قمة المرأة العربية... ام قمة لاحتواء الحركة النسوية العربية



ليلى محمد
2010 / 7 / 26

ملاحظة:
نشر الموضوع لاول مرة في العدد: 302 - 2002 / 11 / 9
توفيت الناشطة اليسارية والنسائية ليلي محمد ( منى على) يوم 2010 / 7 / 25
******************************************************************

انعقدت قمة المرأة العربية في عمان بتاريخ 4/11/2002، تلك القمة التي لم يشر بيانها الختامي سوى الى فقرها ورضوخها تحت سلطة وسياسة الدول التي قدمت منها الوفود النسوية المشاركة.
من اول نظرة الى نتائج تلك القمة يظهر للعيان كيف ان تلك القمة لم تقدم ولو خطوة واحدة في طريق حل للمآسي والمشاكل التي تئن تحت وطئتها المرأة في العالم العربي. من الواضح من الكلمات التي القينها السيدات (الاول) من الاردن، مصر، المغرب، لبنان، السودان لم تتطرق الى الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها المرأة في تلك الدول والمشاكل الاساسية التي تعيق تطور المرأة في بلدانهن، وانما كان نوع من اللف والدوران وذر الرماد في عيون النساء المظطهدات واللواتي يعانين من تلك المشاكل.
هل تطرقت مثلاً رانيا العبدالله الى قانون( القتل من اجل اشرف) والتي راحت ضحيتها العشرات من النساء في الاردن ولم يحكم على الجاني لاعتباره مدافعاً عن شرف العائلة وكرامتها والتي على اثرها بدأت منظمات حقوق الانسان بانتقاد تلك القوانين والتي اثارت ضمير كل انسان شريف، هل انتقدت قوانين الاحوال الشخصية الاردنية والتي تصب في تثبيت موقع المرأة الدوني في المجتمع ووصاية الرجل عليها، ام ان تلك المسألة لا تعنيها طالما كانت بعيدة عنها وعن عائلتها الحاكمة. هل تطرقت سوزان مبارك الى قوانين الاحوال الشخصية في مصر والمستمدة من الشريعة الاسلامية، ام اشارت الى واقع المرأة في مصر من فقر وعوز و تزايد عدد حالات الزواج المبكر للبنت الطفلة، او تطرقت الى عملية الختان التي تحدث على مرآى ومسمع من النظام والمؤسسات الحكومية الرسمية وغير الرسمية وغيرها، ام اشارت الى ازدياد حالات طول اعمار الشباب دون زواج  نتيجة عدم تمكنهم في مصر من انشاء البيت الزوجية نتيجة الفقر والحاجة، هل تطرقت الى حالات الاغتصاب التي تتعرض لها الفتيات في مصرلاسباب لا تعد ولا تحصى، ام فقط تترأس القمم للقمم فقط!!!!. اما عقيلة عمر البشير في السودان فدارت كلمتها حول مواضيع كثيرة الا واقع المرأة المزري في السودان، اين كانت عندما جلدت مجموعة من المحاميات في السودان في العلن في ظل حكم البشير نفسه وذلك لاعتراضهن على بعض القرارات الجائرة في حق المرأة في السودان، لم تتطرق في كلمتها الى ختان النساء والبنات والتي تعتبر جريمة بحق المرأة وضد انسانية المرأة جملة وتفصيلاً، اما الفقر والعوز والاغتصاب نتيجة للحروب الاهلية المستمرة في الجنوب فحدث ولا حرج، لم تتطرق فاطمة البشير الى اهم قضية والتي انقرضت من قرون وظهرت مرة اخرى في الحرب مع الجنوب الا وهي قضية العبودية وبيع النساء والاطفال كعبيد من قبل عدد من الملاكين والتي كل يوم تذهب ضحية تلك الجريمة القروسطية المئات من النساء في قرى السودان المختلفة وما مصير تلك النسوة سوى بيع الجسد او الخدمة في بيوت الاثرياء والتي تتعرض فيها الى ابشع الممارسات الاانسانية من قبل تلك العوائل...الخ. اما نسبة الامية التي وان تطرقت لها الوفود في القمة فكان بشكل خجول جداً، اما الحل الجذري لتلك المسألة فغير واردة. ومن الجدير بالذكر فان الخطب الملقاة تطالب المرأة العربية بالنهوض بذلك التغيير والعمل عليها وكأنها هي السبب في عدم التغيير ذلك وليس هناك اي عوائق في طريقها لتحقيق ذلك( لا ارهاب ولا قتل ولا تهديد على ايدي الحركات الاسلامية المختلفة، ولا جوع ولا حصار ولا ولا ...)!!!! 
