هل هزمت المرأة السعودية ؟



مهند عبد الحميد
2013 / 11 / 13

نظمت نساء سعوديات "حملة حق قيادة السيارة" في اكتوبر / تشرين أول الماضي، وسرعان ما تفاعلت الحملة داخل المجتمع السعودي بين معارضين ومؤدين، وقبل أن تكتمل المباراة الديمقراطية جرى قطع الاستقطاب ووقف الحملة السلمية بإجراءات صارمة، كمنع الموقع الالكتروني الذي استخدم لدعم حق المرأة في قيادة السيارة، وكان 17 الف مؤيد ومؤيدة قد مهروا توقيعهم في الايام الاولى للحملة. واتخذت وزارة الداخلية قرارا بمنع الفعالية قبل موعدها المقرر .
النساء السعوديات تفوقن في كل السجالات التي خضنها مع آراء ذكورية معارضة.. قدمن حججا منطقية وهن واثقات من انفسهن وعملهن في سياق الدفاع عن حقهن. ونجحن في تفكيك بدعة المنع والتبرير التي بدت متهافة وهشة. ففي غياب نص قانوني يحظر قيادة النساء للسيارة ، وفي غياب تشريع ديني يُحَّرِم ذلك أسقط بيد مجادليهن. وإذا ما أضيف الى ذلك حاجة النساء العملية وحقهن الطبيعي بحرية الحركة وبالمساواة أسوة بنساء العالم فإن الكفة رجحت لمصلحة مطلبهن الذي تحول الى مطلب مشروع وعادل.
لم يحتمل المحافظون السعوديون التفوق المعنوي للسعوديات، في البدء رفضوا فكرة المباراة الديمقراطية معهن، وسرعان ما استخدموا آلة الدعاية المضادة التي لها باع طويل في حرمان النساء من أبسط حقوقهن. لقد حوروا موضوع الخلاف ونفخوا في تأثيراته. تحدثوا عن "الاخلال بالسلم الاجتماعي" "وفتح باب الفتنة" و"احلام مريضة لمغرضين ودخلاء ومتربصين" و"تهديد الامن والاستقرار ". كانت المبالغات الخيالية التي ارتقت الى مستوى وجود مؤامرة تعبر عن جزع المحافظين وخشيتهم من المس بسلطتهم الذكورية الغاشمة. فكان الرد بالمنع والترهيب والتهديد واستنفار جهاز الشرطة الدينية (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) والزعم بأن قرار المنع "يلبي رغبات المجتمع". وتقديم ذرائع واهية كالقول : "إن قيادة السيارة تضر بمبايض المرأة"، والقول "إن النساء غير مؤهلات جسميا ومهنيا" مع ان الطالبات السعوديات يقدن سياراتهن في العواصم الاوروبية وفي امريكا بلياقة عالية. كان اسوأ ما في موقف المحافظين هو الاختباء خلف رفض المجتمع في الوقت الذي يحرم فيه هذا المجتمع من الحوار والتعبير عن رأيه، باستثناء الجهة التي تتبنى مواقف السلطة الذكورية، كموقف "ناشطات وأكاديميات" اللواتي عبرن عن اعتراضهن على حق المرأة السعودية في قيادة السيارة. كان ثمة حرص على ابراز موقف نسائي سعودي مناهض للحملة في محاو لة لكسر المبادرات والمؤيدين ولنزع الشرعية عن كل نضال اجتماعي من اجل الحرية والحقوق والمساواة اسوة بكل نساء العالم.
هُزِم المحافظون وانتصرت النساء السعوديات الشجاعات. القمع والتشويه والتحوير هو عنوان هزيمة المحافظين، والمطالب المشروعة وتحدي عشرات النساء للمنع والخروج بسياراتهن في يوم الحملة والاصرار على مواصلة النضال وسط تأييد نساء من كل انحاء العالم، كان عنوان انتصار النساء السعوديات.
ثمة رمزية لهذه المعركة الديمقراطية التي لا تخص النساء السعوديات وحدهن، بل تعني كل النساء والحركات النسوية وحركات حقوق المرأة وحقوق الانسان وقوى التحرر والمساواة في كل مكان. كم كان موقف وزير الخارجية الامريكي جون كيري مزريا عندما علق على قمع النساء بالقول "إنه شأن داخلي سعودي"! إن المحافظين الرجعيين الذين يخنقون حرية النساء في السعودية هم اصحاب المدرسة الفكرية الرجعية التي قادت التحولات الرجعية في طول وعرض الدول العربية والاسلامية، من خلال احتكار تفسير عجيب غريب للدين الاسلامي الذي كان في ما مضى عنوانا لحضارة انسانية في مختلف المجالات. كان لهذه المدرسة التي غزت العالم العربي بقوة البترو دولار ، دورا في استقالة العقل. وعندما اندلعت الثورات العربية كان لها تأثيرات ملموسة في دعم الثورة المضادة التي جسدها الاسلام السياسي. وكان لها مساعي محمومة هدفها قطع الطريق على تحرر الشعوب العربية السياسي والاجتماعي. و مساعي في القطع مع التراث الثقافي والانساني العربي والعالمي واستبداله بفكر أصولي وهرطقات لا تعني غير فرض سيطرة دائمة لهذه القوى على المجتمعات. على سبيل المثال، إن التقييدات التي تفرضها حماس على النساء والحريات العامة في قطاع غزة هي من صلب هذه المدرسة.
القضية إذا هي ابعد من حق المرأة السعودية في قيادة سيارة. إنها قضية الاشتباك مع منظومة افكار وقيم وتقاليد رجعية معادية لتحرر وتطور المجتمعات وانعتاقها وإفلاتها من براثن الرجعية الداخلية والتبعية لقوى الاستعمار الحديث . ولانها كذلك فمن المفترض ان تشارك جميع قوى ونخب التحرر في معركة الدفاع عن حرية النساء باعتبارها جزء من معركة انتزاع الشعوب لحرياتها.