نايف ... الإنسان!



علي فردان
2005 / 6 / 15

نايف، وزير الداخلية السعودي، لا توجد أوصاف له أبلغ من ما تم ذِكره أعلاه، فهو إنسان بمعنى الكلمة، حريص على مصلحة الشعب وله خبرة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود يدير فيها البلاد والعباد بقبضة حديدية.
أولوياته الأمن، وتحت هذا العنوان تخضع كل المؤسسات المدنية للرقابة، ولأن الأولوية للأمن، فإن موضوع قيادة المرأة للسيارة "ليس قضية، وليس من أولويات الدولة". أولويات الدولة وعلى مدى عقود هو الأمن وبعد ذلك تأتي أشياء أخرى، ولكن متى؟
عندما تحدّث نايف عن أولويات الدولة وإن موضوع قيادة المرأة ليس قضية أولوية للدولة، تذكّرت مع تقوله قيادات "الحكومات العربية" منذ كنّا أطفالاً، وهي أننا "نعيش منعطفاً خطيراً في هذه الفترة"، وإلى الآن لازلنا نعيش نفس المنعطف، حتى أصبح هذا المنعطف مركزاً "للتفحيط" من كثر ما سمعنا عنه. أيضاً كان ولازال الحديث لهذه الحكومات عن فلسطين، وعلينا أن ننتظر حل قضية فلسطين أولاً قبل أن تستطيع المرأة في السعودية قيادة السيارة.
لقد أخطأ الدكتور محمد آل زلفة حين تحدث عن قيادة المرأة للسيارة، وقد خاب ظن نايف الإنسان فيه، وهذا رأي اجتهد فيه نايف، فله أجر واحد إن أخطأ وأجران إن أصاب. ولأن رأي نايف يحتمل الإصابة لأنه ولي أمر المسلمين مع أخوته، فهذا يعني أن نقاش موضوع قيادة المرأة يحتمل أن يؤدي بصاحبه إلى منـزلة عالية من التكريم، مثل ما حدث للإصلاحيين أبطال المجتمع المدني، الأستاذ متروك الفالح والأستاذ عبدالله الحامد والأستاذ علي الدميني.
ما ذكره نايف .. الإنسان هو تهديد مبطن لكل من يتجرأ ويناقش أي موضوع دون إذن ولي الأمر، وولي الأمر كلمة مطاّطة، ربما تعني نايف، أو سلمان أو سلطان أو عبدالله، أو محمد بن فهد أو أي أمير آخر. ولي الأمر هذا هو الذي يرى ما هو الصواب وما هو الخطأ، وعليه فهو يقرأ المستقبل ويعرف المهم والأهم، وما يحتاجه الناس، فهو أقرب للآلهة منه إلى الإنسان لأنه لا يخطئ ووظيفته مدى الحياة.
ما ذكره نايف ليس فقط انتقاد للدكتور محمد أل زلفة، بل اتهم فيه نساء العالم بأنهن بائعات هوى حين قال "بينما في دول متقدمة المرأة تعيش للأسف من بيع شرفها، وهذا هو الواقع"، أي أنه متأكد مما يقول، وهذه تهمة يجب أن تتحرك الجهات الحكومية الغربية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية لرفع قضية ضده، خاصةً وأنها تصب في منحى التطرف والدعوة للإرهاب الذي تحتضنه وزارة الداخلية ممثلةً في المؤسسة الدينية بقيادة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ما ذكره نايف هو ليس "سقطة" بل واقع حقيقي للتفكير الوهابي الذي لا ينظر للآخرين فقط بريبة، بل بانتقاص وأنهم أدنى مستوى من الحيوانات، وإنهم هم فقط "الوهابيون" على الطريق القويم، والبقية "حثالة أبناء حرام".
يجب على المجتمع الدولي أن يقاضي نايف على هذا التصريح المشين والذي ليس فقط يتنافى مع قيم الإسلام التي "يطنطن بها"، بل يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية وتنال من أكثر من نصف سكان الأرض الذين يعملون ليل نهار في سبيل حياة أفضل لهم ولمجتمعهم، وتنال من الباقي لأنم أبناء لهؤلاء النسوة. ما ذكره نايف هو ما تذكره المؤسسات الدينية التي تتغنى بالطهر والعفاف الذي تعيشه المرأة السعودية الحبيسة في البيت. ولا أدري كيف تعيش العديد منهن، حيث أن نايف لا يتحدث عن تلك الفئة التي تموت في الشوارع من المعلمات، أو يرضين بزواج المسيار بسبب الفاقة، أو التي يقوم أولياء أمورهن بتزويجهن لكبار السن فقط من أجل المال. أين ستذهب النساء المحتاجات إذا كن لا يستطعن العمل وعليهن التزامات من أطفال وخلافه؟ هذه قصة يرويها صاحبها قال بأنه دخل قرية وصلىّ في المسجد وسأل عن عائلات فقيرة لأن لديه مال يريد أن ينفقه، فقال له هناك بيت "؟؟؟؟؟؟؟ فلانة"، وفعلاً ذهب للبيت وطرق الباب وخرجت امرأة وتحدّث معها. قالت بأن لديها خمسة أطفال وأبوهم في السجن والفقر مصيبة، فاضطرت لأن تبيع جسدها للحصول على المال لإطعام أطفالها، وحلفت أمامه على المصحف بأن الفقر دفعها لذلك الطريق.
تصريحات نايف المهينة للكثير من المواطنين لم تكن الأولى، بل سبقتها تصريحات أخرى قبل أكثر من عام حين قال لصحفي "الوطن" يشكك في وطنية ويتسائل هل أنت سعودي؟ موجهاً الحديث للصحفي. أمّا ما قاله يوم أمس عن الدكتور محمد آل زلفة فهو ينضح بالانتقاص والتهديد المبطن، مع أن ما تحدث عنه آل زلفة هو من صميم عمله كعضو مجلس شورى، ولم يخرج بجديد. بل العديد من المثقفين والكتّاب والكاتبات قالوا ما قاله، ولكن يبدو أن فتح الباب بما لا يشتهي نايف هو إشكال في حد ذاته على أقل تقدير، ونايف لن يتسامح في موضوع قيادة المرأة في مقابل إرضاء الجهات الوهابية المتطرفة التي يحتضنها.
لقد قال نايف بالحرف الواحد ونقلته اليوم الصحافة المحلية كلها تقريبا :الأخ د. محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى وأنا استغرب لأنني اعرف هذا الرجل وما يتمتع به من عقل وثقافة ولكن أقول "خيّب ظني". بمعنى آخر أن نايف يقول بأن آل زلفة "كان يتمتع بعقل وثقافة قبل أن يتحدث عن موضوع قيادة المرأة للسيارة"، فالان آل زلفه لا يتمتع لا بعقل ولا بثقافة حتى يأمر نايف بذلك. أي أن نايف أخطأ في تحليله لشخصية آل زلفة، وقد خيّب ظن نايف فيه. ومن مبدأ حرية التعبير وإبداء الرأي، فهل يستطيع أن ينقل آل زلفة رأيه أو رأينا جميعاً لنايف: نايف وزير الداخلية نعرفه جميعاً، وكنا نعتقد أنه إنسان، لكنه خيّب ظننا فيه.