نساء في ظل طالبان لا قيمة لحياتهن



سامية ناصر خطيب
2001 / 12 / 9


رُجمن بالحجارة حتى الموت لرفضهن زيجات مدبرة؛ فتاة في السادسة من عمرها تعرضت للضرب المبرح لتجرئها على حمل كتبها المدرسية في الشارع؛ شاب يُدفن حيا مع ابنة عمه لانهما شوهدا معاً في السوق؛ فتيات اختطفهن واغتصبهن قادة في طالبان تحولن من ضحايا الى جانيات نبذهن المجتمع وتبرأ منهن اهلوهن - هذا، والمزيد حول خفايا نظام دعمته امريكا حتى انقلب عليها.

سامية ناصر خطيب

كشفت الحرب في افغانستان واقع هذا البلد المرير تحت حكم طالبان الذي دعمته امريكا - عرين الديمقراطية. واذا كانت المأساة قد طالت كل فئات الشعب، فقد كان للنساء نصيب الاسد في هذه المعاناة. ان هذا البلد المشبع بالمآسي لم يكن ليهمّ احدا قبل ان تغضب امريكا على حلفائها في طالبان، وتقرر رفع الستار عن حقيقة الحركة الاصولية التي حكمت البلاد منذ عام 1996.

قبل طالبان

عدة مقالات وبرامج تلفزيونية نُشرت لتحكي قصتهن. بين المقالات تميز مقال لرياض علاء الدين في صحيفة "الحياة" (27/10) حمل عنوان "لئلا يرى المتكرمون باطن يدها! ممنوع على المرأة كل شيء انساني بما فيه التسول والضحك".
وقد اشار علاء الدين انه رغم حرمان النساء من الحقوق الاجتماعية والانسانية قبل حكم طالبان، الا ان وضعهن كان افضل بكثير. فقد سُمح للفتيات بتلقي العلم ودخول الجامعات حيث بلغت نسبتهن فيها 50. وبلغت نسبة النساء المدرّسات 70 من الهيئة التعليمية الافغانية، فيما احتلت الموظفات نصف المواقع في الدوائر الحكومية. وكان للمرأة نصيبها في العمل السياسي، وعينت منهن وزيرة، ورشحن انفسهن للانتخابات النيابية، وكان لهن دور ريادي في معظم النشاطات الاجتماعية. وخاضت النساء الافغانيات مهنا كثيرة اعتبرت محصورة على الرجال، كالطب والهندسة والاعلام والقانون والفن المعماري.

فرض الشريعة

بعد استيلاء طالبان على الحكم عام 1996 بدعم من باكستان والسعودية والامارات وامريكا، تمكنت الحركة من فرض نظامها على 80 من البلاد، وللتو فرضت الشريعة واصدرت مجموعة قرارات وقوانين تعسفية تمنع اي تحرك للمرأة الافغانية.
ونشرت "الحياة" (27/10) ان طالبان "اجبرت النساء على ملازمة منازلهن واقفلت المؤسسات التعليمية بحجة عدم توافر الامكانيات المالية، ومنعت المعلمات من التدريس حتى في بيوتهن، واقفلت الوظائف امامهن وخلت المستشفيات من الممرضات والعجائز، واجبرت كل النساء والفتيات على الاحتجاب خلف البرقع، ولم تعد حرية التنقل مسموحة للنساء".
واضاف المصدر: "ان طالبان فرضت على النساء الحصول على موافقة خطية من الذكر القريب اذا اضطررن للسفر الى مكان ما، وعوقبت اللواتي كن يقمن باعمال غير قانونية تبعا لقوانين طالبان. فشكلت طالبان حرسا خاصا من شباب مراهقين اطلقت عليه شرطة نشر الفضيلة وقمع الرذيلة، لمراقبة النساء ومنع تجولهن من دون محرم. اما احد اخطر قرارات طالبان فكان منع الاطباء الذكور من فحص المرضى من النساء منعا للاختلاط والملامسة، فمُنعت النساء من الحصول على العلاج المناسب".

