عن حال المرأة والصحافة



دنيا الأمل إسماعيل
2005 / 5 / 26

يتشابه حال الصحافة الفلسطينية مع غيرها من الموضوعات والقضايا الفلسطينية الأخرى، وربما أكثر هذا التشابه يرتبط بغياب الجانب البحثي والـتأريخ المدون، الذي يمكن الرجوع إليه وتحليله وإعمال الجانب النقدي فيه، ولأن الوعي بالغياب لم يكن كافياً لتغير الحال، فقد ظلت الأمور على ما هي عليه من الارتجالية وغياب البحث والتخطيط، فضاع جهد كثير ونضال طويل.
ولأن المرأة دائماً هي الضحية الأولى لأية إهمال أو تهاون أو تكاسل أو تهميش، فإن الخسارة التي لحقت بتاريخ المرأة الفلسطينية الكاتبة والمبدعة لا تعوض، وما وصلنا عبر التاريخ الشفاهي وما تناثر هنا أو هناك في الجرائد والمجلات وبعض الكتب النادرة يعد لمحات خاطفة عن صحافيات ومبدعات كان لهن دورهن في تاريخ الصحافة الفلسطينية، التي لم يكن فيها واضحاً هذا التقسيم الفاصل والحاد بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي، بل لم يكن واضحاً بدقة أكثر التفرقة بين الصحافة الرسمية وغير الرسمية، إذ كان التقسيم سابقاً يأخذ منحى آخر مرتبط بالوضع السياسي، فهناك صحافة المقاومة بما فيها صحافة الأحزاب، وهناك الصحافة القريبة من الانتداب البريطاني، أو السلطة العثمانية، وبعديهما الإدارة المصرية والإدارة الأردنية.
وإذا عدنا بالتاريخ إلى زمن العهد العثماني، فسنجد أن الصحافة الفلسطينية ارتبطت بالحركة الوطنية، ارتباطاً شديداً، وترافق مع ذلك صرامة التقاليد تجاه المرأة ومشاركتها في الحياة العامة باستثناء بعض الأسر التي تنتمي لطبقة كبار الملاك، وهي مشاركة يمكن وصفها بالمحدودة وجاءت في سياق التعبير عن مصالح الطبقة أكثر منها تعبيراً عن أوضاع المرأة واحتياجاتها.
في هذه الفترة وما تلاها لم تظهر في فلسطين سوى صحافيتين هما أسمى طوبي، وسميرة عزام، وربما ليس صدفة أن الاثنتين لهما مساهمات أدبية بارزة، وأن الاثنتين كانت نهايتهما مأساوية، فأسمى طوبي انتهت إلى الجنون وسميرة عزام أنهت حياتها بالانتحار.
وفي هذه الفترة التي شهدت رواجاً كبيراً في عدد الصحف الفلسطينية بلغات مختلفة منها العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية، ثم العبرية، حتى بلغ عدد الصحف الصادرة ما يزيد عن 40 صحيفة، استأثر الرجال بالعمل الصحافي، لمناسبة المناخ الثقافي والاجتماعي والسياسي في تلك الفترة لعمل الرجال وتعزيز سلطتهم في المجتمع.
وعلى الرغم من مرور كل تلك السنوات، نجد أن التغيرات التي رافقت عمل الصحافية الفلسطينية، لم تكن نابعة من التحولات الاجتماعية والثقافية التي مست مساً خفيفاً أوضاع المرأة الفلسطينية في بعض تجلياتها المهمة خاصة تلك التي تخص صورتها لدى المجتمع وانعكاس ذلك على صورتها لدى ذاتهن فلم تزل المعيقات الثقافية تقف حجر عثرة في طريق تطور دور وأداء المرأة للعمل الصحافي، وربطه بالتوقعات الاجتماعية المقبولة لهذا الدور، وإلاّ فإن أي خروج على السائد، أو إعماله نقدياً يعد خروجاً على عرف الجماعة وقوانينها ودينها، وربما هذا ما يفسر بدرجة أو بأخرى، ركاكة مضمون الكثير من الموضوعات الصحافية التي تنتجها نساء، وحصرها دائماً في نطاق ماهو مقبول اجتماعياً، أو في أحسن الأحوال غير مختلف حوله، أو لا يثر جدلاً غير محسوب العواقب.
إن القفز على المراحل التاريخية في عمل المرأة الصحافي، ربما يمثل ظلماً تاريخياً وأكاديمياً بمعنى من المعاني، لكنه من جهة أخرى، ربما يكون كاشفاً عن أي حد كان حجم التغير صغيرا وشكلياً، فالأدوار المرسومة مسبقاً، مظللة بقائمة لا تنتهي من الأعراف والقوانين والتوقعات المجحفة لم يزل رفيقاً أميناً لعمل الصحافية الفلسطينية، لم تستطع - رغم محاولاتها المستبسلة- الخروج منها، بل إن كل محاولة انتهت إلى نكوص أشد، وتنازلات أكبر، طلباً للأمان والقبول الاجتماعيين، وهو طلب مغلف بالوهم، إذ تثبت لنا الأيام والمواقف أن العمل الصحافي الفلسطيني، أياً كان شكله ولونه وطعمه، كان- ولم يزل- خادماً أميناً في بلاط السياسية، المتلونة والمتذبذبة، والمرهونة بحسابات ومصالح وأموال، خبرة الصحافية الفلسطينية فيها قليلة، فارتضت بالقليل المتوافق مع قدراتها القتالية، وضحت بالأحلام والاسم الكبير، طلباً لمساحة صغيرة آمنة لا تمسها بسوء، فصارت ضحية الجميع، السياسيون والمثقفون والسلطويون وأشباههم.
وإذا اقتربنا أكثر فسنجد أن حال صحافياتنا في المؤسسات الإعلامية الرسمية وتضم صحيفتي الحياة الجديدة والأيام ووكالة وفا والتلفاز والراديو، وغير الرسمية التي تضم الصحافة المستقلة، وهذه نادرة، والصحافة الحزبية، ثم صحافة NGO، حالاً مملوءة بالمعاناة الإنسانية والمهنية، بدءا من التمييز ومروراً بممارسة الضغوط واستلاب الحقوق، وانتهاءً بالتهميش والإقصاء. والأمثلة كثيرة، وليست استثناءً يثبت القاعدة، بل توجه مدعوم بثقافة ذكورية سائدة ومسيطرة، وقوانين لا تدعم حقوق النساء، ومجتمع غلبته لقمة العيش فأصبح لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.
على الجانب الأخر نجد أن حال المرأة كموضوع، يتشابه مع حال عابر السبيل الذي يأخذ حاجته ويمضي، ومع حال الضيف الملزم بقواعد المضيف وقوانينه، ولعبة الضيافة غير الحميمية، فتعلو نظرات التجامل على حساب ضمير النقد، وتسود علاقات الضيافة/ المصلحة على علاقات التشارك والبناء، فينهار مجتمع ويصعد أخر لا يشبه سوى بشر كأشباه البشر ومكان قد يشبه المكان، وزمان قد يدل على زمان، لكننا في كل ذلك من المؤكد أن نحن لا نشبه نحن، فأي وقت نحاتجه حتى نشبه نحن نحن