اما اهم القضايا الراهنة الاخرى والتي لم يشر اليها وانما باركها في الوقت نفسه الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فهي قضية العادات والتقاليد والقوانين الاسلامية الجاثمة على صدور الملايين من الجماهير الفقيرة في دول العالم العربي والتي هي من العوائق الاساسية والخطرة التي تقف في طريق تطور المرأة وليس في طريق (تحررها) كما يدعي عمرو موسى في كلمته الافتتاحية والتي وضع من البداية برنامجاً لمناقشة القضايا المتعلقة بالمرأة في العالم العربي. ان القوانين الاسلامية والعادات والتقاليد المتخلفة طالما استخدمت كسلاح في محاربة الحركات التقدمية والمطالبة بحقوق المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل والحيلولة دون تزايد الحركات الاعتراضية ضد سلب حقوق المرأة في تلك المنطقة من العالم. ان تنامي المد الاسلامي الرجعي وبمساعدة ودعم الانظمة الاسلامية المتخلفة في المنطقة والانظمة التي تتبنى الاسلام كدين للدولة لا يمس مثل ايران والسعودية والسودان...الخ، كان لذلك التنامي دور هائل في التراجع القهقري لعالمية حقوق المرأة في دول آسيا والشرق الاوسط على العموم والعالم العربي بشكل خاص، وذلك لانها الارضية المناسبة والملائمة لتنامي ذلك الدين والتي دفعت ثمنها المرأة باوسع مدياتها.
لم ولن تكن تلك القمم في يوم من الايام قمة لايجاد الحل وسبيل الخلاص لتحرر المرأة في العالم العربي وتلك المبتلاة بالانظمة الاسلامية، لسبب بسيط هو ان تلك القمم تترأسها نساء ممثلات للانظمة الحاكمة في بلدانهن وهي خطوة اخرى لتبرئة وجه الدين الاسلامي من جهة ولتمرير سياسات الانظمة الحاكمة من جهة اخرى هذا ماعدا خلو تلك القمم من الاحصاءات والدراسات والبحوث التي تتعرض لواقع المرأة والمآسي التي تواجهها في البيت والشارع وداخل نفس المؤسسات الحكومية. وحتى في حالة وجودها فسوف يحكم عليها بالتنحي جانباً لحين انتهاء القمة بسبب السياسة المعلنة مقدماً لسير برنامج القمة.
هناك جانب آخر في هذه القمة التي تحكم عليها بالفشل بادئ ذي بدء وهي دعوة عدد من النساء كممثلات لدول تحكمها انظمة تكن اشد العداء للمرأة وتمارس في حقها اقذر السياسات لقمعها واضطهادها اكثر ما يمكن وينظر للمرأة ليس كدرجة ثانية فحسب وانما كانسان مسلوب الحقوق والحرية والارادة، علاوة على استخدامه للقوانين الاسلامية بشكل واسع فقط للنيل من حقوق المرأة وبقائها اسيرة عفو العائلة والعادات والتقاليد البالية. مثال على تلك الدول هو العراق، فبدلاً من طرد ذلك الوفد وعدم السماح له بتمثيل النساء في العراق واللواتي يعانين من الحصار الاقتصادي منذ 12 عاماً والواقع المأساوي الذي آل اليه نتيجة الفقر والحرمان من ابسط الحقوق الانسانية والتي اودى الى العديد من تلك النسوة الى بيع جسدها للبقاء على قيد الحياة يوماً آخر لها ولاطفالها، ومن جهة اخرى معاناتها من النظام القمعي البعثي والذي توج قمعه هذا للمرأة بقطع رؤوس المئات من النسوة التي بعن اجسادهن لغرض العيش على ايدي وحوش عدي وصدام بعد ان عاقبها بحرمانها من حبيبها وزوجها وابيها واخيها وابنها نتيجة الحروب المتكررة والسجون البعثية المشيدة على طول ارض العراق وعرضه، شماله وجنوبه. فلو كانت تلك القمة تعير ذرة اهتمام بحقوق المرأة لوضعت ضمن برنامجها ادانة الوفد العراقي وطرده من القمة وانه لا يشكل سوى اداة للدفاع عن النظام الصدامي الدموي وكسب التأييد والدعم لذلك النظام من خلال دموع التماسيح الذي يذرفها على المرأة في العراق.