حظر زيارة الاطباء الذكور

وفي مقال نشر بمجلة الوسط (25/9) تقول احدى المتطوعات في جمعية "الاتحاد الثوري لنساء افغانستان: "لست افهم منطق طالبان، انهم يحظرون على النساء زيارة الاطباء الذكور وفي الوقت عينه يمنعون الطبيبات والممرضات من ممارسة عملهن. في كل يوم يموت عشرات الاطفال والنساء من امراض بسيطة يسهل علاجها. هذا اضافة الى انتشار امراض ناتجة عن سوء التغذية والافتقار الى ابسط قواعد النظافة، وهذه الامراض غالبا ما تودي باصحابها".
ونقلت "الحياة" (27/10) ان "آخر الاحصائيات تشير الى وفاة امرأة افغانية واحدة كل ثلاثين دقيقة اثناء الولادة. وفي حال كتبت للام ووليدها النجاة، يعيش الاثنان فترة طويلة معرضين لخطر الاصابة بامراض جرثومية. فالافتقار الى المياه والصابون يضطرهما للبقاء من دون اغتسال شهورا طويلة بعد الولادة. وتعمد بعض الامهات الى فرك افخاذ اطفالهن بالوحل (بدل البودرة) ما يسبب لهم جروحا خطرة وقروحا مميتة.
"واظهرت نتائج احصاء اخير قامت به منظمة اطباء لحقوق الانسان العالمية ان 79 من النساء الافغانيات يعانين ازمات نفسية حادة، وظهرت لدى 68 منهن اعراض العصاب والقلق، كما تلازم 52 منهن افكار انتحارية".

لا قيمة للحياة

من القضايا التي عاشتها الافغانيات في ظل طالبان وقبلها، والتي نقلها ايضا موقع الانترنت التابع للجمعية الثورية للنساء الافغانيات، ان طالبان امرت الامم المتحدة باغلاق المخابز التي تديرها الارامل في العاصمة الافغانية كابول. ومعروف ان تلك المخابز توزع الخبز على حوالي 7000 امرأة فقيرة. التسول الذي بقي مصدر الرزق الوحيد، حُرّم ايضا على النساء لانه يستدعي ان تكشف جانبا من كف يدها، وتعاقَب من تخالف القانون بالضرب.
ومن التقارير الاخرى التي وردت بهذا الصدد ان احدى النساء اضطرت لنقل طفلها المريض لتلقي العلاج، وعندما اعترضها احد الحراس لم تتوقف فعالجها باطلاق النار عليها وارداها على مرأى من الناس في السوق.
وقد نشرت الحياة (27/10) واقعة تعرضت فيها امرأة حامل في شهرها الخامس للضرب المبرح في الشارع اثناء توجهها للعيادة، بسبب ازاحتها البرقع عن وجهها قليلا لالتقاط انفاسها في الحر الشديد. ولم يتوقف الضرب رغم توسلاتها وقولها انها حامل، فاصيبت بنزيف وغابت عن الوعي. ولم يتمكن احد من المارة من نقلها للمستشفى لانه ممنوع على الذكور لمسها اذا لم يكونوا من اقربائها. بعد ساعات نقلت للمستشفى، ولكنها كانت قد فقدت جنينها وفي التالي فارقت الحياة.
وقالت للحياة الصحافية فريشتا التي تجوب البلاد متخفية وراء برقع لنقل فظاعة ما تمارسه طالبان، وهي منتسبة لجمعية "الاتحاد الثوري لنساء افغانستان" التي تعمل بسرية مطلقة وفي ظروف قاهرة: "ان طالبان اعتادت في كل يوم جمعة إقفال المحال التجارية والشوارع في كابول، وإلزام كل الناس بمن فيهم الاطفال التوجه الى الملعب المدرج للتفرج على احلال عدالة طالبان في مشاهد لا يمكن وصفها الا بالوحشية".
واضافت: "شاهدت سارقين تقطع ايديهم ويعلّقون ساعات على الاشجار، علما ان حكم طالبان اوصل هؤلاء الى فقر مدقع ودفع بهم الى السرقة؛ شاهدت نساء يُرجمن بالحجارة حتى الموت لرفضهن زيجات مدبرة، شاهدت فتاة في السادسة من عمرها تتعرض لضرب مبرح لمجرد انها تجرأت على حمل كتبها المدرسية في الشارع؛ شاهدت شابا يُدفن حيا مع ابنة عمه لانهما شوهدا في السوق.. قادة طالبان يخطفون الفتيات ويغتصبوهن فتصبح الضحية مجرمة ينبذها المجتمع ويتبرأ منها ذووها".

