شرف الأعـراب المهدور



نضال نعيسة
2005 / 5 / 21

إذا كان الشرف بمفهوم بعض الناس هو الجنس ,فالمجد إذن للدودة الوحيدة",وللأمانة الفكرية والتاريخية ,أعتقد,إن لم تخني الذاكرة المرهقة من أهوال العربان, أن قائل هذه العبارة الرائعة هو المفكر والفيلسوف فريديرك انجلز 1820–1895 وهو أحد رواد الفكر العالمي التقدمي والمتنور.ولا بد سيعتقد التكفيريون ,والظلاميون أن هذه دعوة علنية للبغاء والانحلال والفجور,وإشاعة الفاحشة بين الناس,والعياذ بالله, كما تحفل به أدبياتهم الكثيرة,متجاهلين ,وكالعادة,تلك الرؤية الإنسانية والأبعاد العلمية البحتة للموضوع,والإسقاط التشبيهي على بعض سلوك الإنسان. وطبعا لن ندخل في مساجلات ماراثونية عقيمة عن تحديد مفهوم ووظيفة وأهمية الجنس,وحصره وعلاقته بالشرف,وإن كان الوفاء والإخلاص للحب والأسرة من أولى الأوليات والمقدسات وموضع تقدير خاص وثمين بالنسبة للكثيرين,لكن حصر مفهوم الشرف العام بالعملية الجنسية البحتة فهذا موضع نقاش,ومصدر للاختلاف.وأسجل هنا وبكل قوة ,عدم الدعوة لأي نوع من الرذيلة والفجور والانحلال بأي شكل من الأشكال.وإن كان بالمحصلة أيضا ,وفي نفس الوقت, كل إنسان أو إنسانة عاقلة وبالغة, مسؤول عن سلوكه وتصرفه كليا وبشكل تام,والذي يحدد القانون الوضعي العام وحده مدى الإساءة إليه لحماية المجتمع والناس ,وليس قيام الموتورين والقتلة والمكبوتين والأشقياء بهذه المهمة ,وتفلت الأمور ويتصرف كل على هواه.وأعتقد أن في كل القوانين الموجودة هناك تجريم للزنا,والاغتصاب ,وعقوبة واضحة أؤيدها وأدعو إلى تطبيقها في حال حدوثها,وعدم ترك الأمر لأحد للقيام بهذه المهمة نيابة عن المؤسسات الشرعية.والحل ,طبعا إذا كان هناك تجاوز ,وخروج عن المألوف,هو العقوبة المنصوص عنها بالقانون,بعد التحقق من الفعل والتأكد بوجود إساءة,وعدم قيام أي كان بتنفيذ القانون بيديه.

لايكاد يمر يوم من الأيام دون أن تطالعنا الأخبار القادمة من غابة الموت والخرائب والعجائب ,بخبر أو حكاية, أو مصيبة, عن جريمة وقعت هنا وهناك, لما بات يعرف اصطلاحا بجرائم الشرف,أو أكثر تحديدا, قتل ووأد النساء في رابعة النهار, تحت ذرائع ,وحجج, وبراهين ,ينقصها في أحايين كثيرة التوثيق والإثبات.وهي أن يقوم شخص بذبح أو جز عنق أخته,أو ابنته ,أو زوجته لمجرد الشبهة,أوعندما تحركه دوافع النقص والعقد والكبت والأمراض الشيطانية التي زرعتها مجتمعات الغيب والظلام في نفوس الناس.ويقابلها المجتمع أيضا,وبكل أسف, بمزيد من التصفيق والتهليل والابتهاج.لا بل إن البعض يجمع الأهل والأحبة والخلان, ليُطلعهم في بث حي ومباشر على عملية القتل وغسل العار ,ووليمة نزف الدماء ,وهي الوجبة المفضلة التي أنتجتها حقب الغيب الظلماء والتعتيم والإغلاق.ثم يقوم المنتشي السكران ,ببطولاته الخرقاء ,وبكل صفاقة بتسليم نفسه إلى أقرب مركز للشرطة, الذي أضحى حامي الحمي ,وموئلا للمجرمين والسفاحين, ليجد له ,سريعا,مخرجا قانونيا في ميثيولوجيا مص الدماء التي يتلذذ بسماعها وروايتها الأعراب الأجلاف.لعلمه اليقين أن تلك القوانين المتحجرة والهمجية ستحميه من كل عقاب ,وتعفيه من أية مسؤولية تجاه المجتمع والله.تلك القوانين التي تمجد القتل ,وتستبيح الدماء,وتفرح لزهق وقصف الأرواح, وتعتبرها بطولة ومجدا ومصدرا للفخر والاعتزاز.

