الحقيقة كما ينبغي أن تكون، و ليس كما يعجبكم



سونيا ابراهيم
2013 / 11 / 9

سوف أتحدث قليلاً في بداية هذا المقال عن الوعي الذي يحاولون نشره في العالم عن العنف الموجه ضد النساء و الفتيات.. سوف أكون أكثر وضوحاً بشرح المعاناة و وجهات النظر التي يتبادلونها.. على الرغم مما أوضحته سابقاً هُم دوماً- في مجتمعنا الشرقي- يريدون بل يتوقعون من الضحية- و ان كلفها ذلك مزيداً من الشجاعة- أن تظل صامتة و خائفة و مكسورة الجناح، بينما هم يستمرون باكتشاف حياتهم كما يحلو لهم ذلك.. في هذا الفيديو تأثرتُ بجين فوندا- وان لم يكن يتحمل الموقف بأن أعبر عن اعجابي بشخصيتها و ثقافتها مهما كان الامر مكلفاً- و هي تتحدث من صميم وجع شعرت به؛ لأنه أصاب قلبها.. وقع لأم جين فوندا حادث الاعتداء الجنسي في طفولتها، و تحولت أمها لمصابة باكتئاب ثنائي القطب ثم انتحرت.. و ابنتها ممثلة مشهورة، لا تخجل من شرح أو توضيح ذلك:

http://www.youtube.com/watch?v=YUtd3e6Waeg

اكتئاب ثنائي القطب الذي يصيب ضحايا الاعتداء الجنسي هو بسبب فرط معاناتهم و شعورهم بالكبت لان أحدما جاء و انتهك روحهم عنوة، و صاروا غير قادرين عن التعبير عن أنفسهم بالطريقة الطبيعية، التي يرتاحون بها خاصة اذا كانت الضحية حينها صغيرة في السن أو عذراء.. الأذى لأن ما اُخِذ منهم منعهم من تصور أنفسهم بالهوية التي أرادوها لأنفسهم.. تعريف الاغتصاب هو مرادف آخر لكلمة عنوة! و ها هي هذه الكارثة التي يتكتمون عليها كل يوم في شرقنا الاوسط؟

يريدوننا أن نقبل معاملتهم لنا- نحن النساء- و كأننا مذنبات ارتكبن الخطايا؛ بسبب ما حصل لنا ليس بسببنا، بل بسبب تستر المجتمع و غياب الوعي في طياته.. هذا المجتمع الذي يريدنا أن نكتسب مزيداً من الشعور بالذنب، و الذي يريدنا أن نفقد معنى الحياة في رضا و سعادة تامين، بعد استعادة توازننا الصحي و المعنوي، يقتل الأرواح لأنه مجتمع من المجندين لإخفاء الذنوب.. من أبشع ما يمكن أن نقوم به اليوم في الشرق الأوسط هو أن نرمي التهم - و نحن نشعر بالرضا و الهدوء التامين- على كل امرأة أرادت أن تقذف بوجوههم الحقيقة؛ بل الاسوأ من ذلك أنها لم تجد من يمنعها من تعذيرهم على غياب وعيهم، و انشغالهم بالمزيد من تهميش قضايا المرأة؛ من أجل تجريمها.. و كأنها خُلقت المرأة بتهمة واحدة لا تكفيهم في مجتمع عنيف و جاهل: المرأة أنها امرأة.. أشعر بالأسف و على الرغم من أني أفضل - بالحديث عن العموميات- ألا أُقيّم حالة مجتمع قُتِلت فيه معاني النخوة فيما يتعلق بوجهة نظر الشعوب المحتَلة، التي أفترض أنها لم تتمكن بعد من تخطي أزمة اغتصاب أراضيها و قتل أطفالها، و أنهم أيضا لا يجدون متسعاً من الوقت للتعريف عن باقي القضايا التي تخص النساء و معاناتها؛ ليس بفعل الواقع السياسي- الذي جميعنا صار يعلم كيف أنهم يتقاعسون فيه- بل بسبب الحقيقة التي تخفى على الجميع- أن هناك مزيدٌ من الضحايا بحاجة لأن يروا نور الشمس، دون أن يتقمص أحدهم أي شخصية تضرهم أو تتسبب لهم بأي أنواع الأذى، سواء من المتعلمين أو الجهلة المنتشرين في المجتمع الشرقي، و الذين أصابت غالبيتهم- باختلاف ثقافتهم أو حتى خلفياتهم الاجتماعية- كارثة التعصب الذكوري أو الديني في المجتمع.. لقد اغتصبوني في منزلي.. و بين محارمي.. و هناك من سيتهمني بأنني ربما لم أكن أرتدي – و أنا في سن الطفولة- ملبساً محتشماً؟؟ و حتى إذا وصلت لسن الرشد سوف ينبذوني أو يتهموني بالقذارة أو المرض النفسي.. يعيب على مجتمعاتنا اليوم- في غالبية دول الشرق الأوسط- أن الحرية الزائفة التي تطلق سراح كل المجانين و المتحرشين، هي أيضا من منحت لأمثال هؤلاء المقموعين الفرصة بوضع إشارات الاستفهام أو حتى محاولة تكذيب الضحية في كل ما حاولت إيضاحه من أجل إيقاف، و منع ما حدث لها و لمثيلاتها من الحدوث مرة أخرى لغيرها.. أعتقد أن هذا هو العيب، الجنون، و حتى عدم القدرة على القذف؛ بدلاً من اتهام النسويات بالعنوسة- بشكل كبير!

