المرأة المصرية والدستور



حمدى عبد العزيز
2013 / 12 / 12

بغض النظر عن سلبيات مشروع الدستور الحالى فهو جاء متقدما على كل الدساتير المصرية السابقة فيما يتعلق بحقوق المرأة المصرية ..

ففى دستور 23 فى المادة 3 تحدث عن عدم التمييز بين المصريين (بسبب الأصل أو اللغة أو الدين ) ولم يأت على ذكر الجنس .. وفى باقى مواده لم يرتب حقوقا للمرأة ولم يتحدث عن كفالتها أو رعايتها ..

واستمر الأمر على ذلك فى دستور 30 ..

وفى مشروع دستور 54 الذى يغالى البعض فى الأشادة به ظل الأمر كذلك .. فقال (( لاتمييز بينهم ( أى المصريين أمام القانون ) بسبب الأصل أو اللغة أوالدين أو الأراء السياسية أو الأجتماعية )) ولم يتحدث عن التمييز بسبب الجنس ..

وسار الأمر كذلك فى دستور 56 المؤقت ( رغم انه دستور ثورة 23 يوليو ) .. بل انه تشابه مع دستور 2012 الساقط بأمر الشعب فى (( تيسر الدولة للمرأة التوفيق بين عملها فى المحتمع وواجباتها فى الاسرة )) وتجاهل تماما قضية توليها المناصب الأدارية العليا وتمكينها من حقوقها الأجتماعية والسياسية ..

وجاءت النشرة التشريعية لسنة 58 ( دستور الوحدة ) متقدمة بعض الشئ عما سبق عندما أوردت لأول مرة فى المادة 7 مسألة عدم التمييز على أساس الجنس .. ولكنها لم تتقدم - عما سبق من دساتير -خطوة واحدة على صعيد حقوق المرأة الأجتماعية والسياسية ..

وفى دستور 71 الذى أحرز تقدما لايجب انكاره عندما أورد فى المادة 10 عن حماية الأمومة والنشأ ..ثم فى المادة 11 ((مساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والأجتماعية والثقافية والأقتصادية )) ألا انه وضع شرطا هو (( دون الأخلال بأحكام الشريعة الأسلامية )) وهو هنا قد جعل حقوق المرأة أمرا خاضعا لرحمة مفسرى الفقه الأسلامى واجتهاداتهم المختلفة التى قد تحول دون تمكين المرأة من بعض حقوقها الأجتماعية والسياسية ووما قد يمنعها من تولى بعض الوظائف الأدارية العليا فى الدولة ..

ثم جاء دستور 2012 - الذى أسقطه الشعب المصرى مضيعا على المرأة ماأكتسبته من الدساتير السابقة من حقوق - ولو كانت ناقصة - عندما وضع المواد 2 , 4, 10 , 11 , 76 , 219 .. لتسد أمام المرأة كل آفاق التقدم على طريق نيل حقوقها الأجتماعية والأقتصادية والسياسية ,, بل والشرعية والشخصية أيضا ..

فهيئة كبار علماء الأزهر قد أصبحت فى المادة 4 هى المرجع فيما يتعلق بتطبيق المادة 2 .. (مادة مبادئ الشريعة الأسلامية ) بل ليست وحدها فقد خضعت لتفسير المادة 219 .. فى ( قواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة ) وأتمها بأعتبار ان الجريمة قد توضع بنص دستورى .. أى خارج القانون فى المادة 76 التى تتكامل تماما مع المادة 219 لتضعنا مع المادة 11 امام احتمالية قضاء جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..

فأين ستمارس المرأة حقوقها وقد تكرست الذكورية تماما فى دستور 2012 ؟ من خلال إمكانية ان تحكمنا شرائع المجتمعات البدوية والصحراوية وفهمهم المتخلف والضيق والذكورى للدين ؟

هذا فضلا عن ان هذا الدستور عندما أحب ان يتناول حقوق المرأة فهو تحدث فقط عن (( التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام )) وذلك فى مادته العاشرة .. ثم أضاف بعبارة باهتة غير قاطعة (( وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة )) وهذه العناية والولاية طبعا سترتبط بالشروط التى وضعتها المواد السابقة الذكر فى هذا الشأن والتى تجعل كل التشريعات مرهونة بمشيئة (هيئة كبار العلماء بالأزهر ) و ( أهل السنة والجماعة ) وما يتشكل عنهم من جماعات ... وماكان سوف يترتب على ذلك الدستور المهين للشعب المصرى بعمومه من نشوء نظام ولاية الفقيه وعربدة جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى سائر أرجاء المجتمع المصرى ...

فى مشروع الدستور المطروح الآن للأستفتاء عليه - وبغض النظر عن بعض المواد موضوع الجدل والتى قد لانوافق عليها مثل مايتعلق بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو مايتعلق بمسألة الأخطار قبل الأجتماعات العامة والتظاهر أو مايتعلق ببعض الحقوق الأجتماعية للعمال والفلاحين ( والتى هى رهن بنضال سياسى وأجتماعى وليست رهنا بوثائق ورقية قانونية كانت ام دستورية ) ..وهو مايتطلب عملا سياسيا ونضاليا تراكميا من القوى صاحبة المصلحة لأحداث تعديلات على الواقع تستجيب لها الأوراق والوثائق القانونية والدستورية ..

هذا المشروع قد جاء - كما قلت فى مقدمة هذا المقال - كخطوة تقدمية غير مسبوقة فى مجال حقوق المرأة المصرية فهو فى نص المادة 11 يقول (( تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور ..

وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية على النحو الذى يحدده القانون , كماتكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا للدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية , دون تمييز ضدها .

وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل .

كماتلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا ))

هذا الدستور يفتح إمكانات لنضال المرأة المصرية فى اتجاه نيل حقوقها فى اطار نضالها الأجتماعى والوطنى مع الشباب والرجال وتحررها الذى لايمكن فصله عن إمكانيات التحرر الوطنى وتحرر الأنسان المصرى من سيطرة الطبقات المستغلة (بكسر الغين ) وتبعيتها للمركز الرأسمالى العالمى ..