ماذا يمكن أن نتعلم من فتاة ابو سكينة



بكر أحمد
2013 / 11 / 12

من أحدى قرى جازان تخرج فتاة من داخل بيئة منغلقة لتعلن ثورتها الإنسانية حتى تنال ابسط حقوقها الآدمية ألا وهي حق اختيار شريك الحياة الذي تريد أن تقضي معه بقية حياتها ، هذا الحق الذي تم مصادرته تحت مختلف الحجج التقليدية والإصرار على بقاءه داخل صندوق مقدس لا يفتح ولا يناقش لأنه يعتبر في نظر المجتمع تعدي فج على سلطاته الذكورية وتجاوز لشرف القبيلة وطعن بقيمها وأرثها .

كان ينبغي للفتاة السعودية هدى أن تخضع لواقعها وتقبل بالحياة الرتيبة التي وضعها لها من يتحكم بمصيرها وأن تتقبل الحياة كيفما اتفق ، وهي وان فعلت ذلك فلن تكون خارج السياق أو المعتاد، لن تكون امرأة مميزة أو حتى امرأة مطيعة، فوسط كل هذه الطاعة ، لا يعتبر الانصياع شيء مختلف، لكنها أيقنت بأن ما سيحدث لها هو قهر لكينونتها الإنسانية وكبح لمشاعرها الطبيعية المكتسبة بالفطرة ، وأنها وأن قبلت بالمخطط المعد لها سلفا، فهذا يعني موتها وهي على قيد الحياة ، وأن أي عمل آخر ومهما كانت عواقبه لن يقل سوءً عن ما أعد لها سابقا.

كان ولا شك قرار يحتاج إلى الكثير من التفكير والصلابة والعزم، وأن تقرر فتاة مغادرة بلدها منفردة إلى بلد آخر لتلتقي مع من تحب وتربط مصيرها بمصيره في أرض و مستقبل مجهول بالنسبة لها، هو قرار جريء جدا، وهدى قررت أن تغادر وتترك كل شيء خلفها علها تفتح لها حياة أخرى سعيدة .

الان هي تحاكم في صنعاء، والقضية هي دخولها البلاد بطريقة غير شرعية، وهي محاكمة نادرة جدا لأن اليمن بلاد مفتوحة وتأوي مئات الآلاف من المتسليين، لكن هنالك ثقل كبير يقف خلف قضية هدى ألتي أصبحت قضية رأي عام ومحل متابعة لكافة المنظمات الحقوقية، ولو صدر حكم قضائي بإعادتها إلى بلادها كما تطالب بذلك سفارة بلدها، فهذا يعني ولا شك القضاء عليها جسديا أو على أقل تقدير معنويا، لتقضي بقية حياتها _ أن كتبت لها الحياة _ محطمة ومهمشة.

لا يوجد مواطن يمني واحد يستطيع أن يجزم بنزاهة القضاء في اليمن، والكل يعرف أن القضاة فاسدون، وان المال هو من يسير أحكامهم، وأجزم لو أن هذه القضية سارت بهدوء، فأن عملية طبخها ستتم كما هو معهود، وسيقوم المال بالواجب وستعاد هدى إلى مصيرها الذي ينتظرها.
كما لا يمكن التصديق بالضمانات القبيلة والأسرية التي تتعهد بها أسرة هدى حتى تعيدها، فتلك أوهام ، والأمر بات في نظرهم مسألة شرف أريق أمام الناس ويجب أن تعاد صيانته من جديد، وجميعنا يعرف كيف يصان الشرف العربي.

هدى لم ترتكب جناية أخلاقية، هدى طالبت فقط بحقها بالحياة مع من تريد، وهذا حق بسيط جدا لا يستحق كل هذا الضجيج والنزاع، لذا يجب أن تلتفت المنظمات الحقوقية والمدنية لقضيتها وأن تستدعى منظمات حقوق الإنسان الدولية ومفوضية اللاجئين لمنحها حق اللجوء الإنساني كون حياتها في حال أعادتها باتت في خطر مؤكد.

كما أود أن أؤكد هنا بأنني لا أدعوا إلى أي نوع من أنواع التمرد على النظام الأسري، بقدر تأكيدي على أنه من حق كل إنسان أن يختار من يحبه وان يعيش مع من أختاره، وان اعترفت الأسر العربية بهذا الحق، فهي هنا ستنهي تلقائيا حالة الجزع على صون شرف وهمي وهش ومبالغ به، وحتى لا نتعرض لمثل هذه المواقف، لنمنح أبناؤنا الثقة في تقرير مصيرهم وتحمل مسئولياتهم ومن حقنا عليهم دعمهم وإسداء النصح والتوجيه لهم، لأنه بات من المستحيل وفي ظل الثورة المعلوماتية والتواصل العالمي هذا أن نستمر بقمع الرغبات وكبتها.

وأن كان هنالك شيء نتعلمه من قضية فتاة أبو سكينة، فهي ولا شك حق تقرير الحياة والحب وقبلها نتعلم منها الشجاعة وقوة الإرادة والإصرار.
قلوبنا معك يا هدى.