تعتبر جرائم الشرف المستفحلة هذه الأيام ظاهرة فريدة وعجيبة تكاد تنحصر بهذه المجتمعات التي آلت على نفسها أن تبقى في الكهوف وخارج الزمان والمكان,تجتر قيما بائدة ,ومفاهيم ساقطة, ومبادئ منحرفة ,وحصر الشرف الإنساني وقيمة الإنسان الكبرى بالثقوب القذرة في جسد الإنسان التي تؤدي وظائف حيوية هامة,تماما مثل الأعضاء الأخرى كالتنفس ,والنظر وخفقان القلب.ويتناسي عمدا القيم الأخرى كالصدق ,والأمانة,والوفاء,وتقديس العمل ,والإخلاص.ولو حاول بعض ممن تبقى لديهم نتف نادرة من انسانية وحب وقلوب بيضاء إدانة هذه الأفعال الجبانة لأنزل عليه أولئك الرعاع المكبوتين غضب الله وأخرجوه من كل ملة ودين ,ووضعوه مع الكفرة الأشقياء.

فأين شرفهم وكرامتهم القبلية وشارون والمهاجرون ومثليو الجنس الشواذ من غيتوهات أوروبا يستبيحون بكارة الأجواء ويتمخترون خيلا وغطرسة في الفضاءات, دون أن يجدوا من يصدر بيان استنكار,ويقصفون قرى العربان ,وبيوتهم الآمنة وهم شبه عراة ويشربون البودوايزر ,والهينيكين,و"الجينيس" ,في حين تنحر الرقاب البريئة لمجرد الشبهة ووشاية كاذبة من أحد النمّامين الكاذبين التعساء؟

وأين رجولتهم والأرض مستباحة من كل الجنود المتعددة الجنسيات وهناك قوات حفظ سلام من نيبال وسيريلانكا للفصل بين الطوائف والقبائل والعشائر والبطون والأفخاذ و"المؤخرات" وتسهر على بكارات الأعراب؟وأين شهامة الأعراب حين يهوبرون ,ويتهاترون ,ويشنعون بعضهم البعض على الهواء, وفي المؤتمرات وينقضّ بعضهم على الآخر كالوحوش الضارية في الغابات تحت جنح الظلام ,ويضمرون الحقد والغل والتشفي والثأر حتى من الأطفال ؟

وأين نخونهم وبساطير العسكر والجنرالات والمخابرات ,وأحذية العسكرتدوس على رقابهم وجباههم وجبينهم ليل نهار, وتذيقهم الذل والمهانة والعار,وتجرعهم كؤوس الهوان,لابل يستقبلون ذلك كله بابتسامة عريضة تقول هل من مزيد من هذا الخمر والعسل وإكسير الحياة؟

وأين حيائهم حين تستباح الحمى, ويفض عسكر بني صهيون بكارات الأراضي العذراء في كل الأقطار, وترتفع فوقها نجمة داوود لترفرف بتيه وخيلاء, فيما هم منشغلون بـ "الثقوب" المثيرة للشذوذ والشبق والأمراض؟وأين شرفهم وهم يتلذذون ,ويختبؤون,ويسكرون في المواخير والكازينوهات ,والإرهاب الأسود يستفحل ويستشري ويضرب في كل مكان وتسيل دماء الأطفال الجوعى لتصبح بُركا ونوافير في الشوارع والحارات؟ أم أن ذلك كله لايدخل في نطاق الشرف وصيانة الأعراض. ولماذا لا تصيبهم النخوة والحماس,والشهامة في ساحات القتال حيث شرف العسكرية,والجندية, والشرف الوطني والشخصي مهدور ومفقود, ويوجهون همجيتهم وبدائيتهم نحو ذاك المخلوق الرائع الجمال الذي هو فاكهة الحياة,ومصدر الحب والعطاء.

يتباكون على الشرف المهدور,ويرتكبون الجرائم بحق القواصر والفتيات ,ولا يجرّمون المجتمع الذي ينتج الشاذين, والمكبوتين, الذين يستحلون الأعراض ,ويربي في حظائره المتوحشة المعزولة عن العالم الذئاب البشرية التي لا تتورع عن افتراس أي لحم بشري عندما يختلي به ولو لثوان. ويتباكون على فض البكارات ,وبكارة الأوطان "مفتوحة" و"ميسرة" أمام كل الغرباء ,وبترولها ,وماؤها,وثرواتها ,وخيراتها تقدم على أطباق من ذهب لكل قراصنة أعالي البحار.

تلك الزهرات الجميلة,والبراعم البريئة, والكائنات الناعمة الرقيقة الضعيفة,والتي شاء حظها العاثر أن ترى النور في بحر الظلمات,من يحميها من هوس الموتورين,المكبوتين, والمسكونين بأساطير الثعابين والجان ,وخزعبلات الغيب, وخرابيط بقايا حياة الكهوف, وعصور الديناصورات؟