ان قضية المرأة في العالم العربي هي من القضايا الحيوية والمهمة والطافية على السطح والتي لا يمكن غض النظر عنها حتى من قبل اكثر الحكومات والانظمة رجعية وتخلفاً وتضطر تحت العديد من الضغوط من قبل المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان والمنظمات التقدمية والاعتراضات الواسعة الى تنظيم مؤتمرات وقمم تجعل من قضية المرأة محوراً لها فقط من ناحية اعلامية ودعائية. علينا نحن المدافعين عن تلك القضية والملمين بكل جوانبها وكذلك على كل امرأة تعاني من سلب حقوقها وتعمل للدفاع عن تلك الحقوق والولوج الى ميدان النضال، عدم التوهم بتلك القمم والمؤتمرات ووضع الآمال عليها للنظر في قضايا المرأة العالقة، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يجب فضح تلك المؤتمرات واظهار وجهها الحقيقي في دفاعها عن الوضع الراهن للمرأة ومحاولة البقاء وتثبيت العادات والتقاليد التي تحول دون النضال من اجل الحقوق الاساسية للمرأة في العالم العربي  وحمل النساء على تقديس تلك الاوضاع، حيث ان الامية والفقر والعوز، والختان وفرض العادات والتقاليد والمنع من العمل والتعرض للاغتصاب والدونية وبيع الجسد والزواج القسري وانعدام ابسط الحقوق الانسانية للمرأة هي قضايا يجب محاربتها والوقوف بوجهها بشكل حاسم وبدون اللجوء الى الاساليب الملتوية لتبريرها.
ان عالمية حقوق المرأة واتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة والتي تم ابرامها في عام 1979 من قبل الأمم المتحدة، قد تم التنصل منها في العقود الاخيرة المنصرمة من قبل العديد من الدول في العالم العربي وخاصة التي تصنف نفسها بالدول الاسلامية والتي اعتبرت مفهوم حقوق الانسان من اساسها هي بدعة غربية.
ان النضال من اجل تثبيت تلك المواثيق والمعاهدات التي تخص حقوق الانسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص يتم من خلال النضال من اجل فصل الدين عن الدولة وبشكل حاسم وتغيير مجمل قوانين الاحوال الشخصية ، والتي يتم عن طريق سيادة انظمة علمانية تضمن حقوق المرأة والطفل وحقوق كل فرد يعيش في تلك المجتمعات. دون تحقيق هذا المطلب فأن مثل هذه القمم تعتبر هراء وهي محاولة لاحتواء انطلاق الحركة التحررية النسوية التي بدأت تعصف بالانظمة الحاكمة الرجعية في البلدان العربية . فعشرات مثل هذه القمم لن توقف مسيرة الحركة النسوية ولا بمقدورها ان تطمس عدالة وحقانية مطالبها .فبالعكس تماما ان هذه القمم تؤكد صحة ادعاءاتنا بعدائية هذه الانظمة لمطالب الحقوقية للمرأة .
ان المحاولة الفاشلة لانظمة العربية في تنصيب نساء القصور كممثلات وناطقات باسم المرأة في العالم العربي لا تقل رجعية عن ممثلي الانظمة الحاكمة ،سهلت مهمة فضح الدساتير والقوانين والتقاليد والعادات التي تتستر انظمة الدول العربية في تثبيت نفسها على حساب استعباد نصف المجتمع .ان عقد هذه القمم تثبت من جديد ان الحركة النسوية في العالم العربي تتقدم وترفع راية الحرية والمساواة في المجتمعات العربية .