هل يمكن تثبيت نسبة تمثيل للنساء في البرلمان بمادة دستورية؟



صائب خليل
2005 / 6 / 16

فيما يلي تبيان استحالة تثبيت نسبة تمثيل للنساء في البرلمان بمادة دستورية .المادة هي جزء من مقالة سابقة اطول ناقشت بها الدستور المقترح من قبل الدكتور منذر الفضل واعيد نشر هذا الجزء لأهميته في هذا الوقت حيث يدور النقاش حول الدستور العراقي المقترح, خاصة وان تثبيت نسبة تمثيل النساء في البرلمان (الجمعية الوطنية) هو احد اهم المطالب التي تطالب بها الأحزاب اليسارية خاصة والعلمانية بشكل عام, مع العلم ان الموضوع يلق اهتماما ايضا من الاحزاب الأسلامية.

حاول البعض ضمان مشاركة المرأة في البرلمان بنسبة وصلت الى 50% (كحد ادنى!).
هذا يبدو اقرب الى حلم جميل منه الى نص دستوري. فالمرأة لم تحصل على مدى التاريخ وفي اي مكان حسب علمي على تلك النسبة, ويشمل هذا بلدانا متقدمة وعريقة في الديمقراطية وتحرر المرأة اكثر من العراق كثيرا. يبدو لي ان المقترح محاولة اجراء قفزة اجتماعية من الحجم ما لم تستطعه اي من الدول التي سبقتنا ويحمل الديمقراطية الفتية اكثر من طاقتها.

ثم ان تحديد 50% لمشاركة المرأة كحد ادنى يتجاوز انصاف المرأة, الى ظلم الرجل بشكل صارخ! فهو يثبت ان المرأة يجب ان تحصل على اكثر من نصف المقاعد عدا في الحالة الخاصة التي يتمكن فيها الرجال من الحصول على كل الحد الاقصى المسموح لهم بالحصول عليه, وهذا احتمال ضعيف جدا, كما سيلي تبيانه.

ومن ناحية اخرى, يخالف المبدأ فكرة الديمقراطية اساسا, في ان البرلمان يجب ان ينتخب حسب ارادة الشعب. فماذا لو لم تحصل النساء على الحد الادنى من الاصوات؟ ماذا لو لم تحصل احداهن على اي صوت (الا صوتها ربما)؟

وان اعفينا النساء من الحد الادنى لعدد الاصوات لاحتلال مقعد في البرلمان, الا تدفع الفكرة الى ان تلجأ الجهات التي تفتقر الى الشعبية, الى ترشيح نساء بدلا من الرجال لزيادة احتمال حصولهم على المقاعد؟

وكيف يقسم هذا الشرط على الاحزاب والاطراف المختلفة المكونة للبرلمان؟
اذا كان سيطبق على كل قائمة من القوائم على انفراد, ايضا,(وهي الطريقة الوحيدة التي تبدو معقولة) فمعنى ذلك ان التساوي سيكون محتملا فقط للقوائم التي تفوز بعدد زوجي من المقاعد, وسيكون للنساء زيادة اجبارية في القوائم التي تفوز بعدد فردي منها. مما يعني عمليا ان عدد النساء في البرلمان يجب ان يزيد عن الرجال حسب هذا القانون.

واذا كان البرلمان القادم سينتخب بطريقة "الاصوات التفضيلية", اي ان للمرشح الحق في المقعد البرلماني بغض النظر عن موقعه في القائمة ان هو حصل على الاصوات الكافية, حتى لو لم يحصل عليها من هو فوقه في تسلسل القائمة, فلن يمكن ضبط من سيفوز من قائمة المرشحين.

واذا افترضنا ان المرشحين من اية قائمة, يحصلون على المقاعد حسب اسبقية ورود اسمائهم في القائمة (كما هو في هولندا مثلا, في حالة عدم الفوز بالاصوات التفضيلية) فأن هذا المقترح بحد ادنى للمرأة ب 50% يعني عمليا اشتراط ان يكون الاسم الاول في كل قائمة مرشحة, عائدا لامرأة! لان عكس ذلك يعني انه في حالة حصول تلك القائمة على مقعد واحد فقط, وكان الاسم الاول لرجل, فمن الممكن ان تزيد نسبة الرجال عن 50% مما يجعل البرلمان "غير دستوري"!

هذا يعني ايضا, ان حق ترشيح الشخص لنفسه في قائمة مفردة كممثل للبرلمان, سيكون مقصورا على النساء فقط!

لاينفع في هذه الحالة اجراء مثل السماح بترشيح شخصي لرجل الا في حالة وجود مرشحة انثى مقابله, لانه من الممكن ان ينتخب الرجال فقط في النهاية, او ينتخب منهم عدد اكبر من النساء. ولو حاولنا التغلب على هذه المشكلة بالالتفاف حولها, مثلا, ان يكون قبول كل عضو برلماني مشروطا بفوز عضو نسائي مقابله, فمعنى هذا ان فوز العضو سيعتمد على فوز عضو اخر, وهو امر غير مقبول.

نصل الى الاستنتاج بأن الامكانية الوحيدة لتطبيق الفكرة هي اجراء انتخاب مقاعد النساء بمعزل عن الرجال, او انتخاب برلمانين متساويي العدد من الرجال والنساء, ثم دمج البرلمانين, لكنه حل غريب. وهو يتعارض مثلا مع الرغبة المحتملة جدا, في ان عددا من النساء المرشحات قد يرغبن الحصول على المقعد بجدارة كأنسان يدافع عن مباديء معينة, مثلما يفترض في اي برلماني ناضج, وليس لمجرد كونها امرأة.

******
الفوضى التي تحيط بموضوع كتابة الدستور, وانشغال المعنيين بأنقاذ الوضع من التدهور, يجعلني في شك شديد ان احداً سيقرأ ما يكتب في الصحف والانترنيت, واعتقد انه في النهاية ستتزاحم في الدستور نقاط متنافسة سياسيا بشكل لا يسمح بأية فكرة او اقتراح خارجي, وان فرصة اية مادة لتضمنها الدستور تعتمد على القوة السياسية والعسكرية التي ستدافع عنها.