بيع الجمل يا علي!



علي فردان
2005 / 6 / 2

عندما وصلتني رسالة من بعض الأصدقاء "والصديقات" على بريدي تطلب مني زيارة موقع مجلس الشورى والتوقيع بالتأييد لمقترح الدكتور محمد آل زلفة بنقاش موضوع قيادة المرأة للسيارة، ضحت ضحكاً كالبكاء إلى درجة أنني كدت أسقط من على الكرسي.
يبدو، والله أعلم، بأن العديد منّا، وأنا هنا أتحدث عن المثقفين والإصلاحيين والكثير من المخلصين من أبناء هذا الوطن لازالوا في غيبوبة، عفواً، يعيشون حلماً يرون فيه بأن في الوقت متّسع لنقاش بيزنطي في الشورى أو غيره، مثل مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يُثمر سوى التمطيط واللف والدوران إلى الآن. ضحكت وأنا أتصور سيارة الهيئة، وهي للعلم آخر موديل سوبربان أو لاندكروزر، أتصور رجال الهيئة في الشارع وهم بالقرب من سيارات تقودها فتيات ونساء والميكروفون يقول "تغطي يا مرة أصلحك الله، غطي نقابك".
لا أدري لماذا هذا التبسيط وكأن مجلس الشورى يستطيع "عمل الأعاجيب" وهو أصلاً غير مخوّل لنقاش أي موضوع ما لم يرده أمر بذلك. إضافةً إلى أن الموضوع لا يحتاج لنقاش، يحتاج فقط لقرار من أعلى فقط، مثله مثل قرار صورة المرأة في الجواز، وقرار استقدام نصف مليون جندي أمريكي؛ أمّا الدعم الديني فيأتي أيضاً بقرار حيث يأمر "ولي الأمر" رجال الدين بكتابة الفتاوى المناسبة مثل التي صاحبت استقدام نصف مليون جندي وغيرها التي لا تجيز القنوت أو تمنعه إلاّ بأمر من ولي الأمر.
ما ذكره الشيخ عبدالمحسن العبيكان حول "المفسدة" المترتبة على ذلك وأن المجتمع ليس مهيئاً لهذا الأمر لهو حقيقة لا غُبار عليها، خاصةً وأنه أردف قائلاً بأن المقام السامي لم يأمر بنقاش الموضوع، فليس من حق مجلس الشورى نقاش موضوع قيادة المرأة للسيارة. هذا الشيخ، وغيره، سيرون خلاف ما قالوه اليوم، وسيرون أن قيادة المرأة ليست مفسدة وأن المجتمع مهيأ لهذا التغيير لو أن "المقام السامي" أو "ولي الأمر" أجاز قيادة المرأة. أي أن هؤلاء المشايخ، مثل ما قالوا سابقاً حول حرمة جوّال الكاميرة ووجوب منع استيراده وبيعه ومعاقبة حامله؛ فلقد صمتوا صمت أبو الهول بعد القرار الحكومي بإجازة بيعه.
لا يمكن أن يتم السماح للمرأة بقيادة السيارة في هذا الوقت، ونحن نعيش في عصر القرون الوسطى، أي أننا نعيش في عالمٍ آخر وبالتالي فإن هناك العديد من الأمور التي يجب أن تُصاحب السماح للمرأة بقيادة السيارة. لو فرضنا أنه لم يتم تقييد "حماة الفضيلة" من رجال الهيئة، فماذا سيحدث للمرأة حينها وهي تقود السيارة؟ لو صدمت الفتاة سيارة أخرى، أين سيتم استجوابها أو إيقافها؟ وهل سيتم عمل مراكز شرطة نسائية؟ ومراكز هيئة "نسائية" أيضاً؟ وكيف ستتدبر المرأة موضوع إصلاح السيارة؟ خاصةً وأن قوانيننا المتميزة تطلب دائماً الحضور الشخصي؟ كفيل؟ زيارة ثلاث ورش للإصلاح؟ الخ من المواضيع المضحكة المبكية؟
وكيف ستقود المرأة السيارة؟ هل ووجهها مكشوف؟ أم بنقاب؟ أم مغطّاة الوجه والكفين كاملين كما تأمر "الهيئة"؟ لربما تم إيقاف الفتاة وتم "سحبها" لمركز الهيئة لأنها "تعاكس" الشباب عند مداخل المجمّعات التجارية؟ وهل ستحتاج لمحرم أن يذهب معها؟ وأين سيتم حجزها؟ ومع من؟ هناك العديد من الأسئلة التي يجب أن نرى حلولاً لها قبل الشروع في فتح باب قيادة المرأة للسيارة، خاصةً و"أصحاب الفرقة الناجية" لازالت مطالبهم في اتجاه آخر مثل مجمعات تجارية نسائية، ومستشفيات نسائية، وكليات نسائية، أقسام نسائية في كل وزارة ومؤسسة حكومية، وربما في المستقبل يطالبون بقرى ومدن نسائية تتكاثر فيها النساء وحدهن بدون رجال عن طريق التبرعم.
المفسدة التي يتحدّث عنها هؤلاء المرضى من رجال الدين وأتباعهم مبنية على "حقيقة" أن المرأة هي مصدر هذه الشرور، وأن لولا المرأة لعاش المجتمع في وضع أشبه بالجنة. لكنهم مع كل تنظيرهم، لم يفلحوا أن يربطوا "أقوالهم" بالأفعال، لهذا فهم مثل سور برلين يجب أن يسقط حتى يتحرر الشعب كله، ليس فقط المرأة. مع كل التطبيل والتزمير حول حماية المرأة وصيانتها، ترى الوضع المعكوس من حيث امتهان المرأة دون أن يحركوا ساكناً. فهذا يبيع ابنته ذات العشر سنوات لرجل معتبراً ذلك زواجاً لتعود بعد أيام لبيت أبيها، قائلاً زوجها "البطل" الذي أراد أن يجرّب نعومة جسد طفلة، قال بأنه تزوج طفلة تبكي وتريد أن تلعب بألعابها مثل الأطفال، لذلك قام بتطليقها. ماذا كان يتوقع من طفلة في رابع ابتدائي؟ هل كان جاهلاً بذلك؟ بدون شك لا، لكنه الجنس والمال الذي جعل مثل يشتري جسد طفلة وبإذن أبيها وبدعم ديني على الأشهاد مستدلين بأحاديث حول زواج الطفلة وأنه من أفضل الأعمال. فتيات وصلن لسن العنوسة لأن آبائهن يرفضون تزويجهن حتى يحصلوا على رواتبهن من أعمالهن في التدريس أو في البنوك، فيرفضون كل "العرسان" باستمرار. القصص في هذا تطول والصحافة تقطر دماً بقصص تبكي لها الصخور الصلدة، ولا يتأثر بها "أصحاب الفرقة الناجية".
ما ذكرته الأستاذة ليلى أحمد الأحدب في صحيفة الوطن بأن البيئة التعليمية مبنية على التمييز ضد المرأة، واستدلت بما هو مكتوب في كتاب الحديث للثالث ثانوي حول العقيقة، فهي شاتين للولد وشاة للبنت. من أراد الاستزادة، فعليه زيارة المقالة في صحيفة الوطن بتاريخ 30 مايو 2005 م تحت عنوان: إنصاف الأنثى في مناهج التعليم خطوة سابقة على قيادتها للسيارة. أود أن أضيف لما قالته الأستاذة الأحدب بأن الكتب الأخرى لا تقل امتهاناً للمرأة، فكتاب الفقه للثاني ثانوي يقول بأن الهبة للولد ضعف ما للبنت لأن ذلك مذكور في القرآن، واستدلوا بآية الميراث "وللذكر مثل حظ الأنثيين". تصوروا بأن الأب يأتي ليعطي ولده الصغير ذو العشر سنوات 500 ريال لنجاحه، ويعطي أخته الطالبة الجامعية 250 ريال فقط! لكم أن تتخيلوا الدليل الذي ليس فقط في غير موقعه، لكن استخدامه بطريقة تبين وكأن المرأة لم تأتي من حمل تسعة أشهر، ربما نصف المدة فقط. إنها الجاهلية الجديدة التي لم يتغير منها سوى أنها الآن تحت مسمى "الدين الإسلامي".
المأساة هي أن تقتنع المرأة عينها بأنها فعلاً "الشيطان الرجيم" وبأن الرجل له الحق فيما يفعل وهي وإن كانت الضحية، عليها أن ترضى بذلك. فتاة جامعية تعرّفت على شاب، ويبدو أن النتيجة هي التغرير بها وتم اغتصابها من الشاب ورجعت بعد أيام في حالةٍ يُرثى لها، وتم القبض على الشاب. لكم أن تتخيّلوا ردة فعل مسؤولة في الجامعة حيث قالت بأن الفتاة هي المسؤولة وأن مستقبل هذا الشاب سيضيع بسببها؟ نسيت الضحية، وفكّرت فقط في الولد، أمّا الفتاة "فإلى جهنم". إضافةً إلى ذلك، فإن الكثير من العائلات تعلم بوجود علاقات لأولادها مع فتيات لكن لا ترى في أن ذلك عيباً مادامت الضحايا ليسوا بناتهن. إن الفكر الذي بُنِي على مدى عقود، بل قرون، أصبح مثل الكابوس الذي يعود كل ليلة ويصعب إزاحته. فالمرأة ليست إلاّ بضاعة تُباع وتُشترى وتخدم "الذكور" وإذا ما حدث خلل ما، فهي المسؤولة أولاً وأخيراً.
عندما كُنّا صغاراً كُنّا نردد الأغاني السريعة الإيقاع دون التفكير فيها، ومؤخراً سمعت ذات الأغنية لسميرة توفيق وهي تقول: بيع الجمل يا علي واشتري مهرٍ إلي؛ بشكل أو بآخر تمعّنت في كلمات الأغنية وخرجت بأفكار مختلفة وغريبة. فالعملية هي بيع وشراء، فهي سلعة لا أكثر ولا أقل، والخيار بين الجمل "وهو حيوان" وبينها. تُضيف الأغنية: يا علي بيع الجمل، بيع النعجة والحمل، هذا لأن بيع الجمل وحده ربما لا يكفي. وتؤكد على وضعها الأنثوي بقولها: يا علي بويا "طمّيع"، أي أن أبوها طمّاع ويريد الكثير من المال ثمناً لابنته وهي لا ترى ضيراً في ذلك. بمعنى أدق وبصراحة، أبوها يريد بيعها بمبلغ كبير، مع أن المهر هو للمرأة وليس لأبوها. وهذا الوضع المؤلم الذي تعيشه المرأة ليس حصراً على السعودية فقط، بل العالم العربي والإسلامي بشكل عام، وما وأد الفتيات في الأردن وفلسطين وغيرهما بحجة العار بتواطؤ مشبوه من الحكومات بتغاضيها عن عقاب المذنبين لهو أكبر دليل على ذلك.
إذا ما عرفنا كلّ ذلك، وأضفنا إليه ما يحدث من اختلال في حقوق المرأة مقارنة بالرجل، فلا غرابة أن نعيش كأجساد في القرن الحادي والعشرين، وأفكارنا جاهلية تعود إلى قبل الإسلام، بل قبل ذلك بكثير، ولا عزاء للنساء.