خطاب ديني : النساء فيه عدو أول



مهند عبد الحميد
2013 / 12 / 26

حَمَلَ خطيب صلاة الجمعة في أحد المساجد الخاضعة لوزارة الاوقاف الفلسطينية " النساء اللواتي لا يلتزمن "بالزي الشرعي الاسلامي" المسؤولية عن احتباس الامطارالذي وصف بأنه جاء كعقاب رباني على معصيتهن"! ولا نعرف ما هو تفسير الخطيب للمنخفض الكبير الذي عم المنطقة بعد أسابيع! واحتج خطيب آخر في خطبة صلاة جمعة أخرى على المؤسسات النسوية الفلسطينية لأنها "تحرض النساء على المطالبة بحقوقهن في الميراث"! وخطاب ثالث يتساءل الخطيب فيه لماذا يقوم الاب او الاخ بقتل البنت المتهمة " بانتهاك شرف العائلة ويتجاهل في الوقت نفسه قيام الابنة او القريبة بقيادة السيارة كفعل لا يقل سوءا عن الأول! وخطابات أخرى عديدة تنطلق من مساجد وزارة الاوقاف تهاجم يوم المرأة العالمي وعيد الام والغناء والدبكة والرقص المعاصر والسينما والمسرح والاختلاط وفريق كرة القدم والألعاب الاخرى للبنات وخطابات ضد الديانة المسيحية والديانات الاخرى، وضد العلمانية، الى آخر القائمة الطويلة من الممنوعات.
هذا النوع من الخطابات الدينية التعصبية الذي يوجه قطاعا من المصلين والمستمعين في محيط المساجد، يضرب عرض الحائط بالعقد الوطني الاجتماعي التاريخي المؤسس على التعدد الديني والثقافي والسياسي الذي كرسته منظمة التحرير وتنظيماتها المتنوعة (الوطنية واليسارية والعلمانية) ولاحقا السلطة الوطنية. إنه خطاب غريب على الثقافة الدينية السائدة في بلد مهد الديانات الثلاث، ومتناقض مع الخطاب الديني الذي قدمته ورعته المنظمة والسلطة طوال العقود السابقة، وكان عاملا في تعزيز الوحدة الوطنية والمجتمعية وفي تعزيز قيم المجتمع الاصيلة المبنية على الثقة بالبشر وعلى حاجتهم لمواكبة كل تطور وكل انفتاح على الثقافات الانسانية، سيما التطور في منظومة القوانين التي تزيل كل تمييز ضد النساء (نصف المجتمع). إن هذه الفئة من الخطباء والفئة الاجتماعية المساندة لهم في الداخل ومرجعياتهم في الخارج، يعلنون حربا ضد الثقافة الوطنية والمجتمعية الديمقراطية الفلسطينية التي شكلت على الدوام رافعة كبرى للمشروع التحرري الوطني والاجتماعي. هؤلاء يقدمون بكل سهولة ويسر افكارا نقيضة بالكامل لافكار وثيقة إعلان الاستقلال والميثاق الوطني والنظام الاساسي وبرامج التنظيمات السياسية المنضوية في المنظمة وبرنامج اتحاد المرأة والمنظمات النسوية، ويقدم نقيضا لالتزام السلطة باتفاقية سيداو الداعية لازالة كل أشكال التمييز ضد النساء.
هل من حق هؤلاء شطب ثقافة وتاريخ؟ واستبدال منطق الحوار والمحاججة واحترام الرأي الاخر والحق في الاختلاف بمنطق الاقصاء والتكفير والتخوين والترهيب وفرض الرأي الواحد باعتباره حقيقة مطلقة.هل من حق هؤلاء تقديم مواقفهم المتخلفة من النساء وحقوقهن باعتبارها الموقف الوحيد الملزم دينيا في المجتمع الفلسطيني؟ من يستطيع إدعاء امتلاك الحقيقة منفردا بوجود عدد كبير من الاتجاهات والتفسيرات والاجتهادات؟ إن إدعاء امتلاك الحقيقة يعني إعلان حرب على الآخرين الذين يشكلون أغلبية المجتمع. وحتى لو حظيت فئة بتأييد ودعم الاكثرية، فلا يجوز لها إعلان الحرب على الاقلية. بل يجب احترام رأي الاقلية وضمان حقها في التعبير عن هذا الرأي. مشكلة الاسلام السياسي بمختلف تعبيراته انه يحتكر استخدام الدين بتفسير حصري ولا يحترم الاتجاهات والمدارس الاخرى التي تقدم تفسيرات مختلفة، ولا يحترم التعدد. وتحاول تعبيرات الاسلام السياسي الدينية أن تفرض تفسيرها ورأيها بالترهيب الدعوي وتستخدم المساجد لاطلاق الاحكام والادانات والتهديد والوعيد. ثمة مفارقة ناشئة من كون القوى النافذه تقبل بهؤلاء وتسمح لهم بالتعبير عن آرائهم واجتهاداتهم مقابل رفضهم للاراء الاخرى بما في ذلك رأي السلطة النافذة، وهذا يعني حرية تعبير من طرف واحد، وحرية استباحة حقوق النساء (نصف المجتمع ) من طرف واحد التي تغذي العنف وبخاصة جرائم القتل الوحشية، وحرية التحريض العدواني الترهيبي ضد العمل والنشاط النسوي في طول البلاد وعرضها وفي وضح النهار. إن هذا ينطوي على تهديد المحرضين بقلب الطاولة على رؤوس التواقين للحرية والعدالة والمساواة في اي لحظة قوة. الواحدية الممارسة تتنافر مع قواعد الديمقراطية، والتبادل السلمي لمواقع كل من الاقلية والديمقراطية. والواحدية الترهيبية تهدد السلم الاهلي وتدمر العقد الاجتماعي الوطني إذا ما استمر الوضع على حاله.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا تسمح وزارة الاوقاف باستخدام المساجد لترهيب النساء؟ لماذا تسمح بإطلاق خطاب ديني متناقض مع برنامج الحكومة والمنظمة الاجتماعي المعلن؟ لماذا تساهم وزارة الاوقاف في خلق بنية تحتية لإصولية إقصائية تحتكر تفسير النص وتهدد وحدة المجتمع؟ إن وزارة الاوقاف تتبع موقفا متشددا في السياسة دفاعا عن مواقف السلطة من جهة، وتتبع موقفا متهادنا في القضايا الاجتماعية وبخاصة في كل ما يتصل بقضايا النساء (نصف المجتمع) من الجهة الاخرى. وكأن الموقف السياسي المتشدد يشكل غطاء للموقف الاجتماعي المتهاون. وزير الاوقاف يتحمل المسؤولية، غير ان الحكومة ورئيسها د. رامي الحمد الله ومؤسسة الرئاسة والرئيس محمود عباس يتحملون المسؤولية الاولى.