الاغتصاب وبيوت الدعارة

احدى الممارسات التي لا تخلو رواية او واقعة افغانية من ترديدها هو الاغتصاب الذي عانت منه فتيات وفتية صغار. وقد نشرت الوسط (25/9) ان "المجموعات المسلحة مارست بشكل منظم عمليات الخطف والاغتصاب والبيع في اسواق البغاء"، وكانت عناصر طالبان تدفع بنساء متخلفات عقليا للطرقات، ليقمن بضرب اية امرأة في الشارع اذا اظهرت وجهها او يديها.
وعن انتشار الدعارة في افغانستان تروي سهيلة التي اتت لباكستان بعد تولي طالبان الحكم بعامين. وكانت سهيلة متزوجة ولديها ثلاث بنات وزوجها قُتل في افغانستان. احدى بناتها وكانت في التاسعة اغتصبت ثم عثر على جثتها على حافة احد الطرقات.
تقول سهيلة للوسط: "بعد موت زوجي بقيت سنة اتسول في كابول. ذهبت يوما الى احد مراكز توزيع الطعام وانا ارتدي البرقع وحين رفعته لآكل رآني ثلاثة من المسلحين، فأخذوني في عربة الى احد البيوت واتى رجال آخرون اغتصبوني، ثم تركوني اذهب. بعدها واصلت التسول الى ان التقيت بامرأة مشهورة تدعى كوكو تدير منازل دعارة في كابول، وهي تسعى وراء الفقيرات لجذبهن الى عالمها. حاولت الرفض لكنها قالت ستحصلين على المال وتعودين في المساء الى منزلك وتطعمين اولادك. كنت خائفة على بناتي فقد كن صغيرات.
وتضيف سهيلة: "ذهبت الى منزلها، وهناك كان يأتي رجال مسلحون وكانوا يقولون ستفعلن ما نطلبه واذا طلبتن مالا سنرجمكن. كانوا متوحشون وعاملونا كالحيوانات. كان معي هناك اكثر من عشرين امرأة معظمهن من الارامل، كما كانت معنا بعض الفتيات اللواتي اختطفهن. بقيت في منزل تلك المرأة تسعة شهور الى ان اصبت بمرض فطردتني من البيت".
مريم لاجئة افغانية تعيش في مدينة بيشاور بباكستان، فقدت زوجها قبل ثلاث سنوات وهي تعيش مع ابنتيها في احد البيوت الطينية المخصصة للاجئين الافغان. تروي كيف هاجم رجال طالبان منزل اخيها وسألوا عن اخيها وزوجها بعد وشاية بانهم يخفون السلاح، وعندما لم يجدوا اي سلاح اخذوا اخاها وزوجها ولم يعد اي منهما ولا يزال مصيرهما مجهولا. اغتصبوا زوجة اخاها واخذوا ابنته التي اختفت بعد الحادثة. وتضيف مريم "الحياة تحت حكم طالبان تعني اننا لا شيء فلا قيمة للحياة عندهم، لم يعد هناك شيء سواء للمرأة او للرجل". (الوسط، 25/9)

الثورة الهادئة

في صحيفة "نيويورك تايمز" (18/11) كتبت ايمي والدمان عن "الثورة الهادئة" ضد طالبان. هذه الثورة التي شنتها نساء رفضن الخنوع والامتثال لقوانين طالبان. من ذلك ما فعلته سهيلة هلال التي حولت باحة منزلها لمدرسة ضمت 120 طالبا معظمهم من البنات. واعتبر هذا جرما ومخالفة لقوانين طالبان التي تمنع عمل النساء وتعليمهن.
ولكن هلال لم يكن امامها خيار آخر، فقد توفي زوجها مع تسلم طالبان الحكم وترك لها ثلاثة اطفال عليها اعالتهم، هذا بالاضافة الى ان استمرارها بالتعليم يحافظ على سلامة عقلها كما قالت. واضافت الصحافية والدمان: "فكرت سهيلة عدة مرات بالانتحار، فحياتها كارملة في ظل حكم طالبان كانت شبه مستحيلة. كامرأة منعت من الخروج من البيت بدون مرافقة قريب، وكان ذهابها للبقالة يعرضها للضرب المبرح من شرطة نشر الفضيلة وقمع الرذيلة".
ولكن انهزام طالبان ودخول التحالف الشمالي لا يعنيان ان البديل سيكون افضل. ففي اليوم التالي لانهزام حركة طالبان اصدر "الاتحاد الثوري لنساء افغانستان" بيانا جاء فيه (رويترز، 15/11): "سيتم التخلص من طالبان والقاعدة، لكن التحالف الشمالي سيزيد بصورة رهيبة الصراعات العرقية والدينية ولن يتورع عن اذكاء نار حرب اهلية وحشية اخرى بلا نهاية كي يحتفظ بالسلطة".
ودعا الاتحاد لتدخل دولي لمنع التحالف من تكرار مآسي الماضي. الا ان دخول القوة الدولية لا يضمن الامن لسكان افغانستان ونسائهم، خاصة ان طالبان ارتكبت جرائمها تحت انظار باكستان والسعودية، حليفتي زعيمة الاسرة الدولية امريكا. وقد تغاضت هذه الاطراف عن جرائم طالبان، بل سارعت من خلال قناة الجزيرة "المنبر الحر" الوحيد في العالم العربي، للدفاع عن طالبان.
الحل الوحيد الذي يضمن حقوق النساء في افغانستان هو إبطال الشريعة وتطبيق دستور مدني حديث يضمن حقوق كل المواطنين ومن بينهم النساء. ان الحل الجذري لقضية المرأة يأتي ضمن الحل الجذري لافغانستان كلها من خلال تصنيعها وتطوير مدنها ونشر العلم فيها وبناء بنية تحتية تسهل كسر التركيبة القبلية المتخلفة.