقيقة يمكن أن تعمم على كل المدن الزراعية في العراق بل وكل بلدان العالم ..
أتذكر أن أغلب المزارعين كان يتزوج أكثر من امرأة لينجب المزيد من الذرية ليكونوا له عونا في زراعة الأرض اضافة الى أعمال البيت الآخرى المختلفة ومنها بالطبع أن تكون المرأة معمل تفريخ .. ووعاء تفريغ اللذة .. ومتنفس الغضب .. المرأة لم تساو الرجل هنا فحسب بل فاقته في تحمل الأعباء التي لا يطيقها أقوى الرجال .. ولا زلت أتذكر بوضوح العديد من المزارعين ممن كان يجلس في المقهى عصرا يحتسي الشاي ويدخن " وأناثه " يعملن في الحقل ..
أين اختفت قوة الرجل هنا ؟ لماذا لم يستخدمها في حقله جنبا الى جنب مع الأنثى ؟
الحقيقة المرة ان قوته لم تختف .. بل هي ظاهرة وواضحة في استخدامها لتسخير الأنثى وتسهيل انقيادها لمطاوعته وقيادته .. لكن هذا لا يعني الا تكون هناك طفرات في التعامل السوي حيث لاحظت بعض عوائل المزارعين لا سيما في شمال العراق ممن تكون المساواة في تقاسم العمل والجهد بين الذكر والأنثى طبيعة وخلقا رائعا رغم ان البداوة تطغى كثيرا على سلوك الذكر فيما يخص مواضيع الحياة العاطفية للمرأة أو الفتاة في سن النضج وفيما يتعلق بالزواج واختيار الشريك ..
وهناك تفاوت كبير في منزلة الأنثى في البيت والتخاويل الممنوحة لها في مواضيع كثيرة وبسيطة كاستقبال الضيوف في الدار عند غياب الرجل .. ففيما يحتم العرف تقنين استقبال المرأة للضيوف من الرجال في الدار الخالية من رجل البيت في الوسط والجنوب أو استقبالهم الحذر بحكم العرف والشريعة .. تقوم المرأة في الشمال باستقبال الجميع وأخذ دور الرجل في الترحيب والضيافة والمصافحة وحتى ذبح الذبائح ان استدعى الأمر ولحين رجوع الرجل الغائب .. بل وحتى استكمال الضيافة وان كان الرجل غائبا ولا يستطيع الحضور ..
هل ساوت الأنثى " الضعيفة " هنا ذكرها " القوي " ؟.
وفي محور مماثل كنت أذكر دائما أمام بناتي وهن ببداية تفتحن للحياة ضرورة الاستقلال الاقتصادي للمرأة وضرورة أن يكون لها مصدر أو مورد اقتصادي منفصل عن مورد الرجل ..فهو تغذية اضافية لبيت الزوجية المستقبلي .. وتخلص من هيمنة رجل تحكمه البداوة كما يعبر دائما عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي رحمه الله .. ما كان ولا زال يدعوني الى ذلك تلك الذكريات السقيمة للنساء في العائلة التي ترعرعت فيها حيث كان أغلب الرجال ممن سبقوني من الأجيال من عائلتي من المتزوجين مرتين .. لقد كان القاسم المشترك لهاتيك النسوة .. الأمية أو التعليم الذي لا يكاد يذكر وجلوسهن في البيت معامل تفريخ وأوعية تصريف للشهوة .. اضافة لأعمال المنزل الآخرى .. وخضوعهن المهين لسطوة الذكر ..كن كلهن ممن يعتمدن في حياتهن ومعيشتهن على الذكر القوي .. وبالطبع كان رضا الرجل يعني استمرار المصروف اليومي ورغد العيش والتفضيل .. وبالمقابل فان سخطه مساو للحرمان .. وأكاد أجزم ان هذه العبودية الاقتصادية كانت منزلقا خطيرا لوقوع الأنثى في أحابيل الازدواجية الشخصية .. ولا أعني بها المرض النفسي الشائع .. بل أعني أن تكون المرأة على غير ما جبلت عليه لاتقاء شر الذكر وسخطه وموثوقية استمرار التمويل المادي والعاطفي .. وبالطبع كان الذكور على شاكلتين .. من يخدع بلطف الأنثى وطواعيتها دون ادراكه للقناع الذي تلبس بالأنثى .. ومن كان يعرف الحقيقة لكنه لا يهتم بها كثيرا محدثا نفسه كزوربا اليوناني : " آه .. هكذا خلقت المرأة .. وهكذا خلقنا نحن الرجال ".
ان ضعف المرأة وقوة الرجل أسطورة صدقنا بها ولا نريد لها الزوال ..