المرأة العربية أنواع والرجل نوع واحد



حمودة إسماعيلي
2013 / 12 / 26

الرجل يُعرَّف على أنه إنسان، المرأة تُعرَّف على أنها أنثى : وحينما تتصرف المرأة كإنسان يُقال لها إنها تقلِّد الرجل
.. سيمون دو بوفوار

المرأة العربية لا يمكن أن نختصرها بشخصية معينة، أو بنموذج معين، بل إن شخصية الأنثى العربية تتشكل من عدة أنماط سلوكية وفكرية، نجد أولها :

ـ المرأة التقليدية : ربة البيت والمهتمة برعاية الزوج والأبناء والسهر على راحتهم، مطالبها تنحصر في بيت آمن وزوج طيب وأحلامها مرتبطة بنجاح أبنائها، لا تنشغل بتحقيق انجازات أو أهداف شخصية بل قنوعة وهمّها أن تعيش كامرأة عادية، دون أن تتوانى عن المشاركة الاجتماعية بالمساهمة والتواجد بافراح وأحزان الآخرين، وكذلك المواظبة على التقاليد العائلية وتأدية الطقوس الدينية والاجتماعية (كالاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية).

ـ المرأة الاستعراضية : ترفض حياة البيت، لديها انشغال بالتعبير عن ذاتها وكشف شخصيتها وفنها وحتى جسدها للعالم، تهتم بتحقيق الأهداف والأحلام والأمنيات، تكافح لامتلاك زمام أمورها ومسؤولية قدرها، هي المغنية والراقصة والممثلة وحتى العاهرة، التي تستغل جسدها وشكلها لتغيير واقعها.

ـ المرأة الحديدية : لا ترى اختلافا بين الأنثى والذكر، ذات استعداد للاشتغال بالمهن الذكورية، ساعية لفرض المساواة بين الجنسين، مدافعة عن ذاتها وعن بنات جنسها، الدفاع عن حقوقها يأتي قبل تكوين الأسرة، ضمان مكانة وكرامة المرأة بالمجتمع أهم أولوياتها، تتبنى ذلك سواء كمناضلة جمعوية أو كفاعلة سياسية.

ـ المرأة المبدعة : لا تختلف عن الاستعراضية إلا بعدم الاعتماد على جسدها أو شكلها بقدر اعتمادها على موهبتها أو عقلها، قد تكون مغنية أو ممثلة، لكنها من النوع الأكثر وزنا والتي تسهر على إيصال الفكرة لتغيير الواقع الاجتماعي وليس فقط واقعها الشخصي، وهي من نوع النساء اللواتي يمثلن صورة مجتمعهن الإبداعية، سواء بالغناء أو الرسم أو الشعر أو الرواية وماسواه من مختلف المجالات الثقافية والفنية وحتى بالمجال الرياضي.

المرأة المسترجلة : والتي ترفض أن لعب أي دور من أدوار الأنثى، تجد ذاتها في التماهي مع شخصية الرجل وتقليد حركاته ومشيته وطريقة كلامه، يمتهنّ غالبا الرياضات العنيفة أو التي يمارسها غالبية الذكور، وقد تجدهن كذلك من الجانحات ومستهلكات المخدرات والكحول (أو مروّجات)، فشخصية المجرم تغلب في مخيلتهن على مفهوم الرجل، نظرا لتأثير البيئة والوسط (فتراهم كرجال أقوياء)، والمرأة المسترجلة تتخلى عن شخصية المرأة رغبة منها في التخلص من الضعف الذي أُلصق بهذه الشخصية ! .

أما بالنسبة للرجل فهناك نوع واحد وهو الساعي لتحقيق ذاته وإبراز نجاحه، سواء كفنان أو كمبدع من جهة أو كموظف ورب أسرة من جهة أخرى، يظل النموذج المهيمن هو الرجل الفاعل أو الشخصية صاحبة المبادرة والبحث عن الذات. فالرجل كنوع إما أن يفشل كمجرم أو متسول أو بلطجي أو ينجح كفنان وكرياضي و"سيد البيت". بكل الحالات الرجال يشتركون بنمط واحد : الرجل الساعي لتكوين مستقبله وبيته وأسرته، أكان "تقليدي" أو "مبدع".

لكن ما سبب هذا الاختلاف ؟

إن الرجل باختلاف الطبقات الاجتماعية، أكان فقيرا أو غنيا، أبوه مثقفا أو جاهلا، فإن تربيته تركزت على تعليمه كيف يتبث ذاته وينجح بالمستقبل معتمدا على نفسه. أما بالنسبة للأنثى فتربيتها تختلف حسب اختلاف الطبقة الاجتماعية واختلاف المستوى الفكري، فالطبقات العادية كانت تهتم بتكوين ربة بيت وأُم قادرة على الاعتناء بالأسرة، ولم يكن الوسط بحسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية يسمح للأنثى بان تنشغل بالمجالات الفكرية أو الفنية أو الرياضية، عكس الطبقة الاجماعية الأخرى التي كانت بحكم الاداب والذوقيات تفرض على الانثى أن تتطلع على الفن والثقافة وابراز الذات بهذه المجالات أو حتى الاشتغال بالحقل السياسي أو إدراة الاعمال، بحكم المكانة الاجتماعية للأسرة أو الأعراف المنحصرة بهذه الفئات الاجتماعية.

لكن مع تغير المجتمع اقتصاديا وتداخل طبقاته وفئاته نتيجة ثورات اجتماعية أو غزوات سياسية ثقافية، وبانتشار الوعي وتعميم الثقافة والفن والرياضة على كافة الشرائح الاجتماعية، تداخلت الأنماط الشخصية للإناث بين أفراد المجتمع الواحد، فصارت الطبقة الاجتماعية الواحدة تمتلك داخل مكوناتها جميع أنواع شخصية المرأة ـ حتى بظل معايشة نفس الظروف الثقافية والاقتصادية ـ فقد تجد الأنواع المذكورة عن المرأة بحي واحد، أو حتى في عائلة واحدة.

حتى بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية،فلم تعرف المرأة نوعا أو نموذجا معينا، فقد كانت المرأة الفقيهة (ابنة الفقيه أو أخته أو زوجته) والمرأة السيدة (الزوجة صاحبة البيت) والمرأة الجارية (وهي المسلية والاستعراضية)، وهذه الأخيرة هي كذلك بحكم أنها تنتمي لأدنى الفئات الاقتصادية والاجتماعية.

أما بالنسبة للرجل بنفس التاريخ، فقد كان الرجل السيد أو التاجر وكان الرجل العبد أو الخادم، لكن كلاهما قد تلقى نفس التربية، فالخادم تجده يأمل ويفكر كيف ينجح كذلك ويصبح سيداً، لكن الجارية لا تطمعُ بأن تصبح يوما ما فقيهة أو السيدة لأنها تربت منذ صغرها على إمتاع سيدها، فطموحها لا يتجاوز أن تكون المفضلة لديه بين بقية الجواري ! .

وحتى إذا تناولنا شخصية الرجل المخنث، نجده لا يختلف عن بقية الرجال سوى ببعض التصرفات الأنثوية واختلاف الميول الجنسية، لكنه لن يرغب طبعا بأن يكون ربة بيت، لأنه مثله مثل باقي الرجال يطمح لأن يحقق تفوقا ونجاحات ومكانة اجتماعية، فالعديد من الشخصيات التي بلغت شهرتها حدا بمجال معين ولم يدري الجميع أن لها ميول مثلية، لأنهم بدوا مثلهم مثل باقي الرجال، فقد تلقوا تربية رجالية حتى ولو كانوا يرون ذاوتهم في النساء.

تقول نوال السعدواي : "لا ليست الطبيعة إنها مسألة عادة، لقد تعودت المرأة أن تجد لذاتها فى الضعف والذل، وتعود الرجل أن يجد لذاته فى البطش والسيطرة".

التربية بحكم تركيزها على تأسيس رجل ناجح وسيدة فاضلة، خلقت مجموعة من النساء ورجل واحد لأن تربية الأنثى لم تمتد لتشمل اهتمامتها وطموحها وتأخدها بالحسبان، وعندما انفتح المجتمع على الجنسين وكافة الطبقات، نتيجة التحديث انكشفت عدة أنماط بالمرأة كممرات سرية، تنتهي إما بتحول المرأة لخاضعة أو منافسة أو مقلدة للرجل.