من حق المرأة السعودية سواقة السيارة ولنغلق هذا الملف!



خالد الحروب
2013 / 10 / 27

نراوح في مكاننا بشكل مدهش بل وصاعق, ونهدر عقود السنين والوقت كأنها لا تستحق شيئاً. المتأمل في القضايا التي كانت قد استهلكت جهد وتفكير وكتابات جيل النهضة في اوائل القرن العشرين سوف يرى انها هي ذاتها التي تستهلكنا الآن القرن الحادي والعشرين: موقع المرأة ودورها, الدين والسياسة, الاستبداد والحرية, الحداثة والتقليد, وهكذا. تذكرت هذه الحقيقة المرة التي تحرجنا في قاعات التدريس, وانا اتابع النقاش الحالي المُستجد حول سواقة المرأة للسيارة في السعودية. قبل اكثر من ثماني سنوات كتبت السطور التالية وعندما عاودت الاطلاع عليها وجدتها وكأنها كُتبت للتو ... ليس لأنها عظيمة بل لأننا متجمدين ونراوح مكاننا. ثمة مسوغ لإعادة اختصار تلك السطور لعدالة القضية ولضرورة غلق الملف فعلاً, وكانت قالت بالامس وتكرر اليوم التالي: "لا تستحق السعوديات ولا السعوديين السمعة السيئة التي جلبتها وتجلبها عليهم مسألة قيادة المرأة للسيارة. بصراحة وبلا لف أومواربة: القضية تافهة ويجب أن تنتهي بشكل رسمي وقانوني وشعبي: للمرأة السعودية كل الحق أن تقود السيارة مثلها مثل نظيراتها في كل دول العالم, وفي مقدمتها الدول الإسلامية. والمجتمع السعودي مجتمع عربي مسلم مثله مثل عشرات المجتمعات الإسلامية, والمرأة فيه لا تقل ولا تزيد عن المرأة في سائر المجتمعات الإسلامية. والمرأة المسلمة والعربية, وتحديدا المرأة الخليجية في الإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان الجارة للمرأة السعودية تقود السيارة في بلدها وخارج بلدها ولا يترتب على ذلك "إنهيار" المجتمع وإنكشافه "للإعداء الخارجيين". وقياسا فإن للمرأة السعودية التي أثبتت نفسها في ميادين العمل والإقتصاد والتعليم حق أن تُترك لتمارس ما تريد, سواء في قيادة السيارة أم غير ذلك. يجب على معارضي هذه الخطوة الصغيرة أن يتأملوا في معارضتهم الفارغة من أي معنى خاصة عندما يربطون قيادة المرأة للسيارة ب "إنهيار المجتمع" وتغربه وتبعيته للغرب, وكأن هذا الغرب يتربص بنا وينتظر على أحر من الجمر الفرصة التاريخية لقيادة المرأة العربية للسيارة كي يهيمن على مجتمعاتنا العتيدة (ثم لا يدري ماذا يفعل بها!). السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي لا تسوق فيه المرأة السيارة, وهو بالتأكيد تميز لا تريده السعودية ولا السعوديون.

... والمشكلة أن آراء معظم من يتحدث إليهم المرء, أو الكتابات التي يقرأها, تكشف أن الغالبية هي ضد هذا الحظر الغريب الذي صمد بشكل مدهش إلى مطلع القرن الواحد والعشرين, ولكن عندما يجد الجد تختفي جرأة الكثيرين. ولعل الشريحة التي تستحق الإدانة الأشد هي شريحة رجال الدين الذين يقفون موقفاً لا عقلانيا ولا دينياً في هذه المسألة ويحشرونها في قالب الشرع بشكل يقولب الإسلام والفقه الإسلامي في قوالب جامدة, متوترة, تخاف من ذاتها, ولا علاقة لها بالحياة من حولها. فلو كان الفقه الإسلامي بهذا الجمود الذي يصر عليه رجال الدين هؤلاء لما خرج الإسلام من مكة والمدينة, ولما كان له تاريخ يذكر, ولما وصل إلى أقاصي الأرض وتفاعل مع الزمان والمكان في هذا المصر أو ذاك, ولما دخله الأسود والأبيض والغني والفقير والمرأة والرجل.
في المقابل فإن المبررات التي يسوقها المستنيرون من العلماء ورجال الفكر تقنع كل من له ذرة عقل, ومع ذلك يأتي الرد الصاعق بأن قوة المبررات لا معنى لها, وأن الغالبية التي تؤيد سواقه السيارة لا قوة لها, لأن ذلك كله ضد "الشرع", و"الشرع" هنا هو تفسير رجل الدين المعني الذي يريد أن يستمر في إطباق يديه على عنق المجتمع فيخنقه ليصبح جثة هامدة لا تصلح لا لمقاومة "الغزو الخارجي!", ولا لأي نوع من النشاط سوى أن يُصلى عليها. لم تترك تلك المبررات التي ساقها مؤيدو إنهاء الحظر جانباً إلا وعالجته: شرعاً, وإقتصادا, وأمناً, وثقافة, وإحتراماً للذات. ومع ذلك ما تزال الأصوات التي تدعم تلك المطالبة في الوسط الديني السعودي قليلة. بل إن بعض رجال الدين الذين كانوا قد ترددوا في السابق وأبدوا آراء فيها ليونة إزاء هذه "المعضلة" عادوا وتراجعوا بسبب ضغط المؤسسة الدينية! لقد آن الآوان لأن تتوقف هذه المؤسسة الدينية عن توجيه المجتمع بشكل أبوي بطريركي وكأنه طفل صغير عاجز عن إدارة نفسه. وخاصة وأن هذه المؤسسة تعادي المرأة بالتعريف وتنظر إليها وكأنها قنبلة موقوتة في المجتمع سوف تنفجر فوراً إذا غفل عنها "الذكور", الأمناء على المجتمع وسدنته! لكن المعضلة البنيوية في عقل هذه المؤسسة هي ذاتها معضلة أية بنية أبوية, تظن أن في ديمومة القمع بقاءها, فيما يكن فيه بالضبط فناؤها, وهو منطق التاريخ الإنساني العميق. فهنا, كيف يمكن لعقل, ديني أو دنيوي, أن يقبل فكرة وجود مئات الألوف من السائقين الآسيويين يجوبون الشوارع السعودية لينقلوا السعوديات من مكان لآخر مع ما يترتب على ذلك من هدر لعشرات الملايين, ومساس بالقيم الدينية التي تهم ويدافع عنها رجال الدين الأشاوس, ويرفض فكرة أن تكون المرأة سيدة نفسها في سيارتها؟
في كل لقاء إعلامي أم أكاديمي وأحيانا إجتماعي في الغرب, في سياق اللقاءات المؤيدة للقضايا العربية, نواجه من قبل أصدقاء العرب بنداء مخلص للإنشغال بشكل جدي بقضية المرأة التي ما زالت قضية القضايا وكأننا لم نتحرك إلى الأمام قيد أنملة من أيام هدى شعراوي وقاسم أمين. أما في اللقاءات المعادية للقضايا العربية فإن ما نواجه به هو أننا مجتمعات فاشلة لا أمل بشفائها, وأنه قبل أن ننتقد ممارسات الغرب وسياساته تجاه بلداننا فلننظر إلى تلك المجتمعات التي يقمع فيها الفرد قمعاً يومياً ولا تستطيع فيها المرأة حتى أن تقود سيارتها بنفسها!
لا أحد يقلل من ثقل وطأة المؤسسة الدينية في مجتعاتنا, وفي مقدمتها المجتمع السعودي, لكن المجاملة والمسايرة والمداهنة مضاف إليها جبن رجال الدين المستنيرين يشجع تلك المؤسسة على المضي في تشددها وقمعها العلني والمستتر للمجتمع. وفي عصر لم تعد فيه تجدي غير المكاشفة التامة ومواجهة القضايا من دون مواربة صار لزاماً على السعوديين والسعوديات أن ينهوا ملف قيادة المرأة للسيارة بأسرع وقت, لأن في بقائه إهانة وتشويه ليس فقط للسعودية والسعوديات بل وللعرب والمسلمين أيضاً. فهذه هي الحالة الوحيدة والفريدة في العالم التي يمنع القانون فيها المرأة من قيادة السيارة, ويبرر ذلك القانون بإستخدام الدين والمسوغات الشرعية.
ما يجب أن تنظر إليه المرأة السعودية وشقيقها الرجل هو ترقية وضع المرأة في المجتمع والسير بها نحو مكانة ومشاركة أرفع, إجتماعية ومهنية وسياسية. ولا يمكن بحال أن تتقدم المرأة العربية والخليجية وتصبح وزيرة, ونائبة في البرلمان, وتنتخب وتترشح, فيما المرأة السعودية يقودها خادمها من شارع إلى شارع كالعاجز أو الضرير!"