في حال كانت ما يسمى بالدول العربية غير مستعدة للتكيف مع ضحايا الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب، و في حال كانت المجتمعات لا تتقبل حتى فكرة الأم الوحيدة single mother التي تطالب بحقوقها ؛ فإنه يجب على الأقل من السياسيين أو حتى المثقفين- مما لا يخجلون من قلة وعي المجتمع بشكل عام- ألا يفكروا أنه يحق لهم أن يعيشوا يوماً واحداً في الضوء دون خجل من أنفسهم.. لما يسببوه بتقصيرهم، و عجزهم اللاشعوري بدلاً من تمثيلنا كقضية إنسانية خالدة..
****
*هذا الجزء من المقال مخصص للرد على الأستاذة مكارم ابراهيم، بخصوص مقالتي السابقة، و أعتذر عن التأخير في الرد مع جزيل الشكر والامتنان:

« لقد تبين لي بعد هذا كله، أنه لا قيمة لنا نحن لا الأطفال ولا النساء الفلسطينيات بفعل الفساد و اضطراب المصالح بين الفصائل، فإنه آخر هموم ممثلي الشعب الفلسطيني قضية المواطِنة أو حتى المواطن منذ نعومة أظافره، على اعتبار أن الأطفال يتعرضون للعنف أو الاغتصاب من الأقارب و العائلة، بل هم يعتبروننا قطيع خرفان يتاجرون بنا من أجل الترويج لما تقتضيه مصالحهم، لن و لم يكن لنا أي قيمة وان زاد عنصر مظهر التدين في ظل حكومة حماس؛ تخلفاً و ظلامية.. لا قيمة لنا لأنه حتى في عامي 2011-2012م أخبرتني محامية ناشطة في حقوق المرأة، أنه لم يكن هناك أي ملجأ لنا في غزة، سوى اصلاحية تشبه معسكرات الاعتقال، يتحفظون فيها على الفتيات اللاتي يلجأن الى الشرطة للاختباء من العنف أو الاظطهاد، و لقد كانت تخضع لحراسة نفس شرطة حماس، التي رفض قادتها و المسئولين فيها اعطاء التصاريح لبناء أي ملجأ للنساء المضطهدات لحفظ كرامتهن- رغم تحفظي على رؤية المجتمع في تشخيص أو سوء تفسير حالتهن في حال حصول ذلك-، و لقد أخبرتني هذه المعلومة محامية مهتمة بقضايا الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الفلسطينية، و هي تعلم أن الوضع لا يقل سوءاً في الضفة الغربية؛ لأنهم عادة يعزلون النساء المعنفات عن المجتمع و يتم اذلالهن و معاملتهن بصورة مُهينة، و كان ما رأيتُه - في غزة- عندما قابلني الشرطي الملتحي كافياً بالنسبة لي؛ لكي لا أفقد صوابي و أسمح لهم بمعرفة ما عانيتُه، أو أعود لطلب مساعدتهم بإحتجازي أو عزلي باصلاحيتهم التي لا تجوز إلا للمجرمين أو الخارجين عن القانون.. أردت فقط أن أوضح للجميع كيف أنه لا قيمة لنا- رغم كل ما نعانيه من قسوة المجتمع التقليدي و جهله بحقوقنا كحقوق انسان- حتى لو اعتبرنا أنفسنا بطلات، و هويتنا فلسطينية بعد مرور ستين عاماً وما يزيد على الاحتلال، نحن نتحمل ما يزيد عن طاقة الرجال، و بالنهاية قيمتنا لا تمثل حتى رقماً يزيد عن صفر بالنسبة لهم.. نحن لا شئ بالنسبة لهم، ربما نحن أقل حتى من القمامة- ان كان ينبغي عليّ التعبير عن ذلك! و كلهم كاذبون! مَن يحاولون انكار ذلك لأن ما رأيتُه بأم عيني على أرض الواقع هو خير دليل على جهلهم! و ان كنت - في نهاية الموضوع- سوف أعبر عن وجهة نظري الشخصية كسونيا، فسأقولها لك؛ مجتمعنا في الأراضي الفلسطينية، أقصد القادة و المسئولين فيه أو حتى ممثليه يخشون أن يتم كشف المستور، و فضح أمورهم لأنهم لم و لا يأتون من خلفية لا أسرية ولا اجتماعية أفضل مما تعتقدون، و أعتقد أنه هو نفسه السبب، الذي يدفعهم لقمع كل المحاولات في كشف المستور، و الإفصاح عن رجعية التعامل مع النساء المعنفات خلف جدران العائلة المتسلطة؛ و بتحفظ و بإهمال شديدين من المجتمع المنكوب: بحكومتيه الفاسدتين في ظل وجود الاحتلال الاسرائيلي..»!