الانثى...ملکة العدم المحاصرة



نزار جاف
2005 / 6 / 2

کلما تبادرت الى الاسماع کلمة"أنثى" حتى وتبادرت معها کلمة"العاطفة" کمرادفة حتمية لها وترتبط بها إرتباطا جدليا. وليس بغريب أن تشير الاديان برمتها الى هذه المسألة و تعتبرها مربط الفرس في نظرتها و تعاملها مع الأنثى. وعلى ضوء قناديل الشعراء الرومانسيين و لاسيما في العصور الغابرة إنهمر مطر الشعر لتتساقط الأنثى خلالها کقطرات شفافة مزدانة بشعاع الاحاسيس المرسومة بشکل القلب. ومن بعد هؤلاء جاء القصاصون و الروائيون لينطلقوا من صور و تداعيات الشعراء الرومانسيين ليصوروا عوالم حالمة تجنح لمروج مشرئبة بالفنطازية. وهکذا کان حال المرأة حتى جاء الفلاسفة و الحکماء ليحاولوا جاهدين تبرير الجنوح"الغير عادي" للأنثى و تقديم الطروحات التي تلائم تلک الأطر و الابعاد الخيالية التي حوصرت فيها الأنثى بإغلال من العواطف و الأحاسيس. ذلک کله کان من عصور خلت، لکن القضية مازالت مستمرة، والأنثى مازالت تعيش أجواء الوجد و الشوق و اللوعة. مازالت ترسم بشکل القلب و تعبأ في قناني المشاعر الجياشة التي تفور مع أول إطلالة لفارس الاحلام الذي يأخذها من عالمها التعيس الى عالم ملوک البحار و الجان ليذيقها طعم سعادة سرمدية لن يکون بوسعها أن تنساها حتى ولو أبلى الردى جسدها! هذا التاج المخملي الذي وضعه الرجل على حين غرة من عمر الزمن الطويل على رأس الأنثى، جعلها ملکة في مملکة لاتحکم فيها شيئا، ومامن شک إنها ملکة العدم، هي تحکم العدم بکل جبروتها و عنفوانها ولاشئ غير العدم! إنها الملکة الوحيدة التي جيشها من الوجد و سلاحها من الدموع و مناوراتها من مکر تخر له الجبال! وتتبارى جميع الاديان و المذاهب الفکرية المتباينة على "رعايتها و إهتمامها الاکبر و الاهم نوعيا" بالأنثى، بيد أنها حين تقلب الامور لتقارن بين هذا الرکام الانساني"الرجولي" المخصص لها عبر تأريخ هرم لايستطيع الموت، تجد أن الکل سواسية کأسنان المشط تماما! کلهم يريدونها ملکة في مملکة العدم، کلهم يشتهونها و هي تذوب على أسنة رماحهم و نصال سيوفهم. کلهم يرغبونها محاصرة و مشرفة على موت زؤام يکاد يختطفها و فجأة يظهرون الفرسان من کل صوب و حدب لينقذونها فتذوب في منقذها و تغدو إمة طوع يمينه الى يوم رقودها في حفرتها الابدية. وجاءت الاخوات برونتي"جين ، أميلي، شارلوت" وبيرل باک و نوال السعداوي مدام کيوري و فرانسواز ساغان و تاتشر و....، لکن لم يشفع لها ذلک شيئا في مملکة الوجود عند بلاط عاهلها الرجل. الأنثى هي ذاتها، لو صعدت الى السماء السابعة و نزلت الى أسفل سافلين الارضين فهي ملکة العدم هي الأنثى ذاتها. هي المستبدة و الطاغية في مملکتها المنفية و هي نفسها "وعاء لماء الرجال".1 وجاهدت الانثى لتخرج من مملکتها الوهمية، فصارت مثل ستيف ريفز و أرنولد شوازينجر في تقاطيع عضلات جسدها و لم تکتف بهذا بل إندفعت صوب حلبات الملاکمة و المصارعة لتثبت إنها لاتفرق شيئا عن"حاکمها" ملک الوجود، غير أن ذلک کان کافيا فقط لتسلية الرجل و الترفيه عنه. ومازالت الکوميديا الأنثوية مستمرة بوتائر تتسع و تضيق تبعا لما يمليه مزاج جلالة ملک الوجود في تلک اللحظة من المحاولات المستميتة لملکة السراب. إنها تراجيديا بلون "فوطة" و "عزاء" الام بوحيدها، تراجيديا تستمر و مع إستمرارها تتجدد عذابات و معاناة تعود لبداية القصة و أساس الکوميديا حين إمتدت يد حواء لتقطف التفاحة المشؤومة فصاح آدم جذلا "وجدتها" وکانت المأساة!!

1 ـ إشارة لما ينسب للخليفـة المأمون "إنما أمهات الناس أوعية".