ختان البنات في مصر: دعونا ننقذ غدير



هويدا طه
2005 / 6 / 9

عندما فاجأتنا الولايات المتحدة منذ شهور بقناة فضائية عربية أسمتها الحرة، كان الأمر بالطبع مستهجنا على المستوى الشعبي العربي، فأي شيء هذا الذي ستقوله أمريكا (بالعربي)؟! كيف يمكن لها أن (تحررنا) من تخلفنا الثقافي وهي (تحتل) بلادنا.. وتقتل العرب فيها كما لو كانوا ذبابا؟! أي مصداقية لها وهي ترسل لنا عبر هذه القناة.. رسائل عن التحضر والديمقراطية واحترام حرية الشعوب.. وهي في ذات الوقت.. تعذب وتغتصب شباب العرب في غوانتانامو أو في أبو غريب؟! لهذا حققت القناة فشلا مدويا في بدء بثها.. خاصة وأنها كانت- حتى على المستوى الحرفي والمهني- تعاني من تفاهة غريبة.. بحيث بدت العربية والجزيرة وأبو ظبي أمامها.. قنوات عريقة!
لكنها وفي اهتمامها بالملف العربي الأبرز.. ملف الإصلاح السياسي، وإن كانت توجد في تناولها لهذا الملف.. رائحة أمريكية إمبريالية لا يحبها العرب! تقدمت على القنوات الفضائية العربية الأخرى.. في تحررها من.. الخوف.. من حكومات النظم العربية، وبدأت بالفعل تناقش ليس فقط قضايا الإصلاح السياسي.. وإنما القضايا الاجتماعية الشائكة التي تحول الميول العربية (المحافظة) من التعمق فيها بجرأة..
وفي برنامج (جدل حر) نوقشت هذا الأسبوع قضية ختان البنات في مصر، بالطبع القضية نوقشت من قبل في فضائيات عربية عديدة.. لكن تلك الحلقة.. ذكرتني بالتعليق الذي طالما سمعته.. كلما طرحت للنقاش قضية ختان الفتيات في مصر:( لماذا نتطرق إلى هذه القضية- الثانوية- الآن.. ونحن بعدْ لم نحرر فلسطين)! هؤلاء الذين يعتبرون أن تحرير فلسطين.. أهم من تحرير (الإنسان) على أرضها وعلى أرض غيرها.. لم يحرروا فلسطين.. ولم يكفوا الاحتلال عن غيرها.. ولم يحرروا حتى أنفسهم! ولن يتمكنوا من تحريرها أبدا.. طالما استمر موقفهم من القضايا (الإنسانية) الأخرى.. بهذه الفوقية الذكورية المتسلطة!
بل سأزيدكم من الشعر بيتا! كرامتي كأنثى لا تقل أهمية عندي عن تحرير فلسطين والعراق! بالطبع سيغضب الكثيرون.. ممن أخذتهم العزة بالإثم! لكنك إذا كنت أنثى.. أنثى مصرية.. ختنوها في العاشرة من عمرها بوحشية مغرقة في الهمجية والتخلف.. ثم وبينما لم تجف دماؤك بعد.. تتلفت حولك بعيون صغيرة دامعة متسائلة.. عن شيء لا تفهمه.. فإذا بهؤلاء السفاحين مشغولين عنك بصلاة العصر! فإنك بالتأكيد.. ستعيد تقليب القضايا من جديد!
في الحلقة كان الضيوف: طبيبا منفتحا وعالمة اجتماع ورجل دين (حليق اللحية) يمسك العصا من وسطها، و.. سيدة مصرية وابنتها غدير، صبية ربما لم يتعد عمرها الثانية عشرة.. كلتاهما محجبتان.. حجاب ضاغط على الرأس والوجه.. يكاد يعصرهما!
غدير ذكرتني بفتاة أخرى.. كانت في عمرها أو أقل قليلا.. عرفتها منذ نحو ثلاثين عاما، لم تنس حتى الآن مشهد الختان الوحشي.. عندما تكالبت على جسدها الصغير امرأتان.. إحداهما فتحت فخذي الطفلة إلى أقصى درجة مؤلمة.. في مواجهة المرأة الأخرى ضخمة البدن.. المتشحة بالسواد.. الممسكة بشفرة حادة.. تلمع.. كما تلمع السن الذهبية في فكها.. وما هي إلا لحظات.. حتى انطلقت صرخة الطفلة.. واختلطت مع الصرخة زغرودة أم جاهلة.. ليسمعهما أب أكثر جهلا.. فينطلق تسبيحه لله حمدا في الغرفة المجاورة!
أم غدير تريد أن تختن ابنتها غدير، وعبثا يحاول الطبيب ورجل الدين وعالمة الاجتماع إقناعها.. بأن ذلك ليس من الدين في شيء.. ولن يمنع عن ابنتها الاستثارة والرغبة الجنسية.. لكنه سيعذبها عندما تفشل في إشباع تلك الرغبة الطبيعية المشروعة، لم تقتنع.. فتلك الأم المصرية.. مشبعة بثقافة مغرقة في التخلف والأنانية والجهل.. تصور لها- على ما بدا في عينيها من جوع تظن أنها تخفيه- أن طلب المرأة للذة.. المشروعة.. عيب وحرام!
نعم.. نحن جميعا نسعى إلى التغيير في مصر بكل جوارحنا.. لكن التغيير الحقيقي لا يقتصر على النظام السياسي للدولة فقط.. فليس وحده الاستبداد السياسي والفساد الحكومي.. هو حافز الحالمين بالتغيير.. بل هناك ملامح شائهة في ثقافة المجتمع المصري.. تدفعنا دفعا للحلم بالتغيير.. منها الإيمان بالخرافة.. والعقلية الدينية.. المهيمنان على الإنسان المصري، ومنها احتقار المرأة.. المتعلل بالدين، وأشياء كثيرة أخرى.. نحلم بتغييرها في البنية الثقافية للمجتمع المصري.. لذلك.. وقبل أن تمتشقوا علينا سيوف شعارات تحرير فلسطين مضافا إليها.. العراق!.. دعونا ننتبه إلى تحرير الإنسان ومستقبله.. من إرث الماضي الثقيل.. دعونا ننقذ غدير....