الرجال و مرآتان لهوية التعريف



نضال الربضي
2013 / 10 / 28


نقرت الملف الإلكتروني الخاص برواية "حكاية بحار" لحنة مينة و أول ما طالعني هو الإهداء "إلى أختي قدسية مينة، أمي الصغيرة"، هذه الجملة القصيرة أخرجتني من جو القراءة إلى إحساس ٍ غامر بالدفئ ثم تلاه إحساس ٌ بالتقدير للكاتب و انتزعني كلامه إلى قلب الكلمات و خصوصية العلاقة بينهما، و أحسست كأنني أحس بقلبه و هو ينبض بحبها و يشكو من هذا الحب الذي لا يستطيع أن يبلغ في قوته المبلغ الأعظم إلا حين يسطره على الصفحات لتقرأه الأجيال و تظل تقرأه بين العقود و بعد السنين فيؤبده بأبدية العشق و انسياب الدهر محمولا ً على الحب حاملا ً له كائنا ً فيه مستمدا ً الحياة منه. هذا المبلغ من الحب و الاحترام و التقدير يصبح أقدس مشاعر الوجود.

الرجال ُ صنفان، الصنف الأول هو ذاك الذي يرى في الحضور الأنثوي حياة ً لا تستقيم ُ الحياة ُ بدونها، في كل امرأة ٍ في البيت ِ سيدة الكون و محوره و سبب دورانه و نَفس َ حياته، منها الحياة و فيها الحياة و عليها تقوم الحياة، الأم و الأخت و الزوجة و البنت أنفاس الرئتين و دماء القلب و زفرات السماء حين تزفر البركة و تهب من لدنها العطايا العلوية.

هذا الصنف الذي تنسجم ُ في عينيه الأنثى مع الحياة و تنسجم الحياة ُ معها، لا يؤمن بالقيد و لا يسمح له أن يقترب منها، فهي في ذاتها مُكتفية كافية مستغنية عن القوانين لأنها السيدة التي تضع كل القوانين، منها يخرج الناس و تحت حبها يكبر الأطفال و يتربى الرجال. يُشفق على كيانها من الاستعباد و يُقدم نفسه في محرابها لا حارسا ً و لا ربا ً لكن شريكا ً هادئا ً في الحياة صاخبا ً في العشق ِ لا نصفا ً ثانيا ً لكن كُلا ً واحدا ً لكلها الواحد، واحدا ً في واحد ٍ بواحد. أتحدى أي قانون ٍ في الرياضيات أو الفيزياء أن يصف عشق رجل ٌ متحد ٍ مع امرأة أو قوة رجل شريك حقيقي ٍ لامرأة في أي عمل.

في الحياة و في الحب و في الشراكة هذا الصنف من الرجال باذل ٌ مختار لباذلة ٍ مُختارة متلق ٍ شاكر لمتلقية ٍ شاكره، شريك ٌ مع شريك ٍ في فعل معرفة ٍ تام تلتقي فيه الذكورة بالأنوثة في الإنسان في فعل تآله ٍ تام هو تمام معنى الألوهية.

الصنف الثاني من الرجال نصوص ٌ متحركة تقتات ُ من بِرك ِ تفاسير آسنة لرماد ِ بدوان ٍ درستهم الرمال الماضية لا يعرفون الإناث. هذا الصنف يضرب خمار النص على جيب العقل فتحتجب ُ القدرة ُ على الإنسانية، تصبح عندها الأنثى موضوعا ً للاعتقاد لا بشرا ً يحيا الحياة، و ينشغلون في لباسها و كلامها و نبرة صوتها و عطرها و كل ما عليها و بعض ما لها.

هذا الصنف لا يعرف العشق، لا يعرف الاتحاد، لا يقدر على المعرفة، لأن المعرفة تتطلب الاتحاد المسبوق بالاعتراف بالهوية الحقيقة لمن تريد الاتحاد معها، فكيف السبيل إلى هذا و النص ُ أغشاهم فهم لا يبصرون؟

هذا الصنف يعرف المرأة َ كما يصفها له النص، لكنه لا يراها بدونه، فهو خائف منها و من حقيقتها و من تبعات تلك الحقيقة و ما ستجره من تغير في حياته و نظرته إلى نفسه و إليها و إلى النص و إلى الأيدولوجية التي يتبعها ثم مستقبله في دار الآخرة. هذا الصنف يحيا و يموت و هو لم يعرف المرأة و لم يقابل في حياته واحدة.

لم أقرأ في كتاب حنا مينة و جلست ُ لأكتب ُ ما مر في عقلي في ثانية ٍ واحدة خططتها في الفقرات السابقة، ثم سرحت، ذهب بي الفكر إلى الخبر الذي قرأته اليوم عن جرائم العنف ضد المرأة عندنا في الأردن و اختلط بفكري صوت مقدمة البرنامح في الراديو و أنا عائد من العمل و هي تتكلم عن القانون الذي يسمح للمغتصب أن يفر من العقاب إن تزوج الفتاة التي اغتصبها، و كنت قد كتبت في هذا موضوعا ً هذا رابطه: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=381098
لكنني و أنا أسمع لها أصبت مرة أخرى بالذهول و كانني أسمع لأول مرة. أيقنت تمام الإيقان أن الذي صاغ هذا القانون رجل و أنه لم يستشر فيه امرأة ً و أنه لا يعرف من هي المرأة و لا ما هي طبيعتها و لا أي شئ عنها.

صنفان من الرجال يتشاركان الكوكب، كل ٌ أمام مرآة ٍ تحدد له هويته، الأول مرآته المرأة التي يرى فيها نفسه و يسعد بها بلا حدود، و الثاني نسخة زومبي ميتة ٍ حية لا هي عاشت و لا تركت المرأة تعيش.

أترككم مع أبيات العاشق الذي لم يذكر له التاريخ سوى قصيدة ٍ واحدة، هو ابن زريق البغدادي، بصوت صديقي الحبيب الشاعر كايد عواملة:

http://www.youtube.com/watch?v=Qj6ZTKiKZxc