وراء كل عظيم إمرأة.. إختراع ذكوري مخادع, وبإمتياز



جعفر المظفر
2013 / 10 / 31


كلمة (وراء) لاشك تأتي هنا مجازية بالنسبة للذين يقفون مع مساواة المرأة بالرجل, اي أنها لا صلة لها بالمكان, لكننا مع ذلك علينا أن نحضى بمفردة بديلة لا تعطي للمجاز فرصة أن يُفسّر بما يخالف نواياه الطيبة..
سأروي لكم طرفة: خلف مدينة الطب وعلى ضفة دجلة, في باب المعظم من بغداد, كانت هناك قاعة كبيرة للمؤتمرات تسمى قاعة صدام, ولا أدري ما الذي أصبح عليه إسمها الحالي, لكني أعلم أن الجماعة توارثوا ما خلّفه صدام من أسماء تخص المدن فكيف بتلك التي تخص القاعات.
المهم في فترة التسعينات كنت ألقي محاضرة في أحد المؤتمرات (السنية), والمفردة هنا تأتي بكل تأكيد لتعبر عن ما له صلة بطب الأسنان, وليس لها أية صلة بمسميات مذهبية. وكما إعتدت فقد كنت أعرض, بين "السلايدات" الخاصة بالمحاضرة, أخرى تحاول التخفيف عن جو الجدية الثقيل الذي قد يسود المؤتمرات والمحاضرات العلمية, وفي إحداها أتيت بهذا القول نفسه: وراء كل عظيم إمرأة, مما اثار إستحسان الكثير من الزميلات الحاضرات. لكني لم أترك لفرحتهن أن تستمر إذ قمت على الفور بعرض سلايد آخر يقول (وراء كل عظيم إمرأة .. على شرط أن تبقى وراءه) وآتبعته بآخر يقول ( وراء كل عظيم إمرأة تدفعه إلى الهاوية ) ومن الأكيد إنني كنت أمزح لأنني من أشد أنصار التعامل مع المرأة بروح العدل والمساواة, ومن أشد مناصريها لكي تحصل على حقوقها كاملة.
ورغم ذلك فأنا أرى أن ذلك لم يكن كله من جانب الفكاهة, فهناك جانب في قضية وقوف المرأة وراء الرجل العظيم, أو في طريقة مساعدتها له للوصول إلى هذه العظمة, وهو جانب يجمع ما بين السلب والإيجاب ولذلك أسميه (سلبوجابي), إذ أن بعض الرجال يصل إلى عظمته وهو يحاول التأكيد لإمرأته بأنه يستحق أن تعامله بإحترام بدلا من الإمتهان فتأتي عظمته هنا إنفجارية قهرية ثأرية. وهنا فإن العظمة تأتي من باب رد الفعل على خشونة المرأة, التي تقف وراء الرجل, وليس بسبب مساندتها له أو تشجيعها. إنها هنا مثل إمرأة الرسام العظيم (كوخ) الذي قطع أذنه لكي يقدمها لإمرأته وصار التعريف به يأتي عن طريق التذكير بأذنه المقطوعة كجزء من جنون العظمة, ذلك الذي وصل إليه بفعل الدور (المساند) لحبيبته, أو مثل سقراط الذي سألوه ايهما أفضل الزواج أم العزوبية فأجاب: ايهما فعلت ندمت, لأنه كان تعذب على يد زوجته وكان عذابه أحد الأثمان الذي دفعها من أجل الوصول إلى العظمة, أو ربما تلك التي منعته من أن يكون عظيما أكثر من اللإزم.
وأسألكم: كم إمرأة إهتمت بالفعل بتشجيع إبداعات زوجها كي تصل به إلى مرحلة العظمة, جوابي: قليلات. وربما سنجد على العكس من ذلك أن كثيرا من الرجال لم يصلوا إلى العظمة إلا بسبب عدم تفهم المرأة, وحتى بسبب مشاكساتها. والسبب بكل تأكيد لا تتحمله المرأة في أغلب الأحوال, ففي معظمه هو عائد إلى ثقافة التمييز الإجتماعية التي تدفع الصراع ضد الرجل لكي يترسب في لاوعي المرأة, والذي تؤسس له ثقافة إضطهادية جزء منها يقول أن دورها في الحياة هو مجرد دور مساند, أما الرجل فله لوحده حق الإستيلاء على العظمة, وبهذا فهي ترد عليه إضطهاده لكونه جزء من المجتمع الذكوري بإضطهاد معاكس, وربما على طريقة البادئ أظلم.
وبالتأكيد فإن هناك عقد كثيرة قد تتراجع أو تتلاشى حينما تشعر المرأة بأنها تتمتع بحقوقها بشكل طبيعي ولذا فهي غير مضطرة لكي تتصرف مع الرجل بباطنية تؤسس لها غياب العقلية والثقافة والآليات التي بإمكانها أن تضمن لها قدرة التعبير عن ذاتها بشكل متوازن, وأن تحصل على حقوقها بشكل عادل , ودون أي لف أو دوران.
في الغرب ربما يكون بعض ما يقنع المرأة لكي تترك للرجل حق الإستمتاع بالعظمة لوحده هو حقها في النهاية لكي تستولي على نصف الأموال التي كسبها من تلك العظمة. وبذلك فهي تشارك الرجل مناصفة بما تدره عليه تلك العظمة من أموال سائلة وجامدة, لدورها الإسنادي, ثم تترك له وحده فرصة التمتع بعائدات العظمة المعنوية والإعتبارية.
وحتى لا تقولوا هذا رجل يعاني, سأقول أن ما ذكرته ليس له اية صلة بعلاقتي مع إمرأتي لسبب بسيط هو كوني لا صلة لي بالعظمة لا من قريب ولا من بعيد.
تحياتي إلى المرأة التي تحاول أن تكون عظيمة كما الرجل, ولا تكتفي بدور أن تقف وراءه, سواء من موقع الإسناد, أولغرض دفعه إلى الهاوية, أو حتى لتحويل حياته إلى جحيم منتج